زبيغنيو بريجنسكي.. منظر السياسة الخارجية الأميركية

مفكر ومستشار سابق للأمن القومي الأميركي الأسبق، ينحدر من أصل بولندي، يعتبر من المنظرين السياسيين المعاديين للشيوعية، انتقد غزو العراق وأيد الرئيس السابق باراك أوباما، وعارض سياسة الرئيس دونالد ترمب. توفي عام 2017.

المولد والنشأة
ولد زبيغنيو بريجنسكي يوم 28 مارس/آذار 1928 في وارسو في بولندا لأب دبلوماسي، فقد قرر والده الذي كان يعمل في مونتريال الكندية خلال الحرب العالمية الثانية عدم العودة إلى بولندا التي أصبحت تحت الحكم الشيوعي، ونال الجنسية الأميركية في الخمسينيات.

الدراسة والتكوين
درس بريجنسكي العلوم السياسية والاقتصادية في جامعة ماكغيل بمونتريال ثم في جامعة هارفارد الأميركية، وتناولت أطروحة الدكتوراه التي تخرج بها في جامعة هارفارد عمليات التطهير في كواليس السلطة السوفياتية.

الوظائف والمسؤوليات
عمل في البداية بالمجال الأكاديمي أستاذا في جامعات أميركية، من بينها هارفارد بين عامي 1953 و1960، وكولومبيا التي تولى فيها إدارة معهد الشؤون الشيوعية (1966-1968).

التجربة السياسية
التحق بريجنسكي بعدها بمنصب مستشار لدى إدارات الرؤساء جون كينيدي وليندون جونسون وجيمي كارتر الذي أصبح مساعده الخاص مكلفا بمسائل الدفاع، ومدير مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بين عامي 1977 و1981.

وكان قد طور علاقاته مع كارتر في "اللجنة الثلاثية"، وهي مجموعة أنشأها ديفد روكفلر عام 1973 كمنتدى لقادة السياسة والأعمال من أميركا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان.

بعد مغادرته البيت الأبيض عمل بريجنسكي في مجال التأليف وإلقاء المحاضرات الجامعية.

ويعتبر بريجنسكي من الشخصيات المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية، وكان من اللاعبين الأساسيين في التوقيع على معاهدة كامب ديفد بين مصر وإسرائيل، كما ينسب له الفضل في تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.

ومن الصور التي تقربه إلى الذهن أحداث احتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران بعد إسقاط نظام الشاه، فقد دافع عن تحريرهم بالقوة، وقد فشلت العملية فشلا ذريعا في عهد الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر.

وعرف بريجنسكي -الذي كان عضوا في الحزب الديمقراطي الأميركي إلا أنه حمل آراء محافظة- بأنه كان من المنتقدين الأشداء للاتحاد السوفياتي سابقا وللشيوعية، لكنه كان يؤمن بأنه يجب التعامل مع المصالح الأميركية في العالم من الزاويتين الإستراتيجية والعملية وليس الأيديولوجية.

كما انتقد بريجنسكي الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وتوقع وقتها بأن تواجه واشنطن مزيدا من المصاعب في هذا البلد إذا استمرت الفروق بين ما سماها الأهداف غير الواقعية ووسائل تحقيقها.

وبينما أيد سياسة الرئيس الأميركي السابق أوباما فإن بريجنسكي لم يؤيد انتخاب الرئيس ترمب وانتقد سياسته الخارجية التي وصفها بأنها "غامضة".

المؤلفات
ألف بريجنسكي كتبا عدة وأعمالا معروفة ترجمت إلى عدة لغات، أكثرها شهرة كان كتاب "رقعة الشطرنج الكبرى" الذي ركز فيه على أنه لا يجوز للولايات المتحدة أن تسمح لأي دولة أخرى بأن تصبح القوة المهيمنة في أوروبا وآسيا.

وفي عام 2011 ألف كتاب "الرؤية الإستراتيجية.. أميركا وأزمة القوة العظمى" قال فيه إن قوة الولايات المتحدة في الخارج مهمة لاستقرار العالم، لكن ذلك يعتمد على قدرة أميركا على تعزيز "التوافق الاجتماعي والاستقرار الديمقراطي" داخل البلاد.

وفي كتاب "الفرصة" يقدم بريجنسكي تقييما لحقبة الرؤساء الأميركيين الذين قادوا الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة، وهم جورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن باعتبارهم أيضا قادة العالم.

ولخص بريجنسكي الجوهر التاريخي الخاص بكل واحد من الرؤساء الثلاثة بالقول: كان بوش الأول الشرطي الذي يعتمد على القوة والشرعية للمحافظة على الاستقرار التقليدي، وكان كلينتون داعية الرفاه الاجتماعي الذي يعتمد على العولمة لإحداث التقدم، وكان بوش الثاني شرطيا أهليا يعبئ المخاوف الداخلية لمتابعة كفاح وجودي أعلن عنه بذاته ضد قوى الشر.

ووصف في كتابه المذكور الغزو الأميركي للعراق بالمغامرة التي "ألحقت ضررا كارثيا بالموقف الأميركي العالمي، وأسقطت مصداقية القيادة الأميركية العالمية، وتحولت أفغانستان والعراق والصومال إلى ملاذات آمنة للجماعات المسلحة التي صعدت على نحو غير مسبوق من قبل، وكانت خسائرها المالية باهظة ومرهقة تجاوزت الثلاثمئة مليار دولار".

ورأى أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط أصبحت مدمرة لذاتها إستراتيجيا، وصعدت إيران كقوة مؤثرة في العراق والخليج، وصعد اليسار المعادي في أميركا اللاتينية، وربما تكون الحسنة التي تشفع للولايات المتحدة -برأي بريجنسكي- أن رؤساءها مقيدون بولاية حكم تمتد إلى ثماني سنوات.

الوفاة
توفي بريجنسكي يوم 26 مايو/أيار 2017 عن 89 عاما داخل أحد مستشفيات ولاية فيرجينيا في الولايات المتحدة، وذكرت ابنته ميكا على وسائل التواصل الاجتماعي أن والدها وافته المنية في سلام، دون أن تذكر سببا للوفاة.

وفي تغريدة على تويتر قال الرئيس البولندي أندريه دودا إن بريجنسكي كان صوت بولندا في البيت الأبيض، أما وزير خارجيته فيتولد فايشايكوفسكي فقال في بيان تعزية إنه "لم ينس بلده الأصلي مطلقا".

وخلال موقفه المتشدد من الاتحاد السوفياتي لعب بريجنسكي دورا مهما في انهيار النظام الشيوعي الذي فرض على دول وسط وشرق أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية