زلزال في أرض الشقاق

عرض/ إبراهيم غرايبة
الصعود والهبوط والانهيار والزلزال والمستقبل، بهذه العناوين يختزل المؤلف تاريخ العراق، ويقدم هذا الكتاب المعلومات والمعطيات الأساسية التي تحيط بقضية العراق منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى الحرب الأميركية البريطانية على العراق عام 2003، ويتضمن ملاحق وجداول إحصائية ووثائق مجلس الأمن الدولي عن العراق، ومؤلفه أستاذ كندي من أصل لبناني متخصص في العلوم الاقتصادية.


البيئة الإقليمية والدولية (ماء ونفط)
بدأت الحرب على العراق عام 1991، ولم يكن الغزو عام 2003 إلا استكمالا لهذه الحرب، ولا علاقة له بالحرب على الإرهاب، وقد شنت الولايات المتحدة أربع حروب متتالية على العراق منذ العام 1991، وهي حرب الخليج وتدمير البنية التحتية المدنية العراقية، وحرب الاستنزاف الطويلة والعملية الاستخبارية المتواصلة بالتعاون مع لجان التفتيش، وحرب العقوبات الجماعية الخطيرة، وأخيرا غزو العراق في 20 مارس/ آذار 2003.


undefined-اسم الكتاب: زلزال في أرض الشقاق
العراق (1915-2015)
–المؤلف: كمال ديب
-عدد الصفحات: 555
-الطبعة:
الأولى 2003
الناشر: دار الفارابي، بيروت


ويستعيد المؤلف دور أميركا وبريطانيا في تاريخ العراق الحديث من نهاية الحرب العالمية الأولى، ومن ملامح هذا الدور: الاحتلال البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الأولى، وسيطرة الإنجليز على النفط العراقي لمدة عقود من الزمن، ودعم الولايات المتحدة لسلسلة الانقلابات العسكرية الدكتاتورية التي بطشت بالناس وبالكوادر العلمية المثقفة، ودعم العراق في حربها على إيران، وأخيرا الحرب المباشرة على العراق منذ العام 1990.

الصعود
بدأ التاريخ الحديث للعراق بخضوعه للانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، وقد واجهت بريطانيا ثورة كبرى أجبرتها على القبول بمملكة عراقية عربية مستقلة، رتبت معها لوجود استغلال بريطاني للنفط العراقي.

وقد أسهم النفط العراقي في تطوير الاقتصاد والتعليم والبنى والمرافق التحتية المدنية، وأثناء هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية في العراق تحول هيكل الناتج القائم من الزراعة والحرف إلى النفط، وانتقل الثقل الاقتصادي إلى بغداد العاصمة، واضمحل نفوذ زعماء المحافظات لصالح فئة مدينية ومتعلمة، وتريفت المدن العراقية خاصة بغداد والموصل والبصرة بسبب الهجرة الكثيفة من الريف إليها.

ويعتبر المؤلف أن الفترة الملكية هي الأفضل في تاريخ العراق الحديث سياسيا واجتماعيا، فقد تمتع العراق بقدر من الحرية والديمقراطية، وكانت تصدر عشرات الصحف قبل أن تمتد يد السلطات الانقلابية إلى كل شيء فتعيد صياغته وتنظيمه وفق أسس جديدة قائمة على التسلط والاحتكار والعبث والظلم.


كانت سنوات السبعينيات ذهبية في حياة العراقيين فارتفع مستوى المعيشة وتطور الأداء الحكومي واختفى الفقر المدقع ووصلت الخدمات إلى جميع المناطق العراقية

ورغم القسوة والظلم التي تميز بها حكم البعث للعراق فقد حقق تأميم النفط العراقي عام 1972، وبرنامج إصلاح زراعي وتعليمي، ولكنه صنع شرخا في الدولة والمجتمع في العراق، وصنع عداوة عميقة مع إيرن وسوريا ودول الخليج.

وربما تكون سنوات السبعينيات ذهبية في حياة العراقيين الاقتصادية والتعليمية، فارتفع مستوى المعيشة، وتطور الأداء الحكومي الإداري، واختفى الفقر المدقع، وأوصلت خدمات الكهرباء والطرق والتعليم إلى الريف ومعظم المناطق العراقية إن لم يكن جميعها.

الهبوط
ثم بدأ الهبوط العراقي بالحرب العراقية الإيرانية، فقد استنزفت سنوات الحرب الثماني موارد البلد، وأدت إلى مقتل مئات الآلاف من خيرة أبنائه وشبابه، وحدث شرخ عميق مع الشيعة والأكراد، وانخفض إنتاج النفط، وانخفض سعره أيضا.

وربما كان القرار الأسوأ من الحرب على إيران هو غزو الكويت الذي جر تداعيات على العراق والمنطقة والعالم لم تتوقف بعد، فقد كان الاحتلال لحظة تاريخية للولايات المتحدة تنتظرها بلهفة، بل إنها استدرجت النظام السياسي العراقي والمنطقة إلى تلك اللحظة التي تتيح لها السيطرة العسكرية على منطقة الخليج العربي، والتحكم بالنفط، ومن ثم الهيمنة على العالم.

كانت الغارات الأميركية صباح يوم 17 يناير/ كانون الثاني 1991 تستهدف كل المنجزات العراقية مما يبدو للوهلة الأولى لا علاقة له بالحرب، القصور الجمهورية والوزارات والمؤسسات العامة والجسور ومحطات الطاقة والمطارات ومصافي البترول والمصانع ومحطات التكرير الصحية ومصانع الأغذية وخطوط السكة الحديدية ومصانع النسيج ومحطات الري والمدارس والمستشفيات ومعمل لحليب الأطفال.

وتعرض العراق لقصف لم يستخدم في كمه ونوعه حتى في الحرب العالمية الثانية، فقد نفذت القوات الأميركية 110 آلاف طلعة جوية وأنزلت 85 ألف طن من المتفجرات، وانسحب العراق من الكويت، ولكن تواصلت حرب الاستنزاف والحصار عليه دون رحمة حتى جرى احتلاله عام 2003.

الانهيار
ساد في العراق في الربع الأخير من القرن العشرين نظام سياسي قائم على التسلط والقهر والإعدامات والتصفيات والاعتقالات الجماعية من دون محاكمة، ثم تسلم أقارب الرئيس وأعوانه مقدرات البلاد ومواردها، وتحولت أسرة صدام إلى عائلة حاكمة تقود الأمن والجيش والاستخبارات والوزارات والمؤسسات وتتصرف بموارد البلد على نحو شخصي مبالغ في الترف.

وبدأت العائلة الحاكمة تتفكك، فنحي البكر وأبعد أبناؤه، وقتل عدنان خير الله شقيق زوجة صدام وابن خاله في حادث طائرة، وأبعدت عائلة خير الله عن دائرة النفوذ والتأثير، وتقدم عدي وقصي أبناء الرئيس وأخذا يزيحان بالتعاون مع أبيهم رجال الدولة المقربين من أبناء عمومة الرئيس، أبناء المجيد وأصهار الرئيس، وأعمامهما من إخوان صدام وأشقائه.

وقمعت انتقاضة الشيعة على النظام في أعقاب حرب الخليج الثانية بقسوة هائلة، فقد قتل وأعدم واعتقل عشرات الآلاف.

وكان المنتفضون الشيعة والأكراد لا يقلون قسوة عن النظام، فقد قتلوا عددا كبيرا من الضباط والمسؤولين العراقيين وأبناء السنة دون حاجة لذلك، وقد أثاروا السنة عليهم ودفعوهم لتأييد النظام السياسي العراقي بدلا من إطلاق عمل سياسي وشعبي معارض يشمل جميع العراقيين.

وفي أوائل العام 1996 هاجم رجال حزب الدعوة الإسلامي الشيعي موكبا لعدي صدام حسين في وضح النهار، فقتل اثنان من مرافقيه، وأصيب هو بعدة طلقات في جسمه أدت إلى إصابته بالشلل، واستمر النظام السياسي في عمليات القصاص، فقتل عام 1999 السيد محمد صادق الصدر واثنين من أبنائه، وأعدم المئات من المدنين والعسكريين.


كانت عمليات الحصار الأميركية على العراق قتلا بطيئا لكل العراقيين، وتشبه إسقاط طائرة على متنها 300 راكب لإنقاذها من خاطف واحد

وكانت عمليات الحصار الأميركية على العراق قتلا بطيئا لكل العراقيين، وتشبه كما يقول المؤلف إسقاط طائرة على متنها 300 راكب لإنقاذها من خاطف واحد، فتوفي مئات الآلاف من الأطفال بسبب الجوع والمرض، وتدنت مستويات المعيشة لدى الملايين، واتسعت مساحة الفقر حتى شملت عائلات كانت ميسورة.

لقد قضى الحصار على الطبقة الوسطى العراقية، ودفع الشعب العراقي للعيش في خوف ومرض وجهل لسنوات طويلة، وزاد في الوقت نفسه ثراء الطبقة الحاكمة والمتنفذة، فقد انخفض الدخل الفردي في العراق من 4000 دولار عام 1980 إلى أقل من 300 دولار عام 1999، وهاجر عشرات الآلاف من أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية العالية.

الزلزال
شنت الولايات المتحدة في مساء 19 مارس/ آذار 2003 هجوما على العراق، وأسقطت في الساعات الثلاث الأولى لحربها على العراق 3000 قنبلة وصاروخ معلنة حربا لاحتلال العراق استغرقت 20 يوما وانتهت بسقوط بغداد في 9 أبريل/ نيسان.

ودخلت الولايات المتحدة فورا في ترتيب الغنائم وإحصائها والسيطرة عليها، وأهمها بالطبع هو النفط، ثم السيطرة الإستراتيجية على المنطقة وتهديد جميع الأنظمة السياسية والدول, وربما يكون التحول في السلوك والموقف الليبي، والإعلان عن مشروعات لتغيير مناهج التعليم في الدول العربية من تجليات ونتائج الحالة الجديدة الناشئة بعد احتلال العراق.

وأعلنت الولايات المتحدة عن استثمار خمسة مليارات دولار لإعادة تأهيل قطاع النفط العراقي، تسترجع من عائدات النفط، في حين أعلن أن بإمكان أصحاب الكفاءة داخل العراق تنفي هذا التأهيل بنصف هذه الكلفة، وأعيد إنتاج النفط العراقي بواقع 2.5 مليون برميل يوميا في نهاية العام 2003 وسيكون هذا النفط مسؤولا عن تسديد تكاليف الحرب التي بلغت 100 مليار دولار.

وقدرت خسائر الدول النفطية بسبب غزو العراق عام 2003 بعشرات المليارات من الدولارات، وتكبدت الدول المجاورة للعراق خسائر فادحة، وتدهورت أسعار النفط، وتضررت السياحة العربية والقطاعات الحليفة لها كالطيران والفنادق والمطاعم والصناعات الحرفية، وتراجعت بل انحسرت الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى البنى التحتية وعمليات الخصخصة في الدول العربية.

وتقدر الخسائر الملموسة بـ400 مليون دولار يوميا، وقدرت الخسائر العربية حتى نهاية العام 2003 بـ115 مليار دولار، وهذا المبلغ يساوي 15% من الناتج العربي العام البالغ 750 مليار دولار سنويا.

وكان الأردن هو الخاسر الأكبر (نسبيا) فقد خسر المنحة النفطية العراقية، وكان السوق العربي يمثل 20% من الصادرات الأردنية، وتقدر الخسائر الأردنية بملياري دولار سنويا عدا النفط المهرب عبر الحدود.

المستقبل
يلخص هنري عزام مستقبل المالية العراقية المرتبطة بأدائه الاقتصادي في السنوات العشر المقبلة، فيرى أن ميزانية الحكومة ستعاني من العجز لفترة طويلة، وأن العجز سيكون في أحسن الأحوال وفي ظل استقرار أسعار النفط مابين 3–9 مليارات دولار سنويا، فستبقى الدولة هي الممول الرئيسي للمشاريع الاستثمارية لسنوات عديدة، وستضطر إلى إنفاق مبالغ كبيرة مصدرها عوائد النفط.

وتشتمل النفقات الحكومية في عراق ما بعد الغزو على الخدمات والاستثمارات في البنية التحتية التي يتوقع أن تبلغ 22.5 مليار دولار عام 2004 ثم ترتفع تدريجيا لتصل إلى 32.7 مليار دولار عام 2010، وستبدأ عائدات النفط بـ14 مليار دولار عام 2004 لتصل إلى 36 مليار عام 2010.


أفضل ما يمكن أن يحصل للعراق هو أن تتبع الولايات المتحدة نموذج اليابان فيكون احتلالها قصير الأمد وينتهي في عام واحد ثم تقوم بمساعدة العراق على بناء نفسه

ويمكن اعتبار أكبر ثروة سلمت من الحروب عدا النفط هي الرأسمال البشري العراقي من الكوادر العلمية والخبيرة، ولكن كيف ستتجه هذه الطاقات البشرية وهل ستكون نواة في بناء العراق الجديد؟

وقد بدأت مجموعة من الأحزاب والقوى السياسية الجديدة بالعمل في مرحلة العراق الجديد، ومنها المؤتمر الوطني العراقي برئاسة أحمد الجلبي، وحزب الدعوة الإسلامي الشيعي، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة محسن الحكيم، والحزبان الكرديان الرئيسيان بقيادة جلال الدين الطالباني ومسعود البارازاني، والحركة الإسلامية الكردية (الاتحاد الإسلامي الكردي/ الإخوان المسلمون) والحزب الإسلامي العراقي/ الإخوان المسلمون برئاسة محسن عبد الحميد.

وبدأت منظمات المجتمع المدني بالظهور والتنامي مرة أخرى، كما تشكلت مجموعات لمقاومة الاحتلال، وكلها تسهم في صياغة عراق جديد.

إن أفضل ما يمكن أن يحصل للعراق برأي المؤلف هو أن تتبع الولايات المتحدة نموذج اليابان، فيكون احتلالها قصير الأمد، وينتهي في عام واحد، ثم تقوم بمساعدة العراق على بناء مؤسسات ديمقراطية وعلى النهوض باقتصاده خلال السنوات الخمس القادمة.

وهكذا مع حلول العام 2015 يكون العراق قد أعاد بناء بنيته التحتية من طرق ومنشآت نفطية ومدارس ومؤسسات خدماتية وقوانين وسلطات وطنية ديمقراطية، فيعود المجتمع العراقي بمنظماته المدنية إلى الحياة ليلعب دوره الإيجابي بين الأمم.

المصدر : غير معروف