البروتوكولات واليهودية والصهيونية

عرض/ إبراهيم غرايبة
ينفي هذا الكتاب أن تكون بروتوكولات حكماء صهيون هي مخططات يهودية، ويرجح أنها من إعداد مسيحيين متطرفين معادين لليهود. ويرى المؤلف أن مقاومة الصهيونية لا تكون بكره اليهود والتشهير بهم وإظهار شرورهم الحقيقية والمتخيلة، بل إن هذا الأسلوب يخدم الصهيونية أكثر مما يضرها. ومؤلف الكتاب هو الدكتور عبد الوهاب المسيري المتخصص بالشؤون اليهودية، ومؤلف كتاب "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.. نموذج تفسيري جديد" الواقع في ثمانية مجلدات، وعشرات الكتب عن اليهودية والصهيونية.

بروتوكولات مزيفة


undefined-اسم الكتاب: البروتوكولات واليهودية والصهيونية
-المؤلف: عبد الوهاب المسيري
عدد الصفحات: 254
-الطبعة: الأولى 2003
الناشر: دار الشروق, القاهرة

يتناول الفصل الأول من الكتاب أصل البروتوكولات والموضوعات الأساسية فيها، وقد نشرت البروتوكولات عام 1905 ضمن كتاب لمسيحي أرثوذكسي متطرف هو سيرجي نيلوس، وقيل إنها محاضر اجتماعات المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بال بسويسرا عام 1897 برئاسة تيودور هرتزل. وقد لاقت البروتوكولات رواجا كبيرا في أوروبا، ثم انتشرت في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل.

والرأي السائد في الأوساط العلمية أن البروتوكولات وثيقة مزورة استفاد كاتبها من كتاب فرنسي نشر في القرن التاسع عشر بعنوان "حوار في الجحيم بين مكيافيلي ومونتسيكو"، وتبدي مراجعة الكتابين أنه جرت اقتباسات حرفية من الكتاب ووضعت في البروتوكولات. وقد نشرت البروتوكولات على أنها كتبت باللغة الروسية، فلماذا لم تكتب بالآرامية أو اليديشية لغة اليهود؟

ويربط كاتب البروتوكولات المدافع عن القيصرية الروسية المتداعية بين كل الأفكار التقدمية والثورية الحديثة التي يكرهها وبين المؤامرة اليهودية، فاليهود بعد سيطرتهم على المال والإعلام اخترعوا قيم الحرية والمساواة ليؤلبوا الشعوب على ملوكهم، وهذا قول بالغ السذاجة فهذه القيم بشرت بها الأديان السماوية منذ عشرات القرون.


انتشار البروتوكولات في الوطن العربي ربما يعود إلى تفسير المد الاستعماري ولتفسير الهزائم التي لحقت بالعرب على يد مجموعات يهودية كانت توصف بأنها من شذاذ الآفاق

وتسوق البروتوكولات على أنها مخطط عام يشرحه رئيس الحكماء، ولكنها في الوقت نفسه عريضة اتهام موجهة للذات، وكيف يصف رئيس حركة نفسه وفريقه وحركته بأنهم يقودون الأمم من فشل إلى فشل، ويقول عن جماعته وعن نفسه "إننا لنا شره لا يشبع، ونقمة لا ترحم، ومصدر إرهاب". ثم يخبر الرئيس فريقه بأعمالهم الشريرة المعروفة لديهم والتي يطبقونها، فما الهدف من هذا العرض البديهي (كما يفترض) لأناس متمرسين على هذا العمل؟

ولكن إذا كانت البروتوكولات بهذه البلاهة فلماذا لقيت رواجا كبيرا في الغرب ثم في الوطن العربي؟

إن الرؤية المسيحية لليهودي تشجع على قبول هذه الاتهامات لليهود، فهم في الوجدان المسيحي رمز الشر الذين قتلوا المسيح وصلبوه، وربما تعبر البروتوكولات على نحو ما عن أزمة الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر بعد تزايد معدلات العلمنة والتصنيع وتفكك المجتمع التقليدي، وربما دفع ذلك الغرب إلى تبني نموذج تفسيري بسيط اختزالي.

وفي الوطن العربي فإن انتشار البروتوكولات يعود ربما إلى تفسير المد الاستعماري الذي جاء إلى بلاد العرب ويحمل معه اليهود، ولتفسير الهزائم التي لحقت بالعرب على يد مجموعات يهودية كانت توصف بأنها من شذاذ الآفاق، ولتفسير السلوك المتناقض وغير العقلاني للغرب العقلاني الديمقراطي.

البروتوكولات والعنف
من الأدلة الأخرى على أن الوثيقة روسية وأن صاحبها نسبها إلى اليهود أنه لا يعرف شيئا عن العقيدة اليهودية، فلم يشر مرة واحدة إلى أي من الطقوس أو الأعياد اليهودية، ولم يستخدم كلمة عبرية أو آرامية أو يديشية، ولم يشر إلى العهد القديم أو التلمود أو الزوهار والباهير، وهي كتب تحتوي على ما هو أسوأ من البروتوكولات.

فالكتب المقدسة لدى اليهود مليئة بالحض على قتل الغير وكراهيته، وكانت بعض البلاد الغربية تفرض على اليهود أن يحذفوا بعض الفقرات التي تظهر عداء متطرفا للأغيار، وكان أعضاء الجماعات اليهودية يتبادلون فيما بينهم دون علم السلطات مخطوطات خاصة تضم المحذوفات التلمودية.

ولكن مع هذا يجب أن نتذكر أن من كتبوا النصوص التلمودية كانوا زعماء أقلية دينية مضطهدة تعبر عن كرهها وتدخل العزاء على قلوب أعضائها، وكانوا يكتبون بالآرامية التي كانت مجهولة لدى الأغلبية، فيستغرقون في الأحلام اللذيذة المستحيلة، وينسجون من الأوهام عن أنفسهم.

ومن المعروف أن الغالبية من اليهود دخلت في موجة العلمانية، ولم يعد المتدينون يشكلون سوى أقلية بين اليهود، وهؤلاء المتدينون أيضا لا يقرؤون التلمود الذي لا يؤمن به سوى أقلية ضئيلة لا تتجاوز 5% من اليهود.

ويوجد أيضا في النصوص اليهودية ما يعتبر المسلمين من الأخيار غير المشركين، وفي سفر التثنية: لا تمقتوا الأدوميين لأنهم إخوتكم، ولا تكرهوا المصريين لأنكم كنتم ضيوفا في ديارهم.

والسلوك اليهودي في فلسطين ليس مرده إلى التلمود، ولكنه الاستعمار الاستيطاني الذي يشبه الاستعمار الأبيض للقارة الأميركية وجنوب أفريقيا، حيث أبيد السكان الأصليون. فتقديس الصهاينة للعنف هو إفراز طبيعي للحضارة العنصرية الإمبريالية التي كانوا يتحركون في إطارها، والصهيونية لم تتحول إلى حقيقة إلا عبر التشكيل الاستعماري الغربي وهي تدور في إطاره، وتدرك العالم من خلال خريطته المعرفية، وليس من خلال التوراة أو التلمود أو البروتوكولات.

ويرى البروفيسور الإسرائيلي المعارض إسرائيل شاحاك أن الصهيونية تعمل وتفكر عكس التيار الرئيسي للديانة اليهودية، ولا بد أن يؤدي ذلك بإسرائيل إلى كارثة. ويرى الحاخام يهودا أجنس أول رئيس للجامعة العبرية أن الصهيونية تحاول أن تقيد الديانة اليهودية والشعب اليهودي بقيود جنون القوة المادية.

البروتوكولات الصهيونية


أدرك هرتزل أن الاستعمار الغربي هو الآلية الوحيدة لتنفيذ مشروعه الاستيطاني فقام بتأسيس المنظمة الصهيونية للتفاوض باسم يهود العالم

كان تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية علمانيا، ولم تكن زوجته يهودية، وقد تنصر أولاده من بعده. وكان يحتفل بعيد الميلاد (الكريسماس) ولم يكن يتناول الكوشير (الطعام اليهودي وفق الشريعة اليهودية). وكان من الناحية الثقافية ابن عصره الغربي، فكان يجيد الألمانية والإنجليزية والفرنسية والمجرية، ولم يكن يعرف العبرية. واضطر إلى أداء الصلاة اليهودية لأول مرة في المؤتمر الصهيوني مجاملة للحاخامات المشاركين. وتعلم بعض الكلمات العبرية، وقد بذل -حسب قوله- مجهودا كبيرا كي يتعلمها يفوق الجهد الذي بذله في إدارة جلسات المؤتمر. ولا يمكن لشخصية مغرقة في العلمانية وصفها المؤرخون اليهود بالسطحية ووقفت في وجهه المؤسسة الدينية والمالية اليهودية أن يكون هو صاحب البروتوكولات، علاوة على أنه لم يكن يملك موارد مالية.

ولكن يمكن أن يقال: كيف استطاع الوصول إلى رئاسة الحركة الصهيونية؟ الواقع أن هرتزل تعود خبرته ليس إلى معرفته باليهود، وإنما بالشخصيات الاستعمارية وموازين القوى العالمية والتشكيل الاستعماري الغربي.

اكتشف هرتزل أنه يمكن للغرب التخلص من اليهود عبر تحويل هجرة اليهود من العالم الغربي إلى مكان ما خارج حدوده، حيث يمكن توظيفهم لصالح الغرب الذي لفظهم، وهذه هي المفارقة الكبرى في حالة الصهيونية.

وقد أدرك هرتزل أنه لا بد من اللجوء إلى الاستعمار الغربي باعتباره الآلية الوحيدة لتنفيذ مشروعه الاستعماري الاستيطاني الإحلالي، فقام بتأسيس المنظمة الصهيونية ليفاوض القوى الاستعمارية باسم يهود العالم، ولكن منظمته لم تكن تمثل إلا أقلية من اليهود لا يعتد بها، فكان العنصر الحاسم هو الدولة الاستعمارية الراعية وليس المنظمة، فتجاهل منظمته، وبدأ بحثه الدائب عن قوة غربية ترعى المشروع.

المؤتمر الصهيوني
لم يكن المؤتمر الصهيوني الذي عقد في بال عام 1897 ونسجت حوله الأساطير مؤتمرا سريا خطيرا، ولكنه نشرت وثائقه في الصحف، وحضره حوالي 250 شخصا أسماؤهم جميعا ووظائفهم معروفة، وكان معظمهم من يهود أوروبا الشرقية وينتمون إلى جمعية صهيونية واحدة، وكان معظم الحضور من الطبقة الوسطى وربعهم من رجال الأعمال والباقي من الأدباء والطلبة. وكان بينهم ملحدون واشتراكيون وأحد عشر حاخاما، فقد كانت المرجعية الدينية اليهودية تحرم العودة إلى فلسطين. وقد وصف روتشيلد هذه المجموعة بأنهم مجموعة من الصغار والشحاذين والمغفلين الذين يقودهم هرتزل.

كان هدف المؤتمر المعلن هو إقامة وطن قومي لليهود ترعاه واحدة أو أكثر من الدول الكبرى، وكان المؤتمر وكذلك المؤتمرات التالية علنية حضرها مراقبون غير يهود وممثلون لوسائل الإعلام، وقد عقد المؤتمر الرابع والثلاثون في يونيو/ حزيران 2002.

الإعلام ومراكز النفوذ
أصبح الحديث عن سيطرة اليهود واللوبي الصهيوني على الإعلام ومؤسسات صنع القرار في الغرب من ثوابت الخطاب السياسي والإعلامي العربي، ولكن السيطرة الإعلامية سببها الحقيقي هو أن الصهيونية جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، ولم تكن هذه السيطرة بسبب الثراء والمخططات اليهودية.

فاللوبي الصهيوني وإمكانياته الإعلامية والاقتصادية هي أداة الغرب الرخيصة: دولة وظيفية عميلة للولايات المتحدة تؤدي كل ما يوكل إليها من مهام، تشبه العلاقة بين فرنسا والمستوطنين الفرنسيين في الجزائر أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر، وبين بريطانيا والمستوطنين الإنجليز في روديسيا.

فقوة الحركة الصهيونية تنبع من أنها تخدم المصالح الأميركية، وهكذا يجب أن يفهم سر سطوة الإعلام الصهيوني، وسر نفوذ اللوبي الصهيوني. فالحركة الصهيونية ليست جزءا من التاريخ اليهودي، ولا هي جزء من التوراة والتلمود برغم استخدام الديباجات التوراتية والتلمودية. وإنما هي جزء من تاريخ الإمبريالية الغربية، فهي الحل الاستعماري للمسألة اليهودية.

ولذلك فإنها لم تظهر بين يهود اليمن أو المغرب، وإنما ظهرت بين يهود الغرب. ولم تظهر بينهم في العصور الوسطى على سبيل المثال، وإنما في أواخر القرن السابع عشر مع ظهور التشكيل الاستعماري الغربي وبدايات استيطان الإنسان الغربي في العالم الجديد وفي آسيا وأفريقيا. وقد ظهرت في بداية الأمر بين مفكرين استعماريين غير يهود، ثم تبناها بعض المثقفين اليهود من شرق أوروبا ووسطها.

لقد كانت فكرة الدولة اليهودية في فلسطين استعمارية أطلقها قادة استعماريون يكرهون اليهود، وقبل وجود تأثير يهودي في الغرب، مثل نابليون وبسمارك وبالمرستون وبلفور.


تمنع الولايات المتحدة أي محاولة إسرائيلية للاستقلال عنها مثل محاولة التصنيع العسكري أو عقد صفقات وعلاقات مع الصين والهند إلا بموافقة أميركية

ويعتبر وعد بلفور أهم حدث في تاريخ الصهيونية، وقد صدر عن بريطانيا التي كانت توجد فيها جماعة يهودية صغيرة. ولم يصدر عن ألمانيا التي كانت مقر الصهيونية وكان اليهود فيها قوة اقتصادية وثقافية وإعلامية، بل إن الألمانية كانت هي لغة المؤتمرات الصهيونية، فلماذا فشل اليهود الأقوياء في ألمانيا ونجحوا في بريطانيا التي كانوا جماعة ضعيفة فيها؟

ويعد اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو الأقوى بين المجموعات الصهيونية في العالم، ولكن الولايات المتحدة اتخذت المواقف المؤيدة للصهيونية قبل قوة هذا اللوبي، بل إن القيادة اليهودية في الولايات المتحدة كانت بيد نخب إصلاحية معادية للصهيونية.

وقد أغلقت الولايات المتحدة أبواب الهجرة أمام اليهود بعد وصول النازية للحكم في ألمانيا، وكان 85% من المهاجرين اليهود يهاجرون إلى الولايات المتحدة، فتناقصت النسبة إلى 10%. ورفضت الولايات المتحدة ومعظم بلاد أوروبا فتح أبوابها للمهاجرين اليهود أثناء المرحلة النازية.

ورفضت القيادة الأميركية ضرب خطوط السكك الحديدية الألمانية المؤدية لمعسكرات الاعتقال المعدة لليهود، وفي العدوان الثلاثي عام 1956 وقفت الولايات المتحدة ضد التحالف الإسرائيلي البريطاني الفرنسي لأنها كانت تريد إنهاء نفوذ هاتين الدولتين في الشرق الأوسط.

وقد شهدت العلاقة الأميركية الإسرائيلية تطورا كبيرا بين عامي 1967 و1974 وهي فترة حكم الرئيس نيكسون المعروف عنه عداوته لليهود، وما زالت الولايات المتحدة تمنع بقوة أية محاولة إسرائيلية للاستقلال عنها مثل محاولة التصنيع العسكري أو عقد صفقات وعلاقات مع الصين والهند إلا بموافقة أميركية.

المصدر : الجزيرة