من هو روهان منفذ جريمة إحراق المسجد الأقصى؟

للمجرم الأسترالي الذي أحرق المسجد الأقصى، دينيس مايكل روهان. Denis Michael Rohan
قررت المحكمة الإسرائيلية إخلاء سبيل دينيس مايكل روهان وإدخاله للمستشفى للعلاج (غيتي)

سائح أسترالي مسيحي صهيوني، اقتحم يوم الخميس 21 أغسطس/آب 1969 المسجد الأقصى من باب الغوانمة وأشعل النار في المصلى القبلي. وجاء ذلك في إطار سلسلة من الإجراءات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 بهدف طمس الهوية الحضارية الإسلامية لمدينة القدس. أفرجت عنه إسرائيل "نظرا لوضعه الصحي النفسي".

المولد والنشأة
ولد دينيس مايكل روهان في الأول من يوليو/تموز 1941، وهو المجرم الأسترالي الذي أشعل النار في المصلى القبلي، أحد مصليات المسجد الأقصى المبارك، في 21 أغسطس/آب 1969، مسببا حريقا كبيرا خلّف أضرارا واسعة في سقف المصلى وأروقته ومنبر صلاح الدين الأيوبي.

الوظائف والمسوؤليات
كان روهان يعمل في قص صوف الأغنام في أستراليا، وانتمى لواحدة من الكنائس الإنجيلية المسيحية عُرفت باسم كنيسة الرب العالمية، وكان مواظبا على قراءة مجلتها المشهورة "الحقيقة الواضحة".

وكان روهان من أصحاب النزعات المشيحانية التي تؤمن بعودة المسيح، وأن شرط ذلك هو عودة بني إسرائيل إلى أرض فلسطين وبناء الهيكل الثالث.

وقد كانت هزيمة العرب في حرب 1967 فرصة لانتعاش هذه الأفكار، حيث إنها تبشر بانتصار "إسرائيل"، وبالتالي قرب تحقق النبوءة بعودة المسيح. ولكنه لم يتعامل مع هذه النبوءات من موقع المنتظر، بل فكر بأن يبادر هو ويساهم في تحقيقها، لذلك كان يردد أمام معارفه بأنه "مبعوث الرب" لهدم الأقصى، وبالتالي التحضير لبناء الهيكل الثالث، ومن ثم عودة المسيح.

بعد الاستماع إلى 46 شاهدا من النيابة الإسرائيلية ومن شهود العيان من موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، عقدت المحكمة الإسرائيلية المركزية جلسة أخيرة ضمن محاكمة روهان، بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 1969 كشفت عن جوانب خفية للجريمة الشنيعة.

فقد وصل روهان إلى فلسطين المحتلة في مارس/آذار 1969 بجواز سفر أسترالي يحمل الرقم G398011، وكان عمره آنذاك 28 عاما. انضم روهان إلى إحدى الكيبوتسات الزراعية بالقرب من مستوطنة نتانيا، وهو كيبوتس "مشمار هشارون" حيث تعلم العبرية هناك، وكان يشارك في أعمال الزراعة والأعمال في الكيبوتس، ويعبّر بين الحين والآخر أمام الآخرين عن أفكاره الدينية وعن شعوره بأنه يهودي وأن الإله كلفه بمهمة عظيمة.

روهان في القدس
في العشرين من يوليو/تموز 1969 انتقل روهان إلى القدس، وفي الفترة من 25 يوليو/تموز وحتى 21 أغسطس/آب -يوم الحريق- استأجر غرفة في أحد فنادق القدس، وهو فندق "ريفولي"، القائم حتى اليوم في شارع صلاح الدين الأيوبي، مقابل باب الساهرة في القدس، وكان مقيما في الغرفة رقم 107.

وبناء على المعلومات الواردة ببروتوكول جلسة المحاكمة الأخيرة المنشور في موقع المحاكم الإسرائيلية، بالإضافة إلى مصادر إعلامية إسرائيلية وأجنبية أخرى. فقد قد قضى روهان جل وقته في القدس متجولا ومتفقدا للمسجد الأقصى وساحاته.

أحد الشهود وهو محمد إبراهيم الحلواني الذي كان يعمل حارسا في المسجد الأقصى، قال في شهادته أمام المحكمة إنه رأى روهان في المسجد الأقصى عشرين أو ثلاثين مرة، وإنه كان يحاول كثيرا أن يخطب ود الموجودين فيه، وكان يتحدث كثيرا مع الأدلاء السياحيين حول المكان، ويدعي أنه مهتم بتصوير المسجد لا أكثر.

أما الشيخ جودة الأنصاري الذي كان مسؤولا على سدنة المسجد الأقصى آنذاك، فقد قال إن روهان كان يطيل المكوث في المسجد الأقصى، وإنه في إحدى المرات اضطر إلى أن يطلب منه الخروج من المسجد، لأنه أطال البقاء فيه حتى وقت إقامة الصلاة. وذكر شاهد آخر من موظفي الأوقاف أنه في إحدى المرات رأى روهان متمددا أو جالسا داخل المصلي القبلي، بما يخالف التعليمات الخاصة بالسياح داخل الأقصى.

الحريق الأول والثاني
حاول روهان في 11 أغسطس/آب 1969 إشعال الحريق في المصلي القبلي عن طريق أحد مداخله في الجهة الجنوبية الشرقية، بالقرب من محراب زكريا، وذلك بالاستعانة بفتيل وبعض من البترول، إلا أنه فشل في ذلك.

في تلك الليلة، وبحسب اعترافاته لدى شرطة الاحتلال، تسلق روهان إحدى أشجار المسجد الأقصى حتى لا يراه الحراس، وبعد انقضاء صلاة العشاء وخروج الناس، وفي حوالي الساعة 11 ليلا بدأ بإشعال الحريق، ومن ثم خرج من المكان متسلقا سور القدس جهة باب الأسباط، لأن أبواب المسجد كانت مغلقة في ذلك الوقت المتأخر من الليل.

في اليوم التالي، ذهب روهان لتفقد المصلى القبلي، فلم يجد إلا بقايا الفتيل الذي حاول إشعاله وبضعة بقع من البترول، لسبب ما لم تشتعل النيران في المسجد ليلتها. عندها قرر روهان التخطيط بشكل أوسع وأدق للحريق، فتوصل إلى أن منبر صلاح الدين الأيوبي سريع الاشتعال كونه مصنوعا من الخشب.

في صبيحة الخميس 21 أغسطس/آب 1969، استيقظ روهان مبكرا، وتوجه إلى باب الأسباط، ومن هناك إلى باب الغوانمة حيث قطع تذكرة للسياح لدخول المسجد، وتوجه إلى المصلى القبلي. أخرج روهان من حقيبته وشاحا كان قد أغرقه بالبترول، وفرشه على عتبات درجات منبر صلاح الدين، ومن ثم صب فوقه المزيد من البترول والبنزين، وأشعل فيه النار بأعواد الكبريت.

خرج روهان من المصلى القبلي، ورأى بعض الحراس، ومنهم الحلواني والأنصاري، وشكرهم على السماح له "بتصوير المسجد"، وأكمل طريقه ماشيا، وما لبث أن بدأ بالركض بعد سماعه لصوت صراخ.

وفي طريق هربه من المسجد، ألقى روهان حقيبته قرب باب الأسباط داخل المقبرة الموجودة هناك، ومن ثم أخذ سيارة أجرة إلى المحطة المركزية حيث استقل حافلة إلى تل أبيب، ومنها حافلة أخرى إلى كيبوتس "مشمار هشارون" حيث اعتقل بعدها بيومين من هناك.

لم يؤثر الحريق على سجاد المسجد ومنبر صلاح الدين والخشب المستخدم في بنائه فحسب، بل مس الزخرفة النادرة على جدرانه، كما تضرر البناء بشكل كبير، مما تطلب سنوات لترميمه وإعادة زخارفه كما كانت.

المحاكمة
كانت حيثيات اعترافات روهان أمام شرطة الاحتلال ومحاكمه متطابقة مع أقوال الشهود المتعددين، بينما كان طاقم الدفاع عنه في المحكمة يستند إلى ادعاء واحد وهو أن روهان مريض نفسيا، وأنه يعاني من انفصام في الشخصية من نوع جنون العظمة، أو ما يُسمى "الانفصام الارتيابي".

بعد فحوصات لعدد من الأطباء يمثلون الادعاء والدفاع، ومنهم طبيبة روهان الشخصية من أستراليا، قررت المحكمة الإسرائيلية أن روهان غير مؤهل للمحاكمة نظرا لوضعه الصحي النفسي، وأنه كان عند تنفيذ جريمته تحت تأثير أوهام وتخيلات، ولم يستطع السيطرة على نفسه، ولم ينفذ جريمته من واقع إرادته الشخصية الحرة، وفق تعبير القضاة.

وبذلك، أقرت المحكمة بأنه لا يقع عليه العقاب، وأمرت بإخلاء سبيله وإدخاله المستشفى للعلاج.

الوفاة
في العام 1974، وبعد ضغوطات من العائلة، وبسبب ما قيل عن وضعه النفسي، عاد روهان إلى أستراليا، وهناك توفي في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1995.

المصدر : الجزيرة