حرب الهند الصينية.. صراع نزع مخالب فرنسا وأميركا في فيتنام

As the Chinese Army drive towards Tezpur during the Sino-Indian War, refugees fleeing with all of their belongings, India, November 23rd 1962. (Photo by Express/Archive Photos/Getty Images)
لاجئون يفرون عام 1962 فيما كان الجيش الصيني يتجه نحو تيزبور خلال حرب الهند الصينية (غيتي)

حرب خاضتها كل من فيتنام ولاوس وكمبوديا ضد الاستعمار في مرحلتين: أولاهما "حرب الهند الصينية الأولى" (1946-1954) ضد الاستعمار الفرنسي، وتسمى كذلك الحرب الفيتنامية الفرنسية، لأن جل أحداثها تمت في الثلث الشمالي لفيتنام، والأخرى "حرب الهند الصينية الثانية" (1960-1973) ضد الولايات المتحدة، خاصة في فيتنام. 

انتهت الحرب الأولى باستقلال لاوس وكمبوديا وفيتنام، فألهمت حركات التحرر في كل المستعمرات الفرنسية، وانتهت الأخرى بانسحاب الولايات المتحدة.

قصة التسمية

سميت حرب الهند الصينية نسبة لتسمية المنطقة المعروفة في جنوب شرق آسيا بشبه الجزيرة الهندية الصينية، لأنها تقع شرق الهند وجنوب الصين، ومتأثرة بثقافة البلدين معا، إذ تأثرت فيتنام بشكل كبير بالثقافة الصينية، فيما تأثرت كمبوديا ولاوس وتايلند أيضا بالثقافة الهندية.

حرب الهند الصينية الأولى

غزت فرنسا في النصف الأخير من القرن الـ19 فيتنام، وسيطرت عليها واعتبرتها محمية منذ عام 1883، وفي عام 1905 ضمت كلا من فيتنام ولاوس وكمبوديا وسميت تلك المنطقة الهند الصينية، لكن حملة اليابان الثانية على المنطقة المذكورة بالتزامن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية قضت على نفوذ فرنسا على عهد حكومة فيشي وقتلت وسجنت العديد من جنودها.

هذا الغزو الياباني ولّد أيضا مقاومة ضده وضد الفرنسيين، وتشكلت جبهة "الفيتمن" الشيوعية بقيادة الزعيم القومي هوشي منه الذي أعلن في الثاني من سبتمبر/أيلول 1945 استقلال فيتنام، الأمر الذي عارضته فرنسا فقاد ضدها حرب عصابات.

لم تُسلّم فرنسا بسهولة، وسعت بعد الحرب العالمية الثانية إلى التحالف لاستعادة السيطرة على الهند الصينية، خاصة بعد هزيمة اليابان، وأقنع الجنرال شارل ديغول بريطانيا والصين بالانسحاب من المنطقة، كما عقد اتفاقا مع "الفيتمن" يوم 6 مارس/آذار 1946 تعلن بموجبه جمهورية فيتنامية موحدة تشكل جزءا من فدرالية الهند الصينية والاتحاد الفرنسي مع السماح بإقامة قواعد فرنسية دائمة في هانوي.

ناثو لا ممر جبلي بالهيمالايا يربط الهند بمنطقة التبت في الصين أغلقته الهند بعد الحرب وأعادت فتحه عام 2006 (غيتي)

بداية الحرب

غادر الرئيس الفرنسي شارل ديغول السلطة فتغيرت السياسة الاستعمارية في المنطقة في اتجاه عسكرتها، وبدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 1946 شرارة المواجهات بين جنود فرنسا والفيتناميين في ميناء هيفونغ التجاري قرب هانوي، ونفذت جبهة "الفيتمن" عمليات ضد الحامية الفرنسية التي ردت بتدمير الميناء وقتلت 6 آلاف فيتنامي، جلهم من المدنيين.

أما حرب الهند الصينية الثانية أو ما تعرف بحرب فيتنام فبدأت شرارتها عام 1955 مع انقسام فيتنام إلى شمال هيمن عليه الشيوعيون وجنوب تدعمه الولايات المتحدة الأميركية.

أهم المعارك والمحطات

كانت مهاجمة ميناء هيفونغ التجاري قرب هانوي في نوفمبر/تشرين الثاني 1946 الشرارة التي فجرت المواجهة بين قوات فرنسا الاستعمارية وقوات جبهة "الفيتمن" الفيتنامية، ودعا الزعيم هوشي منه الفيتناميين إلى المقاومة التي شكل رجال الفيتكوم (الذراع العسكرية للفيتمن) قلبها النابض، وكبدوا القوات الفرنسية خسائر فادحة بضرب طرق الإمداد والموانئ.

وبينما حصلت فرنسا على دعم أميركي وفَّر انتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية الصينية للشيوعيين الفيتناميين حليفا وداعما مهما على حدودهم الشمالية، الأمر الذي قوّى الجبهة الفيتنامية ضد فرنسا.

وفي يناير/كانون الثاني 1950 اعترفت كل من الصين والاتحاد السوفياتي بحكومة هوشي منه في شمال فيتنام، وفي المقابل اعترفت الولايات المتحدة بحكومة السلطان باو ديه الموالي لفرنسا في جنوب فيتنام.

كمبوديا هي الأخرى كانت مستعمرة فرنسية منذ عام 1863 وكذلك لاوس منذ مطلع القرن العشرين، لكنهما حصلتا قبل فيتنام على الاستقلال.

ورغم تبني زعيم كمبوديا الأمير نورودوم سيهانوك موقف الحياد تجاه الصراع الفرنسي الفيتنامي فإنه سمح للشيوعيين الفيتناميين باستخدام ملاذات آمنة داخل بلاده.

فصول حرب الهند الصينية الأولى انتهت بعدما قتل فيها نحو 170 ألفا (غيتي)

وهزم الفيتناميون في مايو/أيار 1954 الجيش الفرنسي في معركة "ديان بيان فو" وقتلوا منه ألفين وأسروا 11 ألفا، مقابل مقتل أكثر من 25 ألفا من الفيتناميين، وشكلت هذه المعركة مؤشرا على قرب نهاية الاستعمار الفرنسي لفيتنام.

وفي 21 يوليو/تموز 1954 أجبر الفيتناميون فرنسا على توقيع اتفاق سلام في جنيف ينص على استقلال لاوس وكمبوديا وتقسيم مؤقت لفيتنام إلى شمال بقيادة هوشي منه، وجنوب بقيادة السلطان باو ديه.

كما ينص على انسحاب الجنود الفرنسيين وقبول مستشارين عسكريين أميركيين، وانتهى بذلك الاستعمار الفرنسي، كما انتهت فصول حرب الهند الصينية الأولى بعدما قتل فيها -حسب تقديرات المؤرخين- نحو 170 ألفا، إضافة إلى عشرات الآلاف من المفقودين.

حرب الهند الصينية الثانية

وفي حرب الهند الصينية الثانية -التي اندلعت عام 1955- أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وقوفها التام خلف حكومة سايغون، ووقع الرئيس جورج كنيدي معاهدة صداقة وتعاون اقتصادي بين بلاده وفيتنام الجنوبية في أبريل/نيسان 1961، وفي ديسمبر/كانون الأول من السنة نفسها أعلن عزمه مساعدة حكومة الرئيس نغو دينه ديم اقتصاديا وعسكريا.

ووصلت طلائع الجيش الأميركي إلى سايغون (400 جندي) لتشغيل المروحيات العسكرية، لكن عدد الجنود الأميركيين زاد سنة 1962 في فيتنام الجنوبية وبلغ 11 ألف جندي، وأسست قيادة أميركية في سايغون في يناير/كانون الثاني 1962.

وارتفع العدد في السنة التالية إلى 17 ألف جندي، لكن ذلك لم يحل دون سيطرة ثوار جبهة التحرير على 50% من تراب فيتنام الجنوبية، مستغلين الفوضى في الجنوب الفيتنامي، ومعارضة السياسيين ذوي النزعة الليبرالية والبوذية دكتاتورية الرئيس ديم وميوله الكاثوليكية، حيث تمت الإطاحة به في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1963 في انقلاب عسكري وتم قتله.

استغلت الولايات المتحدة حالة الفوضى هذه عام 1964 والانشقاقات العسكرية داخل سايغون، وتدخلت في الصراع بشكل شامل، وعند مهاجمة قوات جبهة التحرير الوطني لبعض قاذفاتها البحرية في خليج تونكين أصدر الرئيس الأميركي ليندن جونسون الأوامر إلى الطيران العسكري بقصف المواقع الفيتنامية الشمالية.

القوات الأميركية ارتكبت جرائم عدة للضغط على هانوي منها تصفية الثوار الشيوعيين في الأرياف الجنوبية (غيتي)

وتوالى القصف الأميركي لفيتنام الشمالية منذ فبراير/شباط 1965، وتم في 6 مارس/آذار من العام نفسه أول إنزال للبحرية الأميركية في جنوب دانانغ، حيث بلغ عدد الجنود الأميركيين في صيف 1968 ما يناهز 550 ألفا.

ارتكبت القوات الأميركية جرائم عدة للضغط على هانوي، بدءا بالتجميع القسري للسكان وتصفية الثوار الشيوعيين في الأرياف الجنوبية وتحطيم الغطاء النباتي بطائرات "بي-52" وقصف المدنيين، لكن ذلك كله لم يفت في عضد المقاومة الفيتنامية، وتمكنت من إلحاق خسائر بالولايات المتحدة وحلفائها الذين أعلنوا في أكتوبر/تشرين الأول 1966 استعدادهم للانسحاب من فيتنام بعد 6 أشهر إذا ما خرجت فيتنام الشمالية من الحرب، وهو الإعلان الذي قوبل بالرفض.

وفي 1968 أطلق الثوار ما عرف بهجوم "تيت" (وهو اسم السنة القمرية الفيتنامية التي يحتفل بها منتصف فبراير/شباط من كل سنة) واستهدف أكثر من 100 هدف، واستطاع الثوار من خلال ذلك الهجوم التغلغل والوصول إلى عاصمة الجنوب واستهداف الأميركيين.

وبينما انتعشت آمال التوصل إلى حل نهائي عبر المفاوضات السرية أمر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 1972 -في محاولة للضغط على الفيتناميين وكسب انتصارات ميدانية تقوي موقفه- بقصف هانوي وهايبونغ، حيث صبت طائرات "بي-52" نيرانها على المدينتين، في قصف لم تشهد الحرب الفيتنامية نظيرا له من قبل.

وأمام المقاومة الفيتنامية اضطرت الولايات المتحدة للانسحاب بعد اتفاق 1973 رغم استمرار الحرب بين الشق الجنوبي لفيتنام المدعوم من واشنطن والشق الشمالي المدعوم من الصين والاتحاد السوفياتي ولاوس وكمبوديا، وانتهت لصالح الشيوعيين عام 1975.

عدد ضحايا حرب الهند الصينية الثانية وصل إلى مليوني قتيل فيتنامي على الأقل (غيتي)

الخسائر البشرية

انتهت فصول حرب الهند الصينية الأولى بعدما قتل فيها -حسب تقديرات المؤرخين- 170 ألفا، منهم 25 ألفا قتلوا في معركة "ديان بيان فو"، فيما لا توجد أرقام دقيقة عن قتلى الجيش الفرنسي الذي تقول بعض المصادر إن ألفين من جنوده قتلوا وأسر 11 ألفا آخرون في المعركة المذكورة فقط.

وذكرت تقديرات عدد من الدراسات والأبحاث أن عدد ضحايا حرب الهند الصينية الثانية أو حرب فيتنام وصل إلى مليوني قتيل فيتنامي على الأقل، إضافة إلى مئات الآلاف من الجرحى.

وتقول بعض المصادر إن من النتائج أيضا مقتل بين 275 ألفا و310 آلاف كمبودي، إضافة إلى عشرات الآلاف من اللاووسيين، و58 ألفا و220 قتيلا وآلاف الجرحى ومئات المفقودين في صفوف الأميركيين، فضلا عن قرابة 800 أسير بين مدني وعسكري.

النتائج السياسية

لم تتوقف حرب الهند الصينية الثانية إلا عام 1975، فعقب الخسائر الكبيرة البشرية والمادية أعلنت واشنطن في 31 مارس/آذار 1968 إطلاق مفاوضات مع الفيتناميين في باريس.

وما كاد نيكسون يصل إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 1969 حتى أعلن مغادرة 25 ألف جندي أميركي فيتنام في أغسطس/آب 1969 ومغادرة 65 ألفا آخرين في نهاية تلك السنة.

لكن تلك القرارات لم تخفف الأزمة وحدّة الحرب بعد موت الزعيم الشمالي هوشي منه يوم 3 سبتمبر/أيلول 1969 وصمود المقاومة الفيتنامية التي أصرت على الانسحاب الأميركي الكامل لوقف إطلاق النار.

وعقب خسائر أميركا البشرية والمادية ارتفعت دعوات لإنهاء الحرب، وخرجت مظاهرات قوية في عدد من المدن الأميركية، وأمام الضغط الشعبي أعلن نيكسون في 25 يناير/كانون الثاني 1972 عن مفاوضات أميركية فيتنامية، وكشف اللثام عن مخطط جديد للسلام مكوّن من 8 نقاط، بينها إجراء انتخابات رئاسية في الجزء الجنوبي من فيتنام.

وأعلن في 23 يناير/كانون الثاني 1973 عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 28 من الشهر نفسه، وتم بموجبه انسحاب القوات الأميركية من جنوب فيتنام خلال الشهرين التاليين للتوقيع، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين خلال 15 يوما من التوقيع، والاعتراف بالمنطقة المنزوعة السلاح بين الشطرين على أنها مؤقتة لا أنها حدود سياسية، وبقاء 145 ألف جندي من شمال فيتنام في الجنوب، ولم ينته مارس/آذار 1973 حتى غادر آخر جندي أميركي فيتنام.

وبينما انشغلت الولايات المتحدة بفضيحة "ووترغيت" -التي أكرهت الرئيس نيكسون على الاستقالة يوم 9 أغسطس/آب 1974- واصل شيوعيو فيتنام الشمالية مواصلة انتصاراتهم، حيث تمكنوا عام 1975 من هزيمة فيتنام الجنوبية ودخول عاصمتها سايغون، وفي يوليو/تموز 1976 تمكنوا من توحيد فيتنام في جمهورية اشتراكية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية