السياحة في مجتمع معولم


كامبردج بوك ريفيوز
كتاب كيفين ميثان "السياحة في مجتمع معولم"، يأتي في سياق مضاد للكتابات الكثيرة التي صدرت في الأعوام الأخيرة ضد العولمة وتجلياتها الاقتصادية والاستهلاكية. يناقش الكتاب عدة طروحات ليخلص إلى أن العولمة ليست شرا كلها، وأنها لا تعني بالضرورة تدمير الثقافات الوطنية بل ربما تؤدي لتعزيزها، وهو هنا ينظر للعولمة من منظور "سياحي", أو من زاوية صناعة السياحة, ويرى أن تحويل الأماكن الأثرية والطبيعية والحياة الشعبية التقليدية لسلعة ومورد اقتصادي من خلال السياحة ليست بالضرورة سلبية بل قد تتحول لوسيلة للحفاظ أو لتطوير تلك الأماكن والحياة.

علاقة المنتج بالمستهلك


undefined– اسم الكتاب: السياحة في مجتمع معولم: المكان والثقافة والاستهلاك.
– المؤلف: كيفين ميثان
– عدد الصفحات: 214
– الطبعة:
الأولى 2001
الناشر: Palgrave New York

في توضيح منهجه في كتابه هذا يقول ميثان إن لديه فكرة رئيسية يتمحور كتابه حولها، وهي عمليا فكرة شائعة وتزداد حضورا في الدراسات الاجتماعية والاقتصادية، وهي أنه بينما كان التركيز في علم الاجتماع والاقتصاد في القرنين التاسع عشر والعشرين ينصب على دراسة عملية الإنتاج والعلاقة بين صاحب العمل أو الرأسمالي والعامل، فإن التركيز يتجه الآن نحو عملية الاستهلاك والعلاقة بين المنتج والمستهلك، على اعتبار أن عملية الإنتاج وعلاقات العمل باتت أقل أهمية في إطار تزايد الإنتاج لصالح الاهتمام بوسائل لزيادة التسويق والاستهلاك, فضلا عن خفوت التحليل الماركسي في عالم اليوم, وهو التحليل الذي كان يركز على نمط العلاقات العمالية والإنتاج بالدرجة الأولى.

وانطلاقا من هذه الفكرة ينطلق ميثان ليؤكد فكرتين فرعيتين في إطار عصر الاستهلاك الراهن، الأولى هي أن هذه العملية على النطاق العالمي تقوم بتغيير في وجه العالم والحياة الاجتماعية، والثانية أن هناك عملية تقوم على تحويل العديد من الأمور التي لم تكن أصلا معدة للتجارة والاقتصاد لتصبح سلعة تؤدي لدخل أو ما يسمى بعملية الـ"Commodification" أو "التسليع", فكل شيء بما في ذلك بعض الأمور غير المادية أصبحت سلعا صالحة للبيع والشراء (ونحت المفكر العربي عبد الوهاب المسيري لهذه الظاهرة وصف "الحوسلة", أي اعتبار كل الأشياء وسائل خاضعة للتبادل) ويرى ميثان أن السياحة تقع في قلب عملية "خلق السلع" ولكنه يرفض فكرة أن النتيجة لهذه العملية هي تدمير المجتمعات وقهر الثقافات.


عام 1965 كانت نسبة السياح الذين يعتمدون على تدبر أمور طعامهم بأنفسهم لا عبر شركات السياحة هو
18% أما عام 1991 فأصبح 63%

السياحة والحداثة
ويقول إنه بالإضافة لعملية "خلق السلع" فإن السياحة ارتبطت بمصطلح آخر هو الحداثة، وهو المصطلح الذي بدأ بالتطور منذ القرن السابع عشر ليدلل على عدد من الأفكار الاجتماعية التي رافقت الثورة الصناعية التي أدت لأن تصبح الحياة الاجتماعية مرتبطة بنوع عمل الإنسان والمؤسسات الاقتصادية أكثر منه بنمط حياة عائلته ومكان ولادته الأصلي، ويقول إن نمط العمل وفق عدد ساعات معين، ووجود ساعات العمل المدفوعة الأجر، وتطور وسائل المواصلات أدى إلى تطور فكرة السياحة والانتقال، وهذا أدى لنمو فكرة الفنادق وبيوت العطلات على نحو أوسع، وكانت السياحة في البداية نمطا للتمايز الطبقي والاجتماعي بين الناس، ولكن الهرب من الحداثة نفسها شكل فكرة رئيسية في السياحة، فنمط الإنتاج الصناعي أوجد فكرة شعور الإنسان بالاغتراب داخل مجتمعه وبأنه أصبح جزءا من الآلة ومن عملية إنتاج ونمط حياة مغلق يعزله عن محيطه الاجتماعي، وهو ما سمي عادة بالتشيّؤ "تحول الإنسان إلى شيء" لذا شكل الهروب للطبيعة ولمجتمعات غير صناعية وتتمتع بما سمي بالأصالة، أو بأنها ما زالت في طور ما قبل الحداثة عاملا رئيسيا في ظاهرة السياحة. وجاء بناء المنتجعات السياحية وقرى العطلات جزءا مهما من السياحة وجزءا من خلق السلع في إطار السياحة، ولكن عصر العولمة، أو ما يسمى بعصر "ما بعد الحداثة"، أدى لتغيرات هامة في أنماط السياحة، فبعدما كانت الرحلات المنظمة عبر مجموعات سياحية وشركات ولفترات غالبا ما تكون لأسبوعين تشمل رزمة كاملة من الرحلات والترفيه والطعام والإقامة، أدت سهولة المواصلات وثورة المعلومات والاتصالات إلى أن يزداد عدد الذين ينظمون رحلاتهم السياحية بشكل فردي، فمثلا عام 1965 كانت نسبة السياح الذين يعتمدون على تدبر أمور طعامهم بأنفسهم لا عبر شركات السياحة هو 18% أما عام 1991 فأصبح 63%، وتراجعت فكرة عطلة الأسبوعين لصالح عطل أقصر وبالتالي تراجعت فكرة المنتجع السياحي لصالح التنقل في أماكن عديدة وأجبر هذا تلك المنتجعات والفنادق للتحول لخدمات أخرى مثل استضافة المؤتمرات وكازينوهات القمار.


الشركات متعددة الجنسية تسيطر على سوق السياحة فمثلا شركة أكور البريطانية في أواسط التسعينيات من القرن الماضي تدير 25 ألف فندق في العالم في 70 بلدا، بينما هوليدي إن كانت تدير 1571 فندقا بحجم 2.3 مليون غرفة

السياحة واقتصاد العولمة
في الفصل الثالث من الكتاب يشرح ميثان المفاهيم النظرية والطروحات الأساسية حول السياحة، فيقول إن السياحة كانت بالفعل أحد أهم مظاهر بدايات الاقتصاد المعولم، ويناقش تحديدا إذا ما كانت السياحة تتحول لضرب من التبعية والسيطرة الخارجية، ويبدأ بطرح أمثلة تدعم عمليا فرضية التبعية بالقول إنه حتى عندما حاولت دول حديثة الاستقلال في الستينيات التأكيد على استقلالها بإيجاد اقتصاد مستقل اتجهت للسياحة بوصفها مصدرا للدخل لا يحتاج لرأسمال ضخم، ولكنها عمليا استوردت وسائل وأساليب ترفيه من الدول المتقدمة اقتصاديا ومن ثم فإن المنتجعات والمنشآت السياحية التي بنتها بدت جزرا معزولة عن محيطها بنيت في كثير من الأحوال لتحد من رؤية واتصال أهالي البلاد الأصليين مع السياح.

وإذا ما كانت الشركات متعددة الجنسية هي رمزا للتدخل الخارجي فإن ميثان يقول إن هذه الشركات بالفعل تسيطر على سوق السياحة، فمثلا شركة أكور البريطانية في أواسط التسعينيات من القرن الماضي تدير 25 ألف فندق في العالم في 70 بلدا، بينما هوليدي إن كانت تدير 1571 فندقا بحجم 2.3 مليون غرفة. ولكن ميثان يبدأ هنا برفض مقولات سيطرة البلدان الغربية على هذه الصناعة دوليا، ويضرب مثلا يبدو غريبا فيقول إن شركة CDL السنغافورية التي بدأت عام 1989 تمتلك الآن فنادق بسعة 16400 غرفة في 12 بلدا، ورغم فارق الحجم بين الأمثلة الأولى وهذا المثال فالكاتب يرى أن صناعة الفنادق لا تسيطر عليها جهات معينة.

ويعود ليضرب مثلا آخر يعزز سيطرة جهات محدودة على قطاع السياحة فيقول "عدا الفنادق هناك ما يعرف في السياحة بمدراء الأبراج وهو مصطلح يطلق على شركات تقوم بحجز فنادق كاملة لفترات محددة أو تحجز طائرات لرحلات خاصة ثم يبيعون ما حجزوه لشركات صغرى وأفراد، أي ما يمكن تسميته تجارة الجملة السياحية"، ويقول إن سياحة اليابانيين ذات أهمية بالغة بالنسبة لأستراليا ولكن مثل تجار الجملة هؤلاء يسيطرون على 67% من حجم تلك السياحة.

ويرى الكاتب أنه رغم هذا الواقع فإنه لا يمكن الادعاء بأن هذه الجهات تعمل خارج نطاق الدولة وعلى حساب دورها، فلا تزال للدولة أهمية خاصة وهي تسيطر على الكثير من الخطوط الجوية واتفاقات تسييرها وعلى منح تأشيرات الدخول، عدا قوانين وتشريعات تضبط السياحة، ويضرب مثلا كيف أن المكسيك (التي كانت الحكومة فيها تمتلك وتدير الجزء الأهم من قطاع السياحة منذ الستينيات) عندما اضطرت مع أزمة الديون في الثمانينيات إلى بيع أجزاء من منشآتها للقطاع الخاص الذي قام بدوره لغرض جذب السياحة الأجنبية بالتعاقد مع شركات دولية لإدارة منشآتها، فإن الذي حصل أن الملكية بقيت كليا أو جزئيا محلية ولكن الإدارة عالمية، ويرى ميثان هذا دليلا على أن دور الدولة لا ينتهي ولكن يمكن نقل صلاحيات ومهام معينة وفق ضوابط خاصة.


إن الدول عموما تحاول ضبط التوازن بين العمليتين فإذا زاد الإنتاج تحاول تشجيع الاستهلاك بوسائل منها زيادة الأجور ومنح عطلات مدفوعة الأجر وهذا يصب في نمو السياحة، ولكن ثورة المعلومات أدت إلى أن يتحرك الأفراد دون وكلاء فباتوا يحددون وجهة سفرهم واختياراتهم وحدهم

السلعة وسياحة الحداثة
يتوسع المؤلف في الفصل الرابع في توضيح فكرة "خلق السلعة" في سياحة مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة سالفتي الذكر ويقول إن جذور هذا الفكرة تعود لكارل ماركس، من حيث أن سلعا معينة لا تنتج لأن هناك حاجة لها بل لأنها يمكن أن تصبح ذات قيمة نقدية سوقية، وبأن من جاء بعد ماركس طور الفكرة مؤكدا على فكرة التشيؤ (تحول الإنسان إلى شيء) واستلاب العامل والإنسان من تفكيره وانقياده بفعل علاقات تفرضها عمليات السوق، وأن مرحلة الحداثة جعلت عملية الترويج للاستهلاك أقرب لعملية غسل الدماغ، وبالتالي فالسياحة في كثير من جوانبها هي عمليات تزييف وتقديم سلع هي ليست بالسلع.

وينطلق ميثان من تطور العلاقة بين عمليتي الإنتاج والاستهلاك ليقول إن الدول عموما تحاول ضبط التوازن بين العمليتين فإذا زاد الإنتاج تحاول تشجيع الاستهلاك بوسائل منها زيادة الأجور ومنح عطلات مدفوعة الأجر وهذا يصب في نمو السياحة، ولكن ثورة المعلومات أدت إلى أن يتحرك الأفراد دون وكلاء فباتوا يحددون وجهة سفرهم واختياراتهم وحدهم، كما تطور الربط بين نشاطات كالرياضة والتسوق والسياحة مما أفقد السياحة الكثير من جوانبها الثقافية كما زاد من أهمية المشاريع الصغيرة كالمطاعم وبيوت العطلات الصغيرة، ووفق دراسة بريطانية حكومية فإن السياح القادمين لبريطانيا أصبحوا يفضلون القدوم أفرادا وجماعات صغيرة، إقامات قصيرة، يفضلون عدم الإقامة في مكان واحد بل التنقل، لا يبحثون عن الخدمات المخصصة للسياح بل للعامة، ويبحثون عن معرفة ومشاهدة أكبر كم ممكن في أقصر وقت ممكن.

ويناقش الكاتب إذا ما كان هذا يعني أن السياحة خرجت من أيدي الدولة ومن أيدي شركات السياحة الكبرى وأصبحت قرارا فرديا خالصا، لينفي ذلك قائلا بأن الدول ما زال بيدها الكثير مثل التحكم بأوقات فتح وإغلاق المتاجر والمحلات، ترخيص المرافق السياحية، كما أن السياحة عبر الشركات لا تزال تمتلك ميزات هامة مثل خبرة هذه الشركات في إرشاد السائح لرؤية وزيارة الأماكن الصحيحة ومثل توفير عروض الإقامة والطعام المناسبة. ويبدو ميثان ميالا للقول "نعم الفرد زادت قدرته على التحرك وحده ولكن هذا لا يعني أن الدولة فقدت دورها وقدرتها على الضبط، أو أن الشركات ومحترفي العمل في السياحة فقدوا دورهم".

السياحة والعلاقات الإنسانية
في القسم الأخير من الكتاب يسعى ميثان إلى توضيح وجهة نظره حول العلاقة بين السياحة والحداثة مع التركيز على أثر السياحة على العلاقات الإنسانية والاجتماعية، فيعود لفكرة المجتمعات المتخيلة التي باتت تسود بين الأكاديميين الغربيين، والتي ترى أن الهوية والولاء للقومية إنما تعود لمخيلة جماعية تخلط الخيالي بالحقيقي، ليقول إنه ليس فقط المكان التاريخي والسياحي مهما لخلق هذه الخيالات بل إن هناك أمرا آخر تقدمه السياحة. فحتى يشعر مجتمع معين بخصوصيته لا بد من أن يجد مجتمعات أخرى يقارن نفسه بها، أو ما يعرف في الدراسات بـ "الآخر" والاختلاط بالسياح والأجانب يعطي فرصة مهمة لإجراء هذه المقارنات.


عمل المرأة ازداد في قطاع السياحة في العديد من المجتمعات بسبب ارتخاء القيود نتيجة للتطورات الاجتماعية والاقتصادية، وإن كانت الحدود والاعتبارات الخاصة لا زالت موجودة

ثم ينتقل ميثان لمجال آخر فيقول إن أثر السياحة على علاقة الرجل بالمرأة والمعايير والتقاليد المحيطة بذلك من أبرز الانتقادات الموجهة للسياحة، على أن ميثان يرى أن السياحة يمكن أن تعزز أنماط العلاقات التقليدية، ففي الكثير من المجتمعات التي أرادت دمج المجتمع في القطاع السياحي -لا سيما بعد أن ازدادت رغبة السياح في الاختلاط والتعرف على أنماط الحياة التقليدية للشعوب المختلفة- فإن المرأة اندمجت في هذه العملية بمهام ووظائف تشكل امتدادا لدورها كربة منزل، ويضرب أمثلة من إندونيسيا وإسبانيا واليونان وكيف أدت إدارة عائلات لمساكن سياحية أو حتى تأجير جزء من غرف منازلها لأن تقوم المرأة بدورها في إعداد الطعام وتنسيق المنزل، لا سيما وأن السياح يقبلون على الطعام وأنماط الأثاث والحياة التقليدية لا المنسوخة من دول صناعية جاؤوا منها، وهذا الوضع أدى لتعزيز دور المرأة التقليدي فقد أصبح هذا الدور مصدرا للدخل وأصبحت المرأة شريكا رئيسيا في العملية الاقتصادية مما رفع القيمة الاجتماعية لدورها التقليدي ولم يغيره. ولكن الكاتب يعود ليشير إلى أن عمل المرأة ازداد في قطاع السياحة في العديد من المجتمعات بسبب "ارتخاء القيود نتيجة للتطورات الاجتماعية والاقتصادية، وإن كانت الحدود والاعتبارات الخاصة لا زالت موجودة".

المصدر : غير معروف