إدريس البصري

إدريس البصري Idriss Basri - الموسوعة

وزير الداخلية الأشهر في عهد الملك الحسن الثاني، سطع نجمه في سنوات الرصاص، ولقبت الداخلية في أيامه بـ"أم الوزارات"، لهيمنتها على مفاصل الدولة وتسلط أذرعها الأمنية، ثم انتهى به الأمر مريضا مهينا.

الميلاد والنشأة
ولد إدريس البصري يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 بضاحية مدينة سطات (وسط المغرب)، في منطقة الشاوية ذات الطابع البدوي الفلاحي. وقد نشأ في أسرة متواضعة الحال، من ثماني أخوات وثلاثة إخوة، وكان والده حارسا في سجن بمنطقة عين علي مؤمن.

الدراسة والتكوين
تلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة المحلية لعين علي مؤمن. ولما أظهر اجتهادا في التحصيل، عمل والده على توفير إقامة متواضعة له في حي شعبي بمدينة سطات، فتابع دراسته في الثانوية الإسلامية (تحمل حاليا اسم المعتمد بن عباد).

ولم يمنعه الالتحاق بالشرطة من مواصلة دراساته العليا حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا (الماجيستير) سنة 1975 وعلى دكتوراه الدولة في القانون العام من جامعة العلوم الاجتماعية بغرونوبل في فرنسا سنة 1987.

الوظائف والمسؤوليات
بدأ البصري حياته المهنية "مفتشا" ثم أصبح "عميدا ممتازا" في الأمن الإقليمي بالرباط، ثم التحق بوزارة الداخلية مديرا للشؤون العامة ورجال السلطة.

عين على رأس الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني (الاستخبارات الداخلية) في 13 يناير/كانون الثاني 1973، ثم عين في 26 أبريل/نيسان 1974 كاتبا للدولة في الداخلية وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى مارس/آذار 1979 حين أصبح وزيرا للداخلية.

وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1985 جمع بين وزارتي الداخلية والإعلام، وقد احتفظ بهذين المنصبين مع صفة وزير دولة في الحكومتين المتعاقبتين لمحمد كريم العمراني (1992-1994)

وفي 27 فبراير/شباط 1995 عُين وزيرا للدولة وزيرا للداخلية في حكومة عبد اللطيف الفيلالي حيث تم الفصل بين وزارة الداخلية ووزارة الاتصال، واستمر كذلك إبان ما عرف بمرحلة التناوب، في حكومة الزعيم الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي التي شكلت في 14 مارس/آذار 1998.

المسار
برز إدريس البصري في مرحلة الاضطرابات التي عرفها المغرب صيف 1963 -خلال ما سمي رسميا بـ"مؤامرة" حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على النظام- فأبان عن شراسة وصرامة في الإشراف على التحقيق والاعتقال.

ولعل هذا الأداء لفت إليه نظر وزير الداخلية القوي آنذاك الجنرال محمد أوفقير الذي أسند إليه في الوزارة مسؤولية قسم الولاة والشؤون السياسية، ذات الطابع الحساس في مجال التدبير الترابي.

بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 1972 ونهاية الجنرال أوفقير، واصل البصري تسلقه للسلم الأمني فعين على رأس الاستخبارات الداخلية، ثم كاتبا للدولة في الداخلية، ثم أصبح وزيرا للداخلية، لتبدأ مرحلة طويلة دامت عقدين من الزمن، أمسك فيها بمفاصل الدولة العميقة.

تعتبر فصائل المعارضة في المغرب -بمختلف تياراتها- البصريَّ رمزا لسنوات الرصاص التي وقعت فيها انتهاكات جسيمة على الحريات العامة وحقوق الإنسان.

ويرى كثيرون أن البصري لم يكتف بسياسة العصا، وإنما كان داهية في تحريك اللعبة السياسية، من خلال إستراتيجية شق صفوف الأحزاب، واستقطاب النخب التكنوقراطية، وتغيير التحالفات -حسب ضرورات الزمن السياسي- وهندسة علاقة وثيقة بين المال والسلطة.

وبلغت ثقة الحسن الثاني بالبصري أن أسند إليه مهمة تدبير ملف الصحراء الغربية، حيث أطلق مشاريع إعمار المنطقة وأشرف على مفاوضات التسوية وكان مخاطبا رئيسيا للأطراف الإقليمية والدولية.

كما جسد البصري في مرحلة ما الصورة القاتمة لأوضاع حرية الإعلام والصحافة بالمغرب، فقد جمع في حكومة 1985 بين منصبي وزير الداخلية والإعلام، فأطبق من خلال رجالاته على المؤسسات الإعلامية العمومية.

وفي مرحلة البصري، اشتدت الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، واضطر الملك الراحل الحسن الثاني -خصوصا في السنوات الأخيرة من حكمه- إلى إرسال إشارات إلى المعارضة من أجل الدخول في ائتلاف حكومي ومواجهة ما أطلق عليه بلسانه "خطر السكتة القلبية".

وقد كان البصري سببا رئيسيا في فشل المحاولة الأولى لما سمي بتجربة التناوب التوافقي بين الملك والكتلة الديموقراطية (أهم ائتلاف معارضة آنذاك) في بداية تسعينيات القرن الماضي لأن الحسن الثاني تشبث بالبصري في منصبه بينما رفضته أحزاب المعارضة.

لكن المعارضة عادت لتقبل عرض الملك بوجود البصري الذي عين وزيرا في حكومة الوزير الأول الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي عام 1998.

ولم تدم سطوة البصري طويلا بعدئذ، إذ سجل المراقبون تراجعا في نفوذه منذ اعتلاء الملك الجديد محمد السادس العرش في 23 يوليو/تموز 1999، علما أن العلاقة بينهما لم تكن على ما يرام منذ كان الملك وليا للعهد، حسب بعض المصادر.

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1999 أعفي البصري من مهامه، لتطوى صفحة هامة من تاريخ صناعة القرار في المغرب.

الوفاة
كنت نهاية إدريس البصري عصيبة ومؤلمة، فقد بلغ به الأمر أن حرم من جواز السفر لفترة من الزمن.

وقد انتقل إلى باريس سنة 2002 وأجرى بعض الحوارات الصحفية في محاولة للبقاء في دائرة الأضواء، وظل هناك حتى توفي في باريس يوم 27 أغسطس/آب 2007 مصابا بالسرطان، ثم نقل إلى المغرب وأقيمت له جنازة رسمية، ودفن بمقبرة الشهداء في الرباط يوم 29 من الشهر نفسه.

المصدر : الجزيرة