حزب الجمهوريون

شعار الجمهوريون (فرنسا) - الموسوعة

حزب يميني فرنسي ذو مرجعية ديغولية متصالحة مع الوسط، ورغم قدمه فقد غير رئيسه نيكولا ساركوزي اسمه في 30 مايو/أيار 2015 من حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" إلى "الجمهوريون".

النشأة والتأسيس
ظل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (سلف "الجمهوريين") طوال وجوده الذي دام 13 سنة عاجزا عن التخلص من صفة الحزب الذي وُلد خدمة لشخصٍ بعينه (جاك شيراك) ولمساره السياسي، وهو ما جرده من أي شرعية إيديولوجية تضمن له البقاء بعد مغادرة مؤسسه شيراك المسرح السياسي 2007.

اختار نيكولا ساركوزي تسمية "الجمهوريون" ليطلقها على حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية خلال حملته لرئاسة هذا الحزب عام 2014، وذلك ضمن مشروعه السياسي الكبير الهادف من ورائه للعودة إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية في انتخابات عام 2017.

التوجه الأيديولوجي
يمثل حزب "الجمهوريون" استمرارا للميراث السياسي للرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول والمعروف في أدبيات السياسة الفرنسية بـ"الديغولية"، وهي خليطٌ من المواقف الوطنية المعتزة بفرنسا وبتميزها داخل نطاقها الغربي الليبرالي مع نزعة شديدة لاستقلال القرار السياسي عن المظلة الأميركية المهيمنة في الغرب.

وكان ساركوزي قد شدد خلال حملته لرئاسة الحزب على ضرورة إعادة تسمية الحزب ومراجعة لوائحه التنظيمية، بما يُناسب إستراتيجية ساركوزي للفوز برئاسيات 2017 القائمة أساسا على استمالة ناخبي اليمين المتطرف، مع تأكيده الدائم على أن الحزب -وليس الجبهة الوطنية المتطرفة- هو الخصم الرئيسي للاشتراكيين، والقادر على هزيمتهم وتقديم البديل الديمقراطي لمشروعهم السياسي والاجتماعي.

المسار التاريخي
بعد تحرير فرنسا من الاحتلال النازي صيف 1944، فرض الجنرال ديغول نفسه ممثلا لسلطة الدولة وشكل حكومة وفاق وطني، إلا أن إخفاقه في إقناع النخبة المحلية بالتخلي عن النظام البرلماني -الذي رآه غير مناسب لفرنسا في تلك المرحلة نظرا لعدم الاستقرار السياسي الذي أوجده قبل الحرب- دفعه إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة عام 1946.

ثم أنشأ في السنة الموالية حزب "تجمع الشعب الفرنسي" بيد أن انتقادات الأحزاب جعلته يهجر السياسة في 1953، وظل بعيدا عنها حتى طلب منه رئيس الجمهورية رينيه كوتي في 29 مايو/أيار 1958 العودة إلى المشهد السياسي.

ومع عودته مجددا إلى السلطة عام 1958؛ بادر ديغول إلى تأسيس الجمهورية الخامسة عبر إقرار دستور يقوي فصل السلطات ويعزز مكانة رئيس الجمهورية، وأنشا حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية الجديدة" الذي تحول عام 1968 إلى "اتحاد الديمقراطيين من أجل الجمهورية الخامسة" ثم "اتحاد الديمقراطيين من أجل الجمهورية" إلى عام 1976.

ويعكس تغير التسميات الاضطرابات السياسية الكبيرة التي شهدتها فرنسا في تلك المرحلة والمرتبطة في أغلبها بانتهاء الاستعمار والقضية الجزائرية، ثم باستقالة الجنرال ديغول إثر رفض الاستفتاء الشعبي لعام 1968 المتعلق بالإصلاح الترابي ومجلس الشيوخ.

وكان انتخاب فاليري جيسكار دي ستان رئيسا للبلاد عام 1976 إيذانا بنهاية الحكم الديغولي، إذ تعمق الشرخ بينه وبين جاك شيراك الذي كان ضمن أبرز القيادات الديغولية في تلك المرحلة، وهو ما كانت له تبعات قاتلة للمستقبل السياسي لدي ستان حين رفض شيراك دعمه في الشوط الثاني من رئاسيات 1981 ففاز بها اليساري فرانسوا ميتران.

ومع بوادر ذلك الخلاف، أسس شيراك "التجمع من أجل الجمهورية" عام 1976 وتمكن من الفوز بتشريعيات 1986 ليفرض "سياسة التعايش" على الرئيس ميترانْ.

وبدافع إنهاء "سياسة التعايش" مع اليسار عقب رئاسيات 2002، طـُويت صفحة وجود "التجمع من أجل الجمهورية" ليبقى اسمه مسجلا في التراث السياسي الفرنسي بوصفه الحزب الديغولي الأطول عمرا في ظل الجمهورية الخامسة، يليه خلفهُ "اتحاد من أجل حركة شعبية".

فقد تأسس الحزب إثر فوز جاك شيراك بولاية رئاسية ثانية عام 2002 بعد شوطٍ ثان خاضه ضد مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبان، بعد هزيمة تاريخية ومفاجئة لليساري العنيد والمحنك ليونيل جوسبان في الشوط الأول.

بيد أن فوز شيراك كان ممزوجا بمرارة ضعف نتيجته في الشوط الأول (أقل من 20%)، وهو ما دفع بعض أنصاره ومقربيه إلى إنشاء حركة سموها "الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية"، وكان هدفها خوض الانتخابات التشريعية لذلك العام بما يضمن لشيراك أغلبية تُسانده في مأموريته الثانية، وهو أمر بدا مستحيلا دون توسيع قواعد حزبه (الاتحاد من أجل الجمهورية) لتسع اليمينيين غير الديغوليين والوسط.

تشكل الحزب من هذه المكونات الثلاثة تحت اسم "الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية"، وإن كان نواب الوسط غادروه بعد أشهر ليؤسسوا حزب "اتحاد الديمقراطيين المستقلين" بزعامة فرانسوا بايرو، ثم غيروا اسمه إلى "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، مع الاحتفاظ بنفس الاختصار الثلاثي باللغة الفرنسية.

وهكذا ظلت عقدة ربط الحزب بشخص شيراك تلاحق خليفته في رئاسة الحزب والدولة نيكولا ساركوزي الذي ساءت علاقته بشيراك، لاسيما مع دعم هذا الأخير لدومينيك دوفيلبان غريم ساركوزي في ترشيحات الحزب لرئاسيات 2007.

لكن وجود ساركوزي في الرئاسة وما يفرضه المنصب من بعدٍ -ولو كان نسبيا- عن شؤون الحزب، حال بينه وبين التخلص من ميراث شيراك ومن عقدة الحزب/الفرد، حتى سنحت الفرصة مجددا إثر استعادته رئاسة الحزب في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، مدفوعا بطموحه الشخصي في العودة للرئاسة، ليتخلص بعودته لقيادة اليمين من كل ما يرمز إلى شيراك بما في ذلك تسمية الحزب.

وقد استفاد في تحقيق هدفه هذا من الفضائح المالية المتتالية التي هزَّت الحزب عام 2014 (فضيحة حسابات انتخابات الرئاسة، وفضيحة بيغ ماليون، وفضيحة خلية الإليزيه… إلخ) والصراعات التي دارت بين قياداته، خاصة إثر فوز جان فرانسوا كوبيه بالأمانة العامة ورفض فرانسوا فيون النتائج، لينتهي الأمر إلى قيادة مشتركة مؤقتة.

وفي 30 مايو/أيار أعلن ساركوزي تغيير اسم "الاتحاد من أجل حركة شعبية" إلى "الجمهوريون" بعد تأييد 83% من نشطاء الحزب الخطوة، قائلا إن "اسم ‘الجمهوريون‘ ليس اسما جديدا فحسب، بل إنه صرخة لجمع كل اللواتي والذين يعانون لرؤيتهم الجمهورية تتراجع كل يوم، ويريدون أن يرفضوا بحزم هذا التراجع".

وجاءت الانتخابات الإقليمية يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2015 لتشكل أول اختبار لشعبية حزب "الجمهوريون"، فحل ثانيا في الشوط الأول خلف حزب الجبهة الوطنية المتطرف بنسبة 27%، متفوقا على الحزب الاشتراكي الحاكم.

وبعد إعلان الاشتراكيين استعدادهم للتحالف مع "الجمهوريون" في الشوط الثاني لتشكيل "سد جمهوري" أمام صعود اليمين المتطرف، سارع رئيس الحزب ساركوزي إلى رفض "أي تحالف أو اندماج" مع الاشتراكيين أو أي "سحب" للوائح حزبه الذي قال إنه يمثل "البديل الوحيد الممكن" بالمناطق التي قد تفوز فيها الجبهة الوطنية.

وفي الشوط الثاني -الذي أجري يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2015- استفاد "الجمهوريون" من أصوات الاشتراكيين الذين انسحبوا لصالحهم من بعض المناطق، فنالوا بذلك الصدارة بفوزهم برئاسة سبعة أقاليم بينما فشلت الجبهة الوطنية في نيل رئاسة أي إقليم.

وإثر إعلان النتائج؛ قرر "الجمهوريون" اختيار قيادة جديدة لحزبهم في يناير/كانون الثاني 2016، ويأتي هذا القرار بعد تزايد نفوذ اليمين المتطرف على حساب اليمين التقليدي، واستبعاد مسؤولة الحزب الثانية ناتالي كوسيوسكو موريزيه المعروفة بانتقادها الشديد لرئيس الحزب ساركوزي.

المصدر : الجزيرة