إدريس بنزكري

Rabat, MOROCCO: (FILES) A file photo taken 29 January 2007 in Rabat shows the president of the Moroccan Human Rights Consultative Council, Driss Benzekri, who died 20 May 2007 at the age of 57. Benzekri, who was an opponent of late King Hassan II, was asked by King Mohammed VI to turn the page of the 1960-1999 period in which grave human rights violations were committed.

شخصية بارزة في سجل الدفاع عن حقوق الانسان في المغرب. يعتبر مهندس مسلسل المصالحة وسياسة طي الصفحات السوداء لما يسمى بسنوات الرصاص، حيث استطاع أن يوفق بين العرض التصالحي الذي قدمته الدولة وبين مطالب ضحايا الانتهاكات، رغم أن المشروع لم يسلم من انتقاد الحقوقيين.

المولد والنشأة
ولد إدريس بنزكري عام 1950 في قرية آيت واحي في ضاحية مدينة تيفلت التي تبعد عن الرباط نحو أربعين كيلومترا، وهي تتبع إداريا لإقليم الخميسات. وقد نشأ في كنف أسرة متواضعة الحال.

الدراسة والتكوين
بعد أن تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة القرية، التحق بالخميسات لمواصلة تعليمه الإعدادي عام ١٩٦٥.

ثم انتقل إلى الرباط لإكمال تعليمه الثانوي في ثانوية الحسن الثاني. وهناك احتك بأساتذة الفلسفة والآداب، من مغاربة وفرنسيين، واكتشف مجلة "أنفاس" وتعرف على مؤسسيها الشاعر عبد اللطيف اللعبي والمناضل أبراهام السرفاتي.

وعلى المستوى الجامعي، حصل على دبلوم الدراسات المعمقة في اللسانيات والآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1983، ثم على دبلوم الدراسات المعمقة في اللسانيات من جامعة إيكس مرسيليا بفرنسا سنة 1987، وعلى الماجستير في القانون الدولي (تخصص القانون الدولي لحقوق الإنسان) من جامعة أسيكس بإنجلترا سنة 1997.

التجربة النضالية
عاش بنزكري نضج الوعي النضالي والسياسي بمرحلة الثانوية والجامعة إبان انتشار الفكر اليساري بمختلف مذاهبه الثورية، واندلاع ثورة الطلاب بفرنسا عام ١٩٦٨، وحرب فيتنام. وكان الرجل قد اشتبك مبكرا مع توترات الساحة السياسية محلياً من خلال مجاورته لأحد القيادات المحلية المعروف بمناهضته لحزب الاستقلال، وهو بعد في 12 من العمر.

وفي عام ١٩٦٥، وقعت أحداث مارس/آذار بمدينة الدار البيضاء التي قتل فيها العشرات من المحتجين الذين كانوا يشاركون في مظاهرة ضد الحكومة، وكان لتلك الأحداث وقع كبير في نفس بنزكري.

وخلال المرحلة الثانوية تزايد نشاط إدريس ليتجسد أولا في الانضمام إلى مجموعة طلابية تابعة لحزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا)، إلا أن "الماوية" كانت أكثر إغراء بالنسبة لجيل الشباب الذي كان يطمح إلى "التغيير الجذري".

وعندما تأسست منظمة "إلى الأمام" في شهر أغسطس/آب 1970، كان بنزكري من أوائل الملتحقين بها. وكلف بتشكيل الخلايا الأولى في منطقة زمور والأطلس المتوسط والغرب. وعلى مدى عامين، كثف حركته على صعيد التعبئة والاستقطاب من خلال التغلغل في أوساط الجمعيات والنقابات.

بعد بدء حملات الاعتقال ضد ناشطي الماركسية اللينينية سنة ١٩٧٢، دخل بنزكري ورفاقه مجال العمل السري، وأُلقي القبض عليه بالدار البيضاء عام ١٩٧٥، وأودع سجن درب مولاي الشريف الرهيب الذي استقبل جل مناضلي اليسار خلال السبعينيات والثمانينيات. وفي عام ١٩٧٧، صدر حكم المحكمة الثقيل بالسجن ثلاثين عاما نافذة في حق بنزكري، قضى منها ١٧ عاما قبل الإفراج عنه سنة 1991.

وداخل المعتقل، خاض هو ورفاقه معارك مشهودة من أبرزها الإضراب عن الطعام لانتزاع حقوقهم داخل الاعتقال، وهو ما مكن إدريس من متابعة دراساته العليا.

وعن مرحلة اعتقاله الطويل، قال في حديث لصحيفة فرنسية "نشعر دائماً أن الجرح لم يندمل لكنه ليس شيئاً يفسدنا من الداخل. أقول نحن وليس أنا لأن كثراً واجهوا المصير نفسه".

التحق بنزكري فور خروجه من السجن بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، حيث عمل بها بادئ الأمر مديرا تنفيذيا، قبل أن يتقلد مسؤولية نائب رئيسها. ويجمع متابعو الشأن الحقوقي في المغرب على أنه أعطى دينامية لافتة لعمل المنظمة على واجهات الرصد ومتابعة الخروقات واقتراح الإصلاحات والسياسات الملائمة.

وفي عام ١٩٩٦، انضم إدريس إلى مجموعة من الناشطين في مشروع تأسيس إطار جمعوي واسع حمل اسم "الفضاء الجمعوي" وكان عضوا في مكتبه التنفيذي.

مهندس العدالة الانتقالية
شكلت ١٩٩٩ سنة وضع اللبنات الأولى التي قام عليها مسلسل العدالة الانتقالية بالمملكة المغربية، حيث شارك إدريس بنزكري في التجمع الوطني الأول لضحايا لانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالدار البيضاء، الذي أفضى إلى تأسيس منتدى الحقيقة والإنصاف.

وساهم بقسط وافر في صياغة الوثيقة التأسيسية والنظام الأساسي للمنتدى الذي كان أول رئيس له، حيث اعتمدهما المؤتمر يوم 28 يناير/كانون الثاني 1999 وأصبحا من وثائقه الأساسية.

من روح هذا العمل التأسيسي، تلقت الدولة الرسالة، فجاءت دعوة الملك محمد السادس للراحل بنزكري من أجل قيادة هيئة الإنصاف والمصالحة التي أنيطت بها مهمة تصفية ملفات الانتهاكات في الفترة من 1956 إلى ١٩٩٩.

وقامت الهيئة بدراسة أزيد من عشرين ألف ملف حقوقي وقررت صرف التعويض المادي للضحايا وعائلاتهم، وقامت بالتحريات التي أسفرت عن كشف المقابر السرية التي دفن فيها كثير من ضحايا القمع والقتل خارج القانون، وتحويل مراكز الاعتقال إلى أماكن للذاكرة، وإطلاق برامج تربوية وتشريعية للمصالحة مع الماضي.

وفي المقابل، قوبلت التجربة بتحفظات عدد من الحقوقيين، سواء من الضحايا أو الهيئات الحقوقية، حيث تمسك البعض بضرورة إصدار اعتذار رسمي صريح من قبل الدولة، ورفض فكرة طي صفحة الماضي عبر التسوية غير القضائية، باعتبارها نوعا من الإفلات من العقاب.

كما انتقد هؤلاء الفاعلون عجز الهيئة عن كشف مصير شخصيات بارزة تتصدر قائمة المختفين، وهم المهدي بنبركة وحسين المانوزي وعبد الحق الرويسي.

وبعد حل الهيئة واصل إدريس بنزكري المهمة من خلال تعيينه رئيساً للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى حين وفاته.

وقد رثاه الملك محمد السادس في برقية تعزية قال فيها إن "فقيد الوطن الكبير سيظل  خالدا في ذاكرته بإسهامه الرائد في العمل التاريخي والفاعل على رأس هيئة الإنصاف والمصالحة، التي كانت لبنة أساسية في تحقيق الانتقال الديمقراطي الذي نقوده".

كما كرّمه بتنفيذ وصيته البسيطة التي تمثلت في إحداث مجموعة من المنشآت الاجتماعية بمسقط رأسه: مستوصف ومدرسة ومسجد وبعض المرافق الأخرى.

وفضلا عن نضاله الحقوقي كان بنزكري مدافعا غيورا عن الثقافة واللغة الأمازيغية والشعر الأمازيغي بصفة خاصة. وأنجز في إطار تكوينه اللساني العديد من الدراسات والأبحاث.

الوفاة
توفي إدريس بنزكري متأثرا بمرض السرطان يوم ٢٢ مايو/أيار ٢٠٠٧.

المصدر : الجزيرة