حرب فيتنام

Inhabitants of Saigon are seen in the destroyed town on April 30, 1975 after Vietcong troops invaded the South Vietnamese capital. The war in Vietnam ended on April 30, 1975 as the government in Saigon announced its unconditional surrender to the Vietcong.
خلفت الحرب أكثر من مليوني قتيل وملايين اللاجئين والجرحى (غيتي-أرشيف)

إحدى أهم الحروب في القرن العشرين إبان الحرب الباردة، دارت رحاها بين الولايات المتحدة والشيوعيين الفيتناميين. خلّفت ملايين القتلى والجرحى واللاجئين، وكبدت واشنطن خسائر فادحة بشريا وعسكريا واقتصاديا.

أسباب الحرب
تعود أسباب الصراع في فيتنام إلى حرب التحرير التي قادها الفيتناميون ضد المستعمر الفرنسي والتي استمرت ثماني سنوات (1946-1954)، وكانت فيتنام قد تعرضت لاحتلال ياباني مع نهاية الحرب العالمية الثانية -قبيل هزيمة اليابان- في أغسطس/آب 1945.

وانتهز الثوار الفيتناميون فرصة هزيمة اليابان فاحتلوا هانوي عاصمة البلاد مرغمين الإمبراطور الفيتنامي "باو داي" على التنحي عن الحكم. لكن فرنسا -رغم جراح الحرب المنهِكة- بادرت باستعادة مستعمرتها فيتنام نهاية 1945 وبداية 1946، مجهضة أحلام الثوار في حكم بلادهم.

وعندها أعلنها الفيتناميون حربا ضروسا على الفرنسيين اشتعل أوارها مع نهاية 1946، ثم انتهت بعد معركة "ديان بيان فو" يوم 8 مايو/أيار 1954، وهي الهزيمة التي فتت في عضد فرنسا.

وفي يوليو/تموز 1954 تمَّ التوقيع على اتفاق جنيف الذي ينهي الحرب بين فرنسا وفيتنام بحضور وفدين من فيتنام ووفود من فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي والصين والولايات المتحدة ولاوس وكمبوديا.

وكان من نتائج الاتفاق تقسيم فيتنام إلى شطرين يفصل بينهما خط العرض 17، ورغم حضورهما في جنيف فإن الولايات المتحدة وحكومة سايغون الموالية لها لم توقعا على الاتفاق، وفور رحيل فرنسا من فيتنام بدأت الولايات المتحدة تساعد حكومة سايغون عسكريا.

في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1954 منح الرئيس الأميركي آيزنهاور مساعدة مالية سخية لحكومة سايغون ظلت قيمتها في ازدياد مع الزمن، كما بدأ المستشارون العسكريون الأميركيون يتوافدون على فيتنام الجنوبية بدءا من فبراير/شباط 1955 من أجل تدريب الجنود هناك.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 1955 ظهرت أول حكومة في فيتنام الجنوبية منتخبة بقيادة "نغو دينه ديم"، وكان أول قرار اتخذته حكومته هو الامتناع عن أي استفتاء من شأنه أن يؤدي إلى اتحاد الشطرين الفيتناميين، مبررة ذلك بعدم حرية السكان في الجزء الشمالي.

شد وجذب
ظلت أميركا تساند حكومة الرئيس ديم، في حين كانت حكومة هانوي الشيوعية في شمال فيتنام مصممة على توحيد شطري البلاد. وفي يناير/كانون الثاني 1957 أعلنت اللجنة الدولية المكلفة بمراقبة اتفاق جنيف بين طرفي النزاع الفيتنامي أن كلا الجانبين يخرق الاتفاقيات الحدودية باستمرار.

فقد شجع الشماليون العناصر الشيوعية الجنوبية على التغلغل في الجنوب انطلاقا من حدودها، كما لم يتورع الجنوبيون عن تجاوز تلك الحدود وهم يتعقبون ويطاردون أولئك الثوار.

وفي فبراير/شباط 1959 أسس الثوار الجنوبيون "فييت كونغ" أول منظمة في دلتا ميكونغ، وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 1960 تم تأسيس جبهة التحرير الوطني، وهي الإطار التنظيمي السياسي والعسكري الذي سيتولى مهمة الحرب ضد أميركا وحكومة سايغون، فما كان من الرئيس الجنوبي ديم إلا أن أعلن قانون الطوارئ.

وقد تأجج الصراع وبلغ مداه حين أعلن الحزب الشيوعي الفيتنامي الحاكم في الشمال مساندة الثورة الجنوبية وإمدادها بالعدة والعتاد.

تدخل أميركي
أعلنت الولايات المتحدة وقوفها التام خلف حكومة سايغون، بل إن الرئيس الأميركي كنيدي وقع معاهدة صداقة وتعاون اقتصادي بين بلاده وفيتنام الجنوبية في أبريل/نيسان 1961. وفي ديسمبر/كانون الأول من السنة نفسها أعلن كنيدي عزمه مساعدة حكومة الرئيس ديم اقتصاديا وعسكريا.

وصلت طلائع الجيش الأميركي إلى سايغون وكانت في البداية أربعمائة جندي عهد إليها بتشغيل المروحيات العسكرية. وفي السنة التالية بلغ عدد الجنود الأميركيين في فيتنام الجنوبية 11 ألف جندي، كما أسست قيادة أميركية في سايغون في يناير/كانون الثاني 1962.

قام الأميركيون وحلفاؤهم الجنوبيون بقطع جبهة التحرير الوطني عن قواعدها عبر إقامة بعض القرى للمزارعين الموالين لحكومة الرئيس ديم. ولم تمر سنة 1963 حتى بلغ عدد تلك القرى سبعة آلاف تضم ثمانية ملايين شخص، غير أن هذه الدروع البشرية أو الحواجز السكانية لم تمنع ثوار جبهة التحرير من السيطرة على 50% من تراب فيتنام الجنوبية.

زمام المبادرة
لم تكن سياسات الرئيس ديم قادرة عل تنظيم البيت الداخلي في الجنوب الفيتنامي، فقد عارضه السياسيون ذوو النزعة الليبرالية لديكتاتوريته، كما عارضه البوذيون لميوله الكاثوليكية.

وقد أطيح به في أول نوفمبر/تشرين الثاني 1963 في انقلاب عسكري وتمت تصفيته جسديا في ظروف غامضة. ويرى العديد من الباحثين أن الولايات المتحدة لم تكن بعيدة عما جرى له ولنظامه.

وخلال الـ18 شهرا التي تلت الإطاحة بالرئيس ديم، عرفت سايغون عشر حكومات عسكرية متعاقبة لم تستطع أي منها ضبط النظام وخاصة العسكري. واستغل ثوار جبهة التحرير الوضع المتأزم في الجنوب فشنوا الضربات تلو الضربات لإضعاف حكومات سايغون الضعيفة أصلا.

وفي صيف 1964 شهدت سايغون مزيدا من الانشقاقات بين العسكريين الحاكمين، وكذلك بين الطائفة البوذية المستاءة من التحكم الكاثوليكي في الحكم، هذا فضلا عن التقدم العسكري الملحوظ لجبهة التحرير الوطني. وانطلاقا من هذه العناصر وصل الاقتناع الأميركي إلى أن تدخلا عسكريا شاملا هو المخرج لهم من هذه الحالة.

وجدت أميركا الفرصة سانحة حين هوجمت بعض قاذفاتها البحرية من طرف قوات جبهة التحرير الوطني في خليج تونكين، فما كان من الرئيس الأميركي جونسون إلا أن أصدر الأوامر إلى الطيران العسكري الأميركي بقصف المواقع الفيتنامية الشمالية ردا على ما أصاب الأميركيين.

ومنذ فبراير/شباط 1965 توالى القصف الأميركي لفيتنام الشمالية، وفي 6 مارس/آذار من العام نفسه كان أول إنزال للبحرية الأميركية في جنوب دانانغ. وظل الوجود العسكري الأميركي يزداد في فيتنام ليبلغ في نهاية 1965 ما يناهز مائتي ألف جندي، ثم وصل في صيف 1968 إلى 550 ألفا. وظلت أميركا تضغط على هانوي من أجل ترك دعم الثوار الجنوبيين، غير أن الأخيرة كانت ترفض أي تفاوض مع الولايات المتحدة ما دامت مستمرة في قصفها المتواصل.

لم تترك أميركا أي وسيلة عسكرية للضغط على هانوي إلا استعملتها، بدءا بالتجميع القسري للسكان ومرورا بتصفية الثوار الشيوعيين الموجودين في الأرياف الجنوبية واستعمال طائرات بي52 لتحطيم الغطاء النباتي، وانتهاء بتكثيف القصف للمدن والمواقع في الشمال الفيتنامي خاصة تلك الواقعة بين خطي العرض 17 و20.

ومع ذلك لم يؤثر الرعب الأميركي والآلة الحربية المتطورة في معنويات الفيتناميين ولا في مقاومتهم، بل تفرقوا في الأرياف ومراكز الإنتاج الزراعي وتعززت فيهم معنويات المقاومة، ولم تستطع أميركا -رغم محاولاتها المستمرة- أن تقطع طريق "هوشي منه" الذي تمر منه الإمدادات نحو ثوار الجنوب.

ذروة المعارك
في أكتوبر/تشرين الأول 1966 أعلن ممثلو أميركا وحلفاؤها المشاركون بجنودهم في الحرب -كأستراليا ونيوزيلاند وتايلند وكوريا الجنوبية والفلبين- في مانيلا استعدادهم للانسحاب من فيتنام بعد ستة أشهر إذا ما خرجت فيتنام الشمالية من الحرب، وهو إعلان رفضه الشماليون بصرامة.

ولم تثمر دعوة الرئيس الأميركي جونسون الزعيم السوفياتي كوسيغين إلى الضغط على هانوي لتنهي الحرب حين التقيا في يونيو/حزيران 1967 بل ظلت نيران الحرب مشتعلة، فما كان من الرئيس جونسون إلا أن أعلن عزمه زيادة الجنود الأميركيين في فيتنام ليصل عددهم عام 1968 إلى 525 ألفا، كما أصبح القصف الأميركي للمواقع الشمالية قاب قوسين أو أدنى من الحدود الصينية.

ولم تنفع سياسة العصا والجزرة مع الفيتناميين، حيث لم تردعهم هجمات الولايات المتحدة المتكررة وقصفها المتواصل كما لم تغرهم دعوات الرئيس جونسون للتفاوض، فظلت الحرب مشتعلة وعدد الضحايا في ازدياد.

ظلت المعارك خلال الحرب الفيتنامية تدور في الجبال، وهي إستراتيجية اتبعها الفيتناميون المتكيفون أصلا مع الأوضاع الطبيعية والمناخية الصعبة. وفي 1968 أطلق الثوار ما عرف بهجوم "تيت" (وهو اسم السنة القمرية الفيتنامية التي يحتفل بها منتصف فبراير/شباط من كل سنة) على مجموعة عمليات عسكرية شديدة استهدفت أكثر من مائة هدف حضري. وقد استطاع الثوار أن يتغلغلوا في الجنوب حتى بلغوا عاصمة الجنوب سايغون فتعرض الأميركيون للهجوم.

ومع أن الثوار الفيتناميين فقدوا حوالي 85 ألف شخص، فإن التأثير النفسي للمعارك كان بالغ الأثر على الولايات المتحدة.

تذمر أميركي
في 31 مارس/آذار 1968 أعلن الرئيس جونسون وقف القصف الأميركي لشمال فيتنام، كما أعلن في الوقت نفسه تقدمه لولاية رئاسية ثانية، ولم يبلغ منتصف مايو/أيار من السنة نفسها حتى بدأت المفاوضات بين الفيتناميين والأميركيين في باريس.

لم يكد ريتشارد نيكسون يصل إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 1969 حتى أعلن أن 25 ألف جندي أميركي سيغادرون فيتنام في أغسطس/آب 1969، وأن 65 ألفا آخرين سيجري عليهم القرار نفسه في نهاية تلك السنة.

غير أن الانسحاب الأميركي من فيتنام وموت الزعيم الشمالي "هوشي منه" يوم 3 سبتمبر/أيلول
1969، لم يوقفا الحرب الضارية، فمفاوضات باريس عرفت تصلب الفيتناميين الذين طالبوا وبإلحاح بضرورة الانسحاب الأميركي التام كشرط أساسي لوقف إطلاق النار.

ومع ارتفاع خسائر أميركا بشريا وماديا، ظهرت في الشارع الأميركي دعوة إلى إنهاء الحرب الفيتنامية، تمثلت في المظاهرات المكثفة التي عمت المدن الأميركية وفي الحملات الصحفية.

وازدادت قوة الدعوة المطالبة بإيقاف الحرب لما نشرت وسائل الإعلام الأميركية الممارسات التي وصفت بالبشعة وغير الإنسانية التي عامل بها الجيش الأميركي المواطنين الفيتناميين. ومن أشهر تلك المظاهر قتل الملازم الأميركي وليام كالي لمدنيين عزل في قرية لاي عام 1968، وقد تمت محاكمته عسكريا عام 1971.

وشمرت الصحافة الأميركية عن ساعديها -وعلى رأسها جريدة نيويورك تايمز- حين قامت بنشر تقارير حول الطريقة التي تمت بها الحرب الفيتنامية.

وفي 25 يناير/كانون الثاني 1972، أعلن الرئيس نيكسون طبيعة المفاوضات الأميركية الفيتنامية وما قدمته الإدارة الأميركية بشكل سري للفيتناميين، كما كشف اللثام عن مخطط جديد للسلام مكوّن من ثماني نقاط بينها إجراء انتخابات رئاسية في الجزء الجنوبي من فيتنام.

أما فيتنام الشمالية فكان مخططها للسلام يقوم على ضرورة تنحي الرئيس الفيتنامي الجنوبي "تيو" عن السلطة كشرط أساسي للسلام، والامتناع عن تسليم الأسرى الأميركيين إلا بعد تنازل الولايات المتحدة عن مساندة حكومة سايغون.

بداية النهاية
أخذت الحرب منحى خطيرا حين قامت فيتنام الشمالية يوم 30 مارس/آذار 1972 بهجوم كاسح نحو الجنوب داخل منطقة "كانغ تري" متجاوزة بذلك المنطقة المنزوعة السلاح، وكان رد الفعل الأميركي مزيدا من القصف الجوي.

وبينما كانت نيران الحرب تشتعل بدأت المفاوضات السرية بين الطرفين، حيث اجتمع مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي يومها هنري كيسنجر بمندوب فيتنام الشمالية دوك تو.

ومع انتعاش الآمال بالوصول إلى حل نهائي وفي محاولة للضغط على الفيتناميين وكسب انتصارات ميدانية تقوي من موقفه، أمر الرئيس نيكسون يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 1972 بقصف هانوي وهايبونغ.

فصبت طائرات بي52 نيرانها على المدينتين في قصف لم تعرف الحرب الفيتنامية نظيرا له. وفقدت أميركا 15 من هذه الطائرات، كما فقدت 93 ضابطا من سلاح الطيران الأميركي.

وأعلن في 23 يناير/كانون الثاني 1973 عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 28 من الشهر نفسه، ويتضمن الاتفاق:

– توقف جميع أنواع العداء.

– انسحاب القوات الأميركية من جنوب فيتنام خلال الشهرين التاليين للتوقيع، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين خلال 15 يوما من التوقيع.

– الاعتراف بالمنطقة المنزوعة السلاح بين الشطرين على أنها مؤقتة لا أنها حدود سياسية.

– إنشاء لجنة دولية (مكونة من ممثلين عن كندا وهنغاريا وإندونيسيا وبولونيا) مكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاق.

– بقاء 145 ألف جندي من شمال فيتنام في الجنوب.

لم ينته مارس/آذار 1973 حتى غادر آخر جندي أميركي فيتنام، غير أن فضيحة "ووترغيت" التي أكرهت الرئيس نيكسون على الاستقالة يوم 9 أغسطس/آب 1974 جعلت أميركا غير قادرة على مساندة حكومة سايغون.

انتهز الشماليون فرصة انشغال واشنطن بووترغيت ومعاداة الرئيس الفيتنامي الجنوبي تيو للشيوعيين الجنوبيين، فشنوا هجوما كاسحا على الجنوب محتلين مدينة فيوك بنه في يناير/كانون الثاني 1975، وتابعوا هجومهم الكاسح الذي توج بدخول سايغون يوم 30 أبريل/نيسان من السنة نفسها.

خسائر الحرب
خسائر الفيتناميون خلال سنوات الحرب الثمانية:
– مليونا قتيل
– ثلاثة ملايين جريح
– ما يناهز 12 مليون لاجئ.

أما الأميركيون فقدرت خسائرهم بـ:
– 57 ألف قتيل
– 153 ألف جريح و303 جرحى.
– 587 أسيرا بين مدني وعسكري، وقد تم إطلاق سراحهم.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية