حال الأمة العربية

عرض/ إبراهيم غرايبة
بدأ المؤتمر القومي العربي بالانعقاد سنويا منذ عام 1991، ويناقش المؤتمر تقريرا سنويا يعرض الأوضاع العربية سياسيا ودوليا واقتصاديا واجتماعيا، وبدأ هذا التقرير يصدر في كتاب منذ عام 1997، وكان التقرير الذي يعرض الأوضاع لعام 2000 قد صدر مؤخرا. والتقرير وإن تأخر صدوره سنة على الأقل فهو يقدم خريطة مناسبة لفهم الحالة التي عبرت بها الأمة العربية القرن العشرين إلى الألفية الثالثة، ويصلح مرجعا ستبقى الحاجة إليه قائمة بعد سنوات لفهم التطورات والتغيرات التي وقعت وأثرت في مسار الأمة ومكتسباتها وإنجازاتها وفشلها.


undefined-اسم الكتاب: حال الأمة العربية
المؤتمر القومي العربي الحادي عشر
–المؤلف: المؤتمر القومي العربي الحادي عشر/ 2001
-الطبعة: الأولى 2002
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

وقد يكون صحيحا القول إن الألفية الثالثة بدأت قبل عام 2000 بعشر سنوات على الأقل عندما انهار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي وتفردت الولايات المتحدة الأميركية بقيادة العالم مصحوبة بموجة طاغية من العولمة والمعلوماتية تعيد صياغة العالم والحياة من جديد.

ويعكس التقرير وجهة نظر الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، أي أنه يصلح مرجعا أوليا لفهم الرؤية القومية لحال الأمة ومستقبلها، وقد قام بإعداد الصياغة الأساسية له بتكليف من الأمانة العامة للمؤتمر فريق من السادة هم: إبراهيم الدقاق، وجلال معوض، وجمال محمد السيد سليم، وحلمي شعراوي، ومحمد إبراهيم منصور، ومحمد السعيد إدريس، ومحمد السيد سليم، ومحسن عوض، ونيفين مسعد، وهيثم الكيلاني.

ويعرض التقرير حال الأمة وفق مجالات واتجاهات رئيسية هي: العرب والعالم والسياسات الدولية، والصراع العربي الصهيوني، والأمن القومي العربي، والنظام العربي، والاقتصاد والتنمية، وحقوق الإنسان.


الدور العربي في أفريقيا يحقق بالفعل على المستوى القطري حضورا متناميا وبخاصة في المجال الاقتصادي، ولكن ذلك لم يحقق أي استثمار لصالح القضايا العربية، وما زالت حركة الثقافة السياسية تبتعد عن التفهم العميق للظواهر الأفريقية والتفاعل معها ضمن أنشطة ثقافية مشتركة أو حضور إعلامي مناسب

السياسات الدولية
شهد عام 2000 استمرار التحولات داخل القوى الرئيسية في النظام الدولي بالاتجاه نحو نظام متعدد الأقطاب، فالاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية يسعى كل منهما إلى تبني سياسات خارجية وأمنية تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن النهج الأميركي، ومن القضايا التي شهدت جدالا واختلافا في قمة الألفية: التدخل الدولي، وتعديل ميثاق الأمم المتحدة، وتغيير مفهوم سيادة الدولة.

وقد مارست الولايات المتحدة دورها في العقد الأخير من القرن العشرين بوصفها القوة العظمي الأولى في عالم ما بعد الحرب الباردة، وأدت ممارساتها إلى الكثير من الأزمات في النظام الدولي والنظم الإقليمية.

وواصلت الولايات المتحدة سياستها المعادية للمصالح العربية العليا وعبرت عن استمرارية مواقفها سواء على مستوى عملية التسوية السياسية أو على مستوى قضايا العراق والسودان وليبيا.

ومن الملفت في هذا السياق أن العلاقات العربية الأوروبية تجري على أساس قطري من جهة العرب في حين تتعامل دول الاتحاد الأوروبي بوصفها مجموعة وتكتلا.

وواصلت تركيا تحالفها مع إسرائيل والتنسيق معها أمنيا وإستراتيجيا وحدثت في الوقت نفسه تطورات إيجابية في علاقاتها مع الدول العربية، ولكن مشكلة المياه بقيت قائمة، وقد خفضت تركيا من مياه نهر الفرات المتدفقة إلى سوريا إلى أقل من المتفق عليه عام 1987.

إيران وآسيا الوسطى
ولوحظ تزايد اهتمام إيران بمنطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين لمواجهة التحالف الأميركي الإسرائيلي التركي في المنطقة، وبالطبع فإن الخليج يمثل منطقة الاهتمام الأولى لإيران. وشهد العام 2000 تحسنا في العلاقات الإيرانية العربية وإن استمر الخلاف مع الإمارات على الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران منذ عام 1971، وحققت إيران قدرا لا بأس به من التعاون الدفاعي والأمني مع الكويت والسعودية.

وواصلت إيران موقفها الإيجابي في الصراع العربي الإسرائيلي، وكان انتصار المقاومة الإسلامية الوطنية في لبنان زيادة في صدقية الدور الإيراني. وتجاوزت العلاقات الإيرانية السورية مرحلة الاختبار بعد رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد وبخاصة بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران.


تتراوح البطالة في الدول العربية بين 14 و20 مليون عاطل عن العمل، وتسهم البطالة المرتفعة وانخفاض الأجور في زيادة حدة الفقر، ويواجه الاقتصاد العربي تحديات خطيرة بسبب العولمة والاندماج في منظومة التجارة العالمية

اهتمام عربي بأفريقيا
وتزايد الاهتمام والدور العربي بأفريقيا وإن لم يكن ذلك في سياق التعاون العربي الأفريقي ودون أثر واضح في الثقافة السياسية أو الإعلام السياسي العربي، ومن أمثلة العمل العربي في أفريقيا: الدور الجزائري في حل الصراع الإثيوبي الإريتري، ودور جيبوتي في حل الصراع الصومالي، والدور الليبي في طرح مشروع الاتحاد الأفريقي، والسياسة السودانية في التهدئة في محيطها الأفريقي، ودور مصر في منظمة إيغاد وتنشيط التعاون والعلاقات المصرية الإفريقية، والاستثمارات الخليجية في القرن والجنوب الأفريقي.

إن الدور العربي في أفريقيا يحقق بالفعل على المستوى القطري حضورا متناميا وبخاصة في المجال الاقتصادي، ولكن ذلك لم يحقق أي استثمار لصالح القضايا العربية، وما زالت حركة الثقافة السياسية تبتعد عن التفهم العميق للظواهر الأفريقية والتفاعل معها ضمن أنشطة ثقافية مشتركة أو حضور إعلامي مناسب، ومازالت المفاهيم الثابتة والقديمة وغير المدروسة أحيانا هي السائدة مثل عدم متابعة حقيقة العلاقات الإسرائيلية مع إثيوبيا وإريتريا وأطراف أفريقية أخرى، أو عدم تفهم الصراع في الوسط الإفريقي.

الصراع العربي الإسرائيلي
شهدت إسرائيل تفاعلات داخلية مؤثرة ومهمة مثل الانقسام الحاد في المجتمع الإسرائيلي، وتراجع أهمية الحزبين التاريخيين العمل والليكود، وصعود اليمين الديني والسياسي والقومي المتطرف.

واندلعت انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000 وتطورت إلى حرب حقيقية ومواجهة عسكرية معقدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وجرت انتخابات إسرائيلية جاءت بشارون رئيسا للوزراء بالائتلاف مع حزب العمل والأحزاب اليمينية المتطرفة، وتواصل الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل واستبعاد الأمم المتحدة من القيام بالمهمات المطلوبة التي تدخل في صميم اختصاصاتها.

وقدمت المقاومة الوطنية اللبنانية نموذجا رائدا في مواصلة الكفاح المسلح وإعطاء أولوية متقدمة للخيار العسكري في تحرير الأرض، وأدى هذا النموذج إلى تحول الجنوب اللبناني إلى مقبرة لجنود الاحتلال الإسرائيلي، وأخفقت كافة الأساليب القمعية الجماعية والاعتداءات الواسعة النطاق التي أقدمت عليها إسرائيل في تحويل المقاومة اللبنانية عن مواصلة خيار المقاومة.

وعقدت القمة العربية الطارئة في القاهرة وكرر الرؤساء والملوك العرب ربطهم التطبيع بالتسوية، وعقدت القمة الإسلامية التاسعة في الدوحة، وعقدت قمة سورية أميركية في جنيف بسويسرا وانتهت القمة بالإخفاق بعد أن رفض الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الاقتراح الأميركي -الإسرائيلي الأصل- بسيادة إسرائيلية على نهر الأردن وبحيرة طبريا.


بلغ النمو في الناتج المحلي العربي 2.8% عام 1999. وفي بعض الدول العربية كان الناتج الإجمالي متأثرا بقوة بسبب الحرب والحصار مثل السودان وفلسطين والعراق، وشهدت الاقتصاديات العربية انخفاضا في معدلات التضخم من 9.7% إلى 7.9%، وما زال الأداء الاقتصادي للدول غير النفطية ضعيفا

الأمن القومي العربي
يحدد التقرير أهم ملامح خريطة الأمن القوي العربي عام 2000 بالمؤشرات التالية:

  1. العجز الرسمي العربي عن إحياء الأمن القومي العربي نظريا وعمليا.
  2. الثقل العسكري والسياسي والاقتصادي الأجنبي بعامة والأميركي بخاصة.
  3. مواصلة إسرائيل أداء دورها كمؤسسة متفوقة عسكريا وتقنيا ومحتكرة للسلاح النووي ومدعومة من الولايات المتحدة.
  4. الضغط الأميركي البريطاني من أجل مواصلة الحصار على العراق.
  5. غياب أية محاولة لتعديل هذا الوضع السيئ رغم توافر العوامل اللازمة.

وشهد الأمن القومي مجموعة من الأحداث والتطورات المهمة أهمها انتصار المقاومة اللبنانية على إسرائيل وانسحابها من لبنان، واندلاع انتفاضة الأقصى وتطورها إلى حرب حقيقية في الساحة الفلسطينية، وعودة تأثير الرأي العام والجماهير العربية والإسلامية.

وتتلخص مصادر التهديد في إسرائيل أولا وهي تواصل تهديدها وتجديد وسائلها التي تزيد التهديد مثل تطوير قدرات الردع والتجسس وتطوير وحدات خاصة من الجيش لمواجهة الانتفاضة، وتوسعة علاقتها مع الهند والصين، وتطوير نظام مضاد للصواريخ (آرو) والتعاون العسكري مع تركيا.

وقد بلغ الإنفاق العسكري -حسب تقرير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن- في منطقة الشرق الأوسط 60 مليار دولار عام 1999، ولا بد أنه قد زاد عام 2000 على ذلك، وتعاقدت الإمارات العربية مع شركة لوكهيد مارتن الأميركية على شراء 80 طائرة من طراز إف 16 مع أنظمة رادار وحرب إلكترونية، وتبلغ قيمة الصفقة سبعة مليارات دولار، واستلمت السعودية فرقاطة فرنسية، وتسعى الكويت لتطوير وتحسين دفاعها الجوي في صفقة تزيد على أربعة مليارات دولار، وتسعى مصر لتنشيط مصانعها الحربية ومنها نظام دفاع لصواريخ "أمرام" القصيرة المدى، وذكرت مصادر إسرائيلية أن سوريا أجرت تجارب على صواريخ سكود ومداها ما بين 500 و600 كلم.

واستمرت المخاطر والتهديدات التي تمس السيادة الوطنية في العراق والسودان وسبتة ومليلة والصحراء الغربية والصومال والجزر الإماراتية الثلاث في الخليج العربي والبحر الأحمر، وتواجه المياه العربية تهديدا يمس الأمن القومي العربي وذلك أن معظم المياه العربية مصدرها يقع في دول غير عربية مثل نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، ونهر النيل الذي ينبع من الوسط الأفريقي، ونهر السنغال الذي يمر بموريتانيا. وتعتمد الدول العربية على الاستيراد في تأمين احتياجاتها من القمح والغذاء، وقد تصل نسبة الاستيراد في القمح إلى 90% من الاحتياجات في الأردن ولبنان ومصر والجزائر واليمن.

ولا يزال الأمن الثقافي العربي يعاني مشكلاته الرئيسية المعروفة لأن معالجة هذه المشكلة تتطلب تخطيطا شاملا على المستوى العربي الإقليمي مع تولي كل دولة عربية تطبيق ما يخصها من تلك الخطة بإقامة مؤسسات قومية للبحث العلمي وإنتاج التقانة في مختلف المناحي الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في وقت تتسارع فيه الإنجازات العليمة بوتائر متزايدة.

النظام العربي
شهد العام الأول من الألفية الثالثة تطورات دراماتيكية مهمة على صعيد كل من العلاقات العربية العربية والعمل العربي المشترك وتفاعلات النظام الإقليمي العربي، ولعبت هذه التطورات دورا جوهريا في إعادة الاعتبار للمجتمع المدني ومقاومة محاولات تحييد الرأي العام في القضايا الرئيسية للمنطقة مثل عملية التسوية السياسية والمأساة في العراق، ومن أهم ملامح ومؤشرات النظام العربي الإقليمي: تداعيات تحرير جنوب لبنان على الجماهير العربية وثقافة المقاومة، وإحياء الرأي العام العربي، وانعقاد القمة العربية والاتفاق على دورية انعقادها سنويا وقد عقدت في العام التالي في عمان ثم في بيروت.

وكان من أهم أحداث النظام العربي في العام 2000 انعقاد مؤتمر وزراء الداخلية العرب واعتماد إستراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب، والدورة الخامسة والستين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي لبحث إقامة منطقة التجارة الحرة العربية وزيادة معدلات التبادل التجاري بين الدول العربية، وانعقاد مؤتمر طارئ لوزراء الخارجية العرب دعا الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل إلى إعادة النظر في هذه العلاقات والتشديد على حق اللاجئين في العودة إلى أوطانهم ورفض توطينهم، وانعقاد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية لبحث الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وناقش إنشاء جامعة عربية مفتوحة بمبادرة من الأمير طلال بن عبد العزيز رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية، وقنن آلية انعقاد مؤتمر القمة العربية واتفق على عقدها في شهر مارس/ آذار من كل عام.

الاقتصاد والتنمية


بلغ الإنفاق العسكري حسب تقرير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن في منطقة الشرق الأوسط 60 مليار دولار عام 1999 ولا بد أنه قد زاد عام 2000 على ذلك

بلغ النمو في الناتج المحلي العربي 2.8% عام 1999، وفي بعض الدول العربية كان الناتج الإجمالي متأثرا بقوة بسبب الحرب والحصار مثل السودان وفلسطين والعراق، وشهدت الاقتصاديات العربية انخفاضا في معدلات التضخم من 9.7% إلى 7.9%، وما زال الأداء الاقتصادي للدول غير النفطية ضعيفا، وتتراوح البطالة في الدول العربية بين 14 و20 مليون عاطل عن العمل، وتسهم البطالة المرتفعة وانخفاض الأجور في زيادة حدة الفقر، ويواجه الاقتصاد العربي تحديات خطيرة بسبب العولمة والاندماج في منظومة التجارة العالمية.

ومن أهم القضايا والمشكلات الاجتماعية التي رصدها التقرير تحول أنماط الأسرة العربية من الممتدة القائمة على التضامن والتكافل والتواصل بين الأجيال والأقارب إلى الأسرة النووية الصغيرة المنعزلة، وتغير العلاقات بين أعضاء الأسرة بسبب ظروف الحياة الجدية والهجرة وتزايد معدلات الطلاق، والانحسار المضطرد في وظائف الأسرة.

المصدر : غير معروف