فرنسا ضد الإمبراطورية

عرض/ كمبردج بوك ريفيوز
يأتي هذا الكتاب لصاحبه باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (باريس) في خضم النقاش الفرنسي-الفرنسي حول العلاقة مع واشنطن في ضوء الحرب الأنغلوأميركية على العراق وما سببته من توتر في العلاقات الفرنسية-الأميركية ليدعم مواقف الطرف المدافع عن صواب الموقف الفرنسي وضرورة مساندته كونه يقف بجانب القانون الدولي وتفعيل المنظمات الدولية والأمم المتحدة على الخصوص.

undefined-اسم الكتاب: فرنسا ضد الإمبراطورية
-المؤلف: باسكال بونيفاس
-عدد الصفحات: 154
-الطبعة:
الأولى 2003
الناشر: روبير لافون – باريس

بداية يقول الكاتب إنه عكس ما صرح به دونالد رمسفيلد فإن حرب العراق في ربيع العام 2003 لم تشكل منعرجا تاريخيا في تاريخ العلاقات الدولية وبأهمية يمكن مقارنتها بسقوط جدار برلين.

يرى الكاتب أن الكثير من المعلقين يعلن كل مرة أن هذا الحدث أو ذاك هو حدث القرن، ولم تخرج حرب العراق عن القاعدة. ويعتبر أنه حتى معارضي الحرب يشاطرونهم الرأي في ما يخص تغير النظام العالمي، لكن وفق منطق سلبي (بينما يؤكد أنصار الحرب على العراق على إيجابيتها)، ذلك أنه أضر بالأمم المتحدة وبالقانون الدولي والعالم قد يدخل في مرحلة سيطرة انفرادية أميركية. وبالتالي ولوج الكرة الأرضية في عالم أحادي القطبية لا قدرة لأحد فيه على منع تحقيق مأرب أميركا.

لكن يقول المؤلف إن عمل الذين وصفوا بـ"مخيم السلام" والمكون أساسا من فرنسا وألمانيا وروسيا ولكن مدعوم من قبل أغلبية حكومات العالم، حال دون ظهور مثل هذا العالم. "حرب العراق لم تغير إذن العالم". كان بإمكانها فعل ذلك لو منحت بطاقة بيضاء كاملة للأميركيين.

بعد تطرقه للرؤية الأميركية الحالية للعالم يتوقف المؤلف مطولا عند الحملة السياسية الإعلامية الأميركية لتمرير مشروع الحرب على العراق قبل خوضها في ربيع العام 2003. يقول بداية إنه لم يكن هناك أي بلد له أوهام في ما يخص صدام حسين ولا أحد لم يكن يتوهم في ما يخص النوايا الحقيقية لأميركا، فالمبررات الأميركية للدخول في الحرب لم توقن بها أغلبية الحكومات وشعوب العالم.


لم يكن هناك أي بلد له أوهام في ما يخص صدام حسين ولا أحد لم يكن يتوهم في ما يخص النوايا الحقيقية لأميركا، لكن المبررات للدخول في الحرب لم توقن بها أغلبية الحكومات وشعوب العالم

ويذكر الكاتب بتصريح بول ولفوفيتز في مايو/ أيار 2003 لما أعلن أن الأميركيين اتفقوا على قضية أسلحة الدمار الشامل لأنها السبب الوحيد الذي كان محل اتفاق الجميع. وهكذا يقول المؤلف إن ولفوفيتز يعترف رسميا بأن المبرر الرسمي الذي على أساسه بررت الحرب على العراق منذ صيف 2002 لم يكن إلا ذريعة، بل أكثر من ذلك أكذوبة تم التفوه بها لإقناع الرأي العام.

ثم يسرد الكاتب تصريحات وحجج الأميركيين وحلفائهم في أوروبا مثل البريطانيين والأسبان حول وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وكيف كانت تقارير المفتشين الدوليين التابعين للأمم المتحدة والوكالة الدولية تفند تلك الحجج وتؤكد عدم العثور على مثل هذه الأسلحة.

وهنا يلاحظ الكاتب أن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن المعروف بـ "استقلاليته" نشر تقارير حول الملف العراقي منها تقرير في مايو/ أيار 2000 يبرر فيه التدخل في العراق لتفادي انتشار السلاح النووي في المنطقة لا سيما في السعودية والإمارات العربية المتحدة. وهنا يتساءل الكاتب عن مصداقية مثل هذا التحليل خاصة أن الأمر يتعلق بدولة مسالمة مثل الإمارات.

في سبتمبر/ أيلول 2002 يصر المعهد على مواقفه في تقرير جديد يدعم فيه أميركا إذ يحث المجموعة الدولية على التحرك لمواجهة "الخطر الكامن" في المجال النووي و"الخطر المحدق" في المجال البيولوجي والكيميائي اللذين يمثلهما العراق. لكن لا أحد تساءل عن مصادر هذا المعهد.

ويقول إن كل الذين شككوا في وجود هذه الترسانة العراقية وصفوا بـ"السذج".. لكن يضيف أن فرنسا وألمانيا وروسيا ورغم معارضتها للحرب لم تؤكد قط أن صدام حسين غير مؤذ أو لم يكن هناك أي مخاطر بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل. بل إنها تقول وبحكم الخبرة مع نظامه إنه يتعين منعه حيازتها.

طبعا لم يكن إطلاقا من الممكن الثقة به، لذا كان يجب الشروع في عمليات التفتيش قصد التأكد من احترام العراق لالتزاماته الدولية، ما دامت العمليات التفتيشية متواصلة ميدانيا في العراق وبدعم الضغط العسكري الذي كان يمثله الوجود الأميركي حول العراق، فإن العراق لم يكن يمثل تهديدا، ويقول إنه "تحديدا غياب هذا التهديد هو الذي كان سبب الحرب".

وهنا يلاحظ منطق الكيل بمكيالين في سياسة واشنطن التي تختار الحرب على العراق الذي خضع للتفتيش وأكد خلوه من أسلحة الدمار الشامل في ما تحبذ التفاوض مع كوريا الشمالية التي صرحت علنا وبقوة بقدرتها النووية وطردت المفتشين الدوليين النادرين من ترابها.

وهنا يؤكد من جديد أن العراق هوجم لأنه لم يعد يمثل تهديدا عسكريا، ويقول إن ضمان تحقيق النصر العسكري بسرعة (غياب التهديد والضعف الكبير للجيش العراقي) والمكاسب الاقتصادية (الثروة النفطية العراقية) كانا وراء تفضيل واشنطن استهداف العراق دون كوريا الشمالية.

ولدى حديثه عن عدم عثور الأميركيين على الأسلحة التي شنوا باسمها الحرب على العراق يقول إنه تم تلفيق المعلومات وإسكات كل الأصوات التي تقول العكس، بل تم التغاضي عن بعض التقارير الأميركية مثل تقرير وكالة الاستخبارات التابعة للبنتاغون في سبتمبر/ أيلول 2002 الذي أكد عدم وجود معلومات موثوق بها تثبت وجود هذه الأسلحة في العراق. عجز الأميركيين عن العثور على هذه الأسلحة جعل "تايم ماغزين" تسمي (في يونيو/ حزيران 2003) أسلحة الدمار الشامل (العراقية) بـ "أسلحة الاختفاء الشامل".


يرى الكاتب أن الرفض الفرنسي للانفرادية الأميركية قضية مبدأ وأن هذه الانفرادية توجه ضخم وعميق في سياسة أميركا التي بقوتها المتزايدة لم تعد تتحمل الضغوط الخارجية والالتزامات المتعددة الأطراف

أما الذريعة الثانية للحرب فكانت العلاقة بين القاعدة وعراق صدام حسين، رغم تأكيد المخابرات المركزية الأميركية عدم وجود معلومات لديها حول هكذا علاقة. وقد أصر الأميركيون على أن عناصر من القاعدة أقاموا في العراق. لكن يقول المؤلف إن هؤلاء أقاموا في حوالي 50 بلدا بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، دون أن يستدعي ذلك ضرورة قلب أنظمة كل هذه الدول.

ويضيف أن الإطاحة بصدام كانت هدفا أميركيا سابقا على أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، حيث إن ريتشارد بيرل تحدث عنه عام 1996 لبنيامين نتنياهو ورمسفيلد وحث كلينتون عام 1998 على جعل إزاحة صدام هدفا لسياسته الخارجية.

يعتبر الكاتب أن ذريعتي (أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع القاعدة والإرهاب) للحرب عملتا مفعولهما لدى الرأي العام الأميركي لكنهما لم تقنعا بقية العالم، وجاء استخدامهما المسرف ليعمق الهوة بين إدراك الولايات المتحدة وحلفائها القلائل من جهة وبقية البلدان من جهة أخرى.

أما عن الخطاب الديمقراطي والحرب فيلاحظ أنه من الوهلة الأولى أكد وجود تعارض بين مخيمين، الأول ديمقراطي بقيادة أميركا يريد إسقاط ديكتاتورية صدام وإقامة ديمقراطية عراقية، والثاني يرتاح بوجود الديكتاتوريات. لكن الحقيقة أن التعارض لم يكن بهذه البساطة، فالعديد من الديمقراطيات عارضت الحرب بينما ساندتها العديد من الديكتاتوريات.

مباشرة بعد نهاية الصراع أكد على حجة شن الحرب في سبيل الديمقراطية، لكن هذه المبرر غير مقنع هو الآخر، إذ إن إقامة نظام ديمقراطي في العراق كان ذريعة وليس هدفا حقيقيا، ذريعة لأن العراق كان ديكتاتورية قبل انتخاب جورج بوش أو 11 سبتمبر/ أيلول، ذريعة أيضا لأن ديكتاتوريات أخرى تفلت من الغيظ الأميركي.

ويقول إنه لما زار رمسفيلد نفسه العراق عام 1983 كنا نعرف الكثير عن الطبيعة الحقيقية لنظام صدام، ورغم ذلك فإن واشنطن منحته مساعدة عسكرية في حربه ضد إيران، ويعتبر أن واشنطن تريد الديمقراطية حسب مقاييسها، إذ كيف يمكن إقامة ديمقراطية في العراق ووضعها في نفس الوقت تحت الوصاية (الأميركية). ويذكر برفض رمسفيلد نظاما إسلاميا في العراق حتى ولو كان ذلك رغبة العراقيين ونتيجة للانتخابات.

عن العلاقة بين باريس وواشنطن يقول الكاتب إن التوتر الذي نجم عن الأزمة العراقية ليس ظاهرة استثنائية، ذلك أن هذه العلاقة لم تكن قط منسجمة سواء خلال الحرب الباردة أم بعدها. ويرى أن الرفض الفرنسي للانفرادية قضية مبدأ وأن الانفرادية توجه ضخم وعميق في سياسة أميركا التي بقوتها المتزايدة لم تعد تتحمل الضغوط الخارجية والالتزامات المتعددة الأطراف.

ويعتبرها سابقة على انتخاب بوش وإن كان هذا الأخير قد عمقها، وعن استهداف أميركا لفرنسا والتهديد بمعاقبتها يتساءل أليس خرق القاعدة هو الذي يستحق العقاب لا الدفاع عنها؟ كما يتساءل عن الفارق في المعاملة الأميركية لفرنسا من جهة وألمانيا وروسيا من جهة أخرى.

ويفسر التركيز الأميركي على فرنسا دون سواها بالدور الأساسي الذي لعبته في معارضة السياسة الانفرادية الأميركية.

ويقول إن فرنسا هي الوحيدة بإمكانها تجسيد سياسة كونية مختلفة عن النموذج الأميركي، فهي لم تعارض فقط أميركا بل دافعت عن تصور لمجتمع دولي مبني على أساس القانون وتعدد الأطراف، فحالت دون تمتع أميركا بأغلبية في مجلس الأمن بل وفي العالم أيضا.

فهي أثبتت أن عالما آخر كان ممكنا، لذا فهي مستهدفة من قبل أميركا، لهذا السبب ففرنسا لا تتمتع بشعبية في أميركا لكنها للسبب نفسه لها شعبية في العالم. ويعتبر الكاتب أن عمل فرنسا حال دون ظهور عالم أحادي القطب.

يقول إن فرنسا وضعت على رأس أولوياتها احترام إجراءات الأمم المتحدة، فبالنسبة إليها وإلى روسيا أيضا الذي كان مهما في المسألة العراقية هو المنظمة الأممية، وهذا من باب القناعة بضرورة العمل في إطار المنظمات الدولية واحترام القانون الدولي. ويقول إنه لو صلحت الأمم المتحدة اليوم فإن فرنسا وروسيا لن تتمتعا بنفس المقام الذي تتمتعان به اليوم.

ويرى أن الفشل هو فشل أميركا أكثر منه فشل المنظمة الأممية، فهذه الأخيرة لم تكن حقيقة فعالة في السابق، ذلك أن واشنطن رغم الضغوط والإمكانات لم تفلح في الحصول على أغلبية، ويقول إن طلبت أميركا عون الأمم المتحدة للخروج من المستنقع العراقي فإن ذلك سيعني اعترافا ضمنيا بفشل عملها الانفرادي وفوقية الإجراءات المتعددة الأطراف.


العالم الأحادي القطبية غير موجود وحرب العراق أعطت الدليل على ذلك، وأصبحنا في عالم معولم يميزه تعدد الفاعلين ومن غير الممكن أن يتحكم بلد وحده في مجمل بقية الدول

ويرى أن فرنسا لم تستبعد مسبقا العمل العسكري، لأن ذلك سيضرب بمصداقية الأمم المتحدة، وأن أميركا لعبت الورقة المتعددة الأطراف ما دامت غير مستعدة عسكريا لخوض الحرب. ويفسر موقف الأعضاء الجدد المقبلين في الاتحاد الأوروبي الموالي لواشنطن بتخوفهم من روسيا وبالتالي يرون في أميركا ضمانة أمنية.

وبعد تطرقه لحدود التدخل واللجوء إلى القوة العسكرية في عالم اليوم ومسألة إصلاح مجلس الأمن، يقول إن اللجوء للقوة يتعين أن يبقى آخر خيار بعد استنفاذ كل إمكانات الوقاية والحل السلمي للصراع، وأن استخدام القوة يجب أن يكون في خدمة الصالح العام، وأن التدخل تضمنه الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولذا يتعين تدعيم هذه المنظمة.

ويختتم المؤلف كتابه بالقول إن "العالم الأحادي القطبية غير موجود" وحرب العراق أعطت الدليل على ذلك. ويعتبر أن مفهوم القوة تغير وأنه في عالم معولم يميزه تعدد الفاعلين فمن غير الممكن أن يتحكم بلد وحده في مجمل بقية الدول.

أما الهيمنة فلم تعد من هذا العالم، وهي نقيض عالم متبادل الاعتماد. ويقول إن الأمر يبدو وكأن واشنطن لتوهم نفسها بقوتها ضخمت بطريقة مصطنعة التهديد العراقي لتبرير حرب محسومة مسبقا.

ويرى أن خير طريقة بالنسبة لفرنسا لخدمة مصالحها وأهدافها هي إدراجها في إطار شامل وأن العلاقة بين المصلحة العامة والمصلحة الفرنسية غير صفرية، فهما تخسران أو تربحان معا.

المصدر : الجزيرة