أيمن الظواهري كما عرفته

عرض/ إبراهيم غرايبة
عمل منتصر الزيات مع الجماعة الإسلامية في مصر ناشطا ثم محاميا يدافع عن معتقليها واكتسب خبرة واسعة بها وبرجالها، وهو يدعو إلى اعتماد إستراتيجية بديلة للعنف من أجل تحقيق أهداف الجماعات الإسلامية.


undefined-اسم الكتاب:أيمن الظواهري كما عرفته
–المؤلف:منتصر الزيات
-عدد الصفحات: 247
-الطبعة:الأولى 2002
الناشر: دار مصر المحروسة، 2002، القاهرة

وقد وضعت أحداث سبتمبر/ أيلول الأخيرة في الولايات المتحدة قائد حركة الجهاد الإسلامي المصرية أيمن الظواهري تحت المجهر، ذلك أنه الرجل الثاني فيما عرف بتنظيم ومجموعات "القاعدة"، ولعله الرجل الأول في التنظيم والتخطيط.

بعد هجرته من مصر عام 1985 عمل أيمن الظواهري مع أسامة بن لادن على تكوين جماعات مسلحة ومدربة ومستقرة في أفغانستان. وعدت هذه الجماعات التي سميت "القاعدة" مسؤولة عن أهم وأخطر أحداث العنف التي تعرضت لها الولايات المتحدة، وكان من متوالياتها حرب شاملة تقودها الولايات المتحدة ضد ما تعتبره إرهابا أدت إلى احتلال أفغانستان وحشد قوات عسكرية هائلة في آسيا الوسطى والمحيط الهندي.

الظواهري الأرستقراطي
ولد أيمن الظواهري عام 1951 في حي المعادي الذي تقيم فيه العائلات الغنية والعريقة بالقاهرة، وأبوه هو الدكتور محمد الظواهري من أشهر أطباء مصر والعرب، وجده لوالده الشيخ محمد الظواهري أحد شيوخ الأزهر، وجده لوالدته هو عبد الوهاب عزام أحد أهم رجال الأدب والنفوذ بمصر في مرحلة ما قبل ثورة 1952، وأخوه عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية، وخاله سالم عزام أمين المجلس الإسلامي الأوروبي، وخاله الآخر محفوظ عزام نائب رئيس حزب العمل المصري.

وقد نشأ في بيئة ملتزمة دينيا، وكان حريصا منذ طفولته على أداء الصلاة في المسجد وحضور الدروس وحلقات العلم مثل محاضرات المستشار مصطفى كامل وصفي نائب رئيس مجلس الدولة وأحد أهم العلماء، وكان مولعا بالقراءة والمطالعة منصرفا عن اللهو والأصدقاء، ورغم أنه أقام حفل زفافه عام 1979 في فندق الكونتننتال إلا أنه أقامه وفق التقاليد الإسلامية المحافظة.

والتحق أيمن الظواهري بكلية الطب وأكمل الماجستير في الجراحة من جامعة القاهرة عام 1978 ثم حصل على درجة الدكتوراه في الجراحة من الجامعات الباكستانية.
وشارك منذ منتصف السبعينات في تأسيس الجماعة الإسلامية التي كانت تضم أيضا جماعة الجهاد حتى عام 1981. وكان من رفاقه في العمل الصيدلاني أمين الدميري، وسيد إمام عبد العزيز، ونبيل البرعي، والمهندس محمد عبد الرحيم الشرقاوي، وخالد مدحت الفقي، وخالد عبد السميع، ومحمد الظواهري شقيقه، وعصام القمري الضابط في الجيش المصري.

الجماعة الإسلامية
عندما ألقي القبض على أيمن الظواهري يوم 23/ 10/ 1981 تبين أنه عضو في خلية سرية تكونت عام 1968، كان هو أمير التنظيم ومشرفا على التوجيه الفكري والثقافي للجماعة والمستمد أساسا من كتابات سيد قطب وبخاصة "في ظلال القرآن". كانت حركة الجهاد والجماعة الإسلامية تنظيما واحدا حتى عام 1981، ومن مجموعاته: "الجماعة الإسلامية الطلابية" في محافظات الصعيد بقيادة كرم زهدي ومعه أسامة حافظ، وصلاح هاشم، وطلعت فؤاد قاسم، وناجح إبراهيم، وعصام دربالة ورفاعي طه. ومجموعة المهندس محمد عبد السلام فرج الذي أعدم بعد حادث اغتيال السادات، وهي المجموعة التي نفذت عملية اغتيال السادات، ومن قادتها عبود وطارق الزمر وحسين عباس، ويحيى ومجدي غريب، وعطا طايل رحيل. ومجموعة ثالثة بقيادة محمد الرحال وهو أردني.

وقد توحدت الجماعات عام 1979 بقيادة عبد السلام فرج ثم توحدت هذه الجماعات عام 1980 مع حركة الجهاد بقيادة الشيخ عمر عبد الرحمن.

وكان أيمن الظواهري قد تأثر مثل أبناء جيله وصدم بهزيمة عام 1967. ويرى الظواهري كما في كتابه "فرسان تحت راية النبي" أن إعدام سيد قطب عام 1966 كان بداية لتفاعل ومد إسلامي يرى الجهاد سبيلا للنهوض ومقاومة أنظمة الحكم. وتأثر الظواهري أيضا بالدكتور صالح سرية، وهو فلسطيني كان مقيما في مصر وقد أعدم عام 1974 فيما عرف بقضية "الفنية العسكرية" وهي محاولة انقلابية عسكرية جرت ولكنها أجهضت وتغلب عليها الأمن المصري.

ومن رفاقه الذين أحبهم وتأثر بهم يحيى هاشم الذي حاول أن يخوض حرب عصابات ضد النظام السياسي في مصر انتهت بمقتله، والضابط عصام القمري الذي تخرج من الكلية الحربية، ويبدو أن الظواهري والقمري توافقا على فكرة الانقلاب العسكري لإقامة حكومة إسلامية بديلة، وسيد إمام عبد العزيز الذي تولى قيادة جماعة الجهاد عام 1992، وهو مؤلف كتابي "العمدة في إعداد القوة" و"الجامع في طلب العلم الشرعي"، ولكن حدث خلاف في منتصف التسعينات بين الرجلين أدى إلى خروج سيد إمام من الجماعة.

وشهدت الجماعة الإسلامية نقاشا داخليا طويلا حول صحة ولاية الدكتور عمر عبد الرحمن على التنظيم فكان الظواهري والقمري يعارضان بشدة توليته. وقد توترت بسبب ذلك العلاقة بين الظواهري ورفاعي طه الذي قاد الجماعة فترة من الزمن في أفغانستان إلى أن أجبر على الاستقالة عام 1997 عقب حادث الأقصر.

الهجرة إلى أفغانستان
سافر أيمن الظواهري بعد الإفراج عنه عام 1985 للعمل طبيبا في مستشفى بالسعودية ولكنه لم يمكث هناك طويلا إذ سافر إلى باكستان ثم أفغانستان، وكان قد سافر إلى هناك من قبل عام 1980 للعمل مع الجمعية الطبية الإسلامية.

وفي أفغانستان أعاد الظواهري بناء تنظيم حركة الجهاد وجمع خيوط التنظيم في يديه بمساعدة مجموعة معاونين وقادة لجؤوا إلى أفغانستان، واستقدم الملاحقين والفارين من التنظيم، ووجد الشباب في أفغانستان فرصة غنية للعمل والتدريب بحرية معقولة بل ومثالية.

وانتقل الظواهري بصحبة أسامة بن لادن ومعهما مئات الشباب العرب إلى السودان عام 1993، وبعضهم هاجر إلى اليمن. وكان يقوم بترتيب دخول الشباب مرة أخرى إلى مصر للقيام بعمليات تنظيمية وعسكرية.

وبعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان عام 1996 هاجر الشباب إلى أفغانستان مرة أخرى. وبدأت تحولات فكرية وتنظيمية وسياسية مهمة منذ الهجرة الثانية إلى أفغانستان، فقد أعلن عن تشكيل حركة الجهاد العالمية، والواقع أنه منذ عام 1993 بدأت حركة الجهاد في تنفيذ عمليات عسكرية بمصر مثل محاولة اغتيال اللواء حسن الألفي وزير الداخلية السابق، ومحاولة اغتيال عاطف صدقي رئيس الوزراء السابق. ويتوقع أن هذا التحول بدأ بضغط من معاوني الظواهري وبتأثير تنافسي للجماعة الإسلامية، وكان قبل ذلك يرى عدم جدوى مثل هذه الأعمال بل وخطورتها على العمل الإستراتيجي وبعيد المدى والنظر.

فلسطين.. ثانوية
وكانت القضية الفلسطينية في العمل الجهادي هامشية ثانوية ذلك أنها كانت في نظر جماعة الجهاد مرحلة تالية لقتال العدو القريب وفي إحدى نشرات الجماعة الصادرة في نيسان/ أبريل 1995 "المجاهدون" قال الظواهري بصراحة ووضوح "لن نفتح القدس إلا إذا حسمت المعركة في مصر والجزائر وإلا إذا فتحت القاهرة".

ولكن حدث تحول مهم عام 1998 عند الإعلان عن "الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين" وبدء التحريض الواضح ضد المصالح الأميركية وضربها بالفعل كما في تفجير السفارتين الأميركيتين في أفريقيا والمدمرة الأميركية "كول" في اليمن.
وقد يكون من أسباب هذا التحول برأي الزيات:

  • الإخفاقات العسكرية في كل العمليات التي قام بها تنظيم الجهاد مثل محاولة اغتيال الألفي وزير الداخلية وعاطف صدقي رئيس الوزراء.
  • الخلل الكبير في بنية جماعة الجهاد والذي أدى إلى اعتقال أعداد كبيرة من أعضاء التنظيم، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 1993 اكتشف 800 عضو في التنظيم على رأسهم مجدي سالم رئيس الجماعة في القاهرة بسبب فشل محاولة سرقة سيارة نقل لاستخدامها في نقل أسلحة عسكرية كان يخطط للاستيلاء عليها، ولتراجع الموارد المالية للجماعة وانقطاع السبل بأعضاء الجماعة وعائلاتهم المنتشرة في بلدان كثيرة.
  • القبض على عناصر قيادية في الجماعة مثل مجموعة ألبانيا وأدى ذلك إلى اكتشاف المئات من أعضاء التنظيم ومحاكمة 108 منهم أمام المحكمة العسكرية في القضية التي عرفت باسم "العائدون من ألبانيا".
  • وكانت قاصمة الظهر هي القبض على أحمد سلامة أحد أهم معاوني الظواهري ومجموعة أخرى من قيادات التنظيم وبحوزتهم جهاز كمبيوتر يحتوي على أسماء أعضاء التنظيم في مختلف أنحاء العالم.
  • الانشقاقات الداخلية، فبعد نجاح الظواهري بإعادة بناء التنظيم في الفترة ما بين عامي 1987 و1990 بدأت مجموعات وقيادات تخرج من الجماعة، مثل أحمد حسين عجيزة، وعصام عبد التواب، وسيد إمام عبد العزيز.
  • تأثير أسامة بن لادن الفكري والمالي، فبرغم أن الظواهري قد أثر كثيرا بسامة بن لادن وساهم في تحويله من العمل في مناصرة القضية الأفغانية وجمع التبرعات لصالحها إلى مقاتل يقود المتطوعين ويدربهم لقتال الكفر في كل مكان بالعالم فإن أسامة بن لادن أثر أيضا في أيمن الظواهري وفكره ومنهجه وبخاصة في قضية وقف العمل العسكري بمصر والتوجه نحو ضرب المصالح الأميركية في أنحاء العالم. وقد بدأ هذا التحول لدى بن لادن والظواهري بعد عودتهما إلى أفغانستان من السودان عام 1996 بالتنسيق والتعاون مع حركة طالبان التي استولت على الحكم في كابل، وكان الضغط المالي على جماعة الجهاد بعد نضوب مواردها وتعدد التزاماتها نحو القادة والأعضاء وعائلاتهم المنتشرين في أنحاء العالم عاملا مهما في اندماج الجماعة في مشروع بن لادن.
  • مبادرة الجماعة الإسلامية بوقف العمليات المسلحة داخل مصر وخارجها. ويسرف الزيات هنا في عرض المبادرة ومناقشتها ودوره فيها وموقف الظواهري منها وما دار بينهما، وهو يعتقد أن المبادرة كانت تحولا مهما نحو العمل السلمي، وينتقد موقف الظواهري المعارض لها.

الأخطاء الكبرى
يعتقد الزيات أن اعتداد الظواهري بنفسه رغم تواضعه وجنوحه نحو الصدام مع مخالفيه أوقع الجماعة في تجاوزات وأخطاء كثيرة منها إعدام صبي، واستدراج قيادي في الجماعة وإعدامه، والمناورات التنظيمية.

فقد أعدمت الجماعة صبيا في الخامسة عشر من عمره وهو ابن أحد قادة التنظيم بتهمة التجسس على الجماعة، وقد أعدم الطفل في السودان عام 1994 أمام والده ومجموعة من قادة وعناصر الجماعة.

وأعدم في باكستان القيادي محمد عبد العليم لأنه أثناء اعتقاله في مصر اعترف بمعلومات أدت إلى اعتقال عصام عبد المجيد أحد قادة التنظيم السريين في مصر. هذا برغم أن الظواهري نفسه كان قد اعترف في أثناء اعتقاله ما بين عامي 1981 و1984 بمعلومات أدت إلى اعتقال عصام القمري وإعدامه، واستخدم هو أيضا شاهد إثبات على زملاء له أدينوا بأحكام قاسية، بل ويعتقد الزيات أن هجرة الظواهري عام 1985 من مصر إلى السعودية ثم باكستان وأفغانستان كانت بسبب الألم النفسي وعذاب الضمير الذي تسبب فيه اعترافه على زملائه، مع الأخذ بالاعتبار أنه تعرض لإكراه وتعذيب شديدين.

وعندما شاركت الجماعة بقيادة الظواهري عام 1998 في الجبهة العالمية بقيادة أسامة بن لادن كان ذلك رأيا فرديا ساق الظواهري الجماعة إليه، وعندما لقي معارضة شديدة استقال من قيادة الجماعة، ولكنها استقالة مناورة لدفع قادة الجماعة إلى القبول، فهم يعلمون أن بن لادن هو المصدر الوحيد المتبقي للتمويل والدعم وأن استمرار قيادة الظواهري كفيل بترتيب التمويل والاستقرار في أفغانستان، وقد استقال الظواهري وهو يعلم ألا خيار أمام زملائه سوى الرضوخ.

المصدر : غير معروف