محمد الخامس

ملك المغرب محمد الخامس - الموسوعة

ملك مغربي من سلالة العلويين. تولى العرش 18 أغسطس/آب 1927 وحتى وفاته في 26 فبراير/شباط 1961. عاصر ذروة السيطرة الاستعمارية الفرنسية على بلاده، لكنه وثق الصلة مع الحركة الوطنية من أجل جلاء المستعمر.

تعرض للنفي 1953 ثم عاد بضغط شعبي عارم يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1955 ليعلن استقلال بلاده، ويضع الأسس الأولى للدولة الحديثة بالمغرب.

الميلاد والنشأة
ولد محمد الخامس ابن السلطان مولاي يوسف يوم 10 أغسطس/آب 1909 في مدينة فاس المغربية، وهو أصغر إخوته الثلاثة. قضى طفولته في القصر الملكي بفاس التي كانت عاصمة للبلاد قبل أن يتم الانتقال إلى الرباط، وتربى في أجواء التنشئة التقليدية المحافظة للأمراء.

الدراسة والتكوين
تلقى محمد الخامس في طفولته تعليما عربيا تقليديا، تركز أساسا على التربية الدينية ودروس اللغة العربية طبقا للمناهج التقليدية. وتخللت الدروس مبادئ أولية في اللغة الفرنسية. ويعلل المؤرخ البريطاني روم لاندو هذا التكوين التعليمي البسيط لمحمد الخامس بكونه لم يكن يحضّر لتولي العرش بوصفه أصغر الأبناء.

وقد تولى تعليم الأمير محمد فقيه يسمى محمد العمري الذي كان يعمل أساسا مترجما لوالده. لكن محمد الخامس سيحاول لاحقا استكمال تكوينه من خلال الحرص على حضور المحاضرات في المعهد الملكي الذي أنشأه عام 1942 إلى جانب ولي عهده الحسن الثاني، وهو ما أكده العلامة والمؤرخ عبد الهادي بوطالب الذي كان مدرسا بالمعهد.

التجربة السياسية
قصة محمد الخامس مع المُلك عبارة عن مسار غير متوقع، ذلك أنه لم يكن مرشحا لتولي عرش والده مولاي يوسف الذي توفي صيف 1927.

 فخلال فترة المرض الذي أودى بالسلطان، كان ابنه إدريس يستعد لخلافة والده تكريسا لعرف تولية أكبر الأبناء، لولا أن الإقامة العامة للحماية الفرنسية كان لها رأي آخر، تقاسمه معها أيضاً "الصدر الأعظم" القوي آنذاك محمد القري. ورغم معارضة بعض الأعيان والفقهاء لهذا القرار، فان إرادة الأقوى سادت وأعلن الأمير محمد بن يوسف سلطانا على المغرب يوم 18 أغسطس 1927.

كان عمر محمد الخامس حينئذ لا يتجاوز 18 سنة، ويقول مؤرخون إن السلطات الفرنسية دعمت اختياره لهذا السبب بوصفه شابا بدون خبرة، وكان منصرفا عن شؤون الحكم ودواليب السياسة، فيمكن أن تتحكم فيه بسهولة.

لكن يبدو أن حسابات سلطات الحماية لم تكن صائبة تماماً، فرغم أن محمد الخامس -الذي حول لقبه من "السلطان" ذي الحمولة التقليدية إلى "الملك"- مارس صلاحياته السيادية تحت رقابة الحماية ذات السلطة العليا، فإنه تحدى الخطوط المرسومة له وربط اتصالات وثيقة مع قيادات الحركة الوطنية.

وقد ساند مطالبها التي اتخذت في البداية عنوانا إصلاحيا، كما تبنى لاحقا خيارها بالمطالبة الصريحة بالاستقلال، خصوصا من خلال الوثيقة الشهيرة التي قدمها عدد من رموز الحركة الوطنية في 11 يناير 1944.

وتواصل مسلسل الشد والجذب بين الملك وسلطات الاستعمار من خلال الإشارات التي كان يطلقها محمد الخامس تجاه تأكيد سيادة البلد.

تأكد ذلك خلال زيارة له وُصفت بالتاريخية إلى مدينة طنجة في أقصى الشمال حين كانت خاضعة لإدارة دولية، حيث شدد في خطاب بتاريخ 9 أبريل/نيسان 1947 على وحدة تراب المملكة.

وقد تجسد ذلك من قبل في يونيو/حزيران 1945 حين دُعي إلى فرنسا من قبل رئيسها شارل ديغول لحضور احتفال عسكري بمناسبة نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث وُشح بوسام "رفيق التحرير" الفرنسي تقديرا لمساهمة المحاربين المغاربة إلى جانب الحلفاء. وقد جدد الملك بهذه المناسبة المطالبة باستقلال بلاده.

وبغض النظر عن التحولات التي طبعت سياسة السلطات الاستعمارية، فقد اتجه محمد الخامس عموما إلى دعم مواقف الحركة الوطنية الممثلة أساسا في حزب الاستقلال. ودخل في تحدي رفض التوقيع على القوانين التي تصدر شكليا باسم الملك، الأمر الذي استفز فرنسا وأعوانها بالمغرب.

وهكذا بدأت الضغوط والمناورات لإبعاده عن المشهد. وانعقد يوم 20 مارس/آذار 1953 في مراكش اجتماع للباشوات والقيادات التقليدية الجهوية برئاسة الرجل القوي حليف فرنسا التهامي الكلاوي، استهدف سحب الشرعية الدينية من الملك، وكان ذلك مقدمة لنسف سلطته ككل.

وبالفعل تصاعدت الضغوط من قبل الحماية الفرنسية في عهد المقيم العام الجنرال غيوم لتسفر عن نفي الملك يوم 20 أغسطس/آب 1953 في جزيرة كورسيكا ثم أبعِد يوم 2 يناير/كانون الثاني 1954 إلى مدغشقر.

وبادرت سلطات الحماية إلى تنصيب ابن عرفة -وهو أحد الوجوه المغمورة في الأسرة العلوية- ملكا صوريا قوبل برفض عارم من قبل القوى الوطنية والجماهير. وارتفعت وتيرة عمليات المقاومة والمظاهرات المطالبة بعودة محمد الخامس حتى تحققت بالفعل يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1955.

ولتجاوز الأزمة المغربية، انطلقت مفاوضات إيكس ليبان في فرنسا بين السلطات الفرنسية وممثلي الهيئات المغربية (37 شخصية وطنية) يوم 23 أغسطس/آب 1955 وأسفرت عن تنحية ابن عرفة وتشكيل حكومة وطنية.

وزكى محمد الخامس تشكيل أول حكومة وطنية برئاسة أمبارك البكاي، وتركز مهمتها على مواصلة التفاوض مع فرنسا من أجل الاسترجاع الكامل لاستقلال المملكة، وهو ما تحقق بالتوقيع على وثيقة الاستقلال يوم 2 مارس/آذار 1956.

وانفتحت جبهة جديدة من النضال المغربي من أجل استرجاع سيادته على المنطقة الخاضعة للنفوذ الإسباني، وتحديدا في الشمال حيث تم التوقيع على معاهدة مدريد يوم 7 أبريل/نيسان 1956.

وبعد الاستقلال، أصدر محمد الخامس قانون الحريات العامة سنة 1958 وأنشأ المجلس الاستشاري الذي شكل نواة البرلمان المغربي، كما شكل المجلس الدستوري الذي أعد مشروع الدستور سنة 1960.

وخارجيا دعم محمد الخامس حركة التحرير الجزائرية وإرساء الوحدة الأفريقية من خلال استضافة مؤتمر الدار البيضاء سنة 1960 بحضور أبرز الشخصيات الأفريقية.

الوفاة
بشكل مفاجئ، أعلن ولي عهد المغربي الأمير الحسن وفاة والده الملك محمد الخامس إثر عملية جراحية وُصفت بالبسيطة. وكان الأمر يتعلق بعملية في الأنف أودت بحياة الملك في العاشر من رمضان الموافق لـ26 فبراير/شباط 1961.

وقد شككت بعض الأصوات في الرواية الرسمية للوفاة، على غرار المقاوم الفقيه البصري الذي لم يخف تشكيكه في الواقعة خلال لقاء له مع قناة الجزيرة. وبوفاة الملك محمد الخامس بدأ عهد آخر في تاريخ الدولة المغربية بقيادة ابنه الملك الحسن الثاني.

المصدر : الجزيرة