سعد الحريري.. بين ألغام الداخل وصراعات الإقليم

رجل أعمال وسياسي سني لبناني، اغتيل أبوه ففرض عليه السير في حقل ألغام الداخل اللبناني وتقاطعات الصراعات الإقليمية، ساند ثوار سوريا، وأيد خيار السوريين وتطلعهم للحرية والديمقراطية، يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 كلفه رئيس البلاد ميشال عون بتشكيل حكومة جديدة، وبعد عام من رئاسة الحكومة أعلن استقالته من العاصمة السعودية الرياض، قبل أن يتراجع لاحقا عن الاستقالة.

المولد والنشأة
ولد سعد الدين رفيق الحريري يوم 18 أبريل/نيسان 1970 في الرياض بالمملكة العربية السعودية، وهو ثاني أبناء الحريري الأب من زوجته الأولى نضال بستاني، يحمل -إلى جانب جنسيته اللبنانية- الجنسيتين السعودية والفرنسية، ويصنف ضمن لائحة أغنى أغنياء العالم.

الدراسة والتكوين
درس الابتدائية في مدينة صور بـلبنان ثم التحق بإحدى المدارس الداخلية الفرنسية، وتابع دراساته الجامعية في جامعة جورج تاون بـالولايات المتحدة فحصل على شهادة إدارة الأعمال الدولية.

الوظائف والمسؤوليات
نشط في عالم الأعمال، والتحق بشركة "سعودي أوجيه" التي أسسها والده ويعمل فيها نحو 35 ألف موظف، ثم تولى منصب مديرها العام في الفترة من 1994 إلى 2005.

تولى عددا من المسؤوليات، من بينها رئاسة اللجنة التنفيذية لشركة "أوجيه تيلكوم" العاملة بمجال الاتصالات، والشركة القابضة "أمنية هولدنغز"، كما أنه عضو مؤسسة الأعمال الدولية وعضو بنك الاستثمار السعودي، ويمتلك تلفزيون المستقبل.

التجربة السياسية
لم يشتغل بالسياسة في حياة أبيه الذي اغتيل بتفجير موكبه في بيروت في 14 فبراير/شباط 2005 مما وضعه بدائرة الضوء ليصبح أحد أهم أقطاب السياسة اللبنانية.

تزعم سعد الحريري تيار المستقبل، وشكل "تكتل قوى 14 آذار" الذي ضم قوى سياسية، من أبرزها تيار المستقبل بزعامته، والحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب الكتائب، والقوات اللبنانية.

اتهم "التكتل" الحكومة السورية وحلفاءها في لبنان (قوى 8 آذار) بالضلوع في اغتيال الحريري، وقام بسلسلة مسيرات ومظاهرات في ما عرفت -في أدبياته- بـ"ثورة الأرز"، وطالب بخروج القوات السورية من لبنان وتشكيل محكمة دولية لمحاكمة كل المتورطين باغتيال الحريري.

انتخب الحريري عام 2005 نائبا في البرلمان ثم أعيد انتخابه لدورة البرلمان لعام 2009، وتمكنت "قوى 14 آذار" من الحصول على الأكثرية النيابية في الدورتين.

ويوم 27 يونيو/حزيران 2009 كلف سعد الحريري من قبل الرئيس ميشال سليمان بتشكيل الحكومة، لكنه واجه صعوبات عديدة ليعلن يوم 10 سبتمبر/أيلول 2009 اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة.

ويوم 16 من الشهر نفسه أعاد رئيس الجمهورية تكليفه بتشكيل الحكومة، وذلك بعد أن أعادت أكثرية أعضاء مجلس النواب تسميته لرئاسة الحكومة بالاستشارات النيابية، وبعد حوارات ومفاوضات شاقة مع مختلف التيارات السياسية استطاع الحريري أن يعلن عن تشكيل حكومته الأولى بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2009.

واجهت حكومته صعوبات عديدة مع اقتراب صدور القرار الظني في جريمة اغتيال والده، حيث أصر وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر على طرح موضوع شهود الزور بالقضية وطلب إحالتهم إلى المجلس العدلي.

وفي ظل هذه الأزمة السياسية استقال وزراء تكتل الإصلاح والتغيير وحركة أمل وحزب الله يوم 12 يناير/كانون الثاني 2011 من الحكومة، وارتفع عدد الوزراء المستقيلين ليصل إلى 11 وزيرا، مما أفقد الحكومة نصابها الدستوري وجعلها حكومة مستقيلة.

إقليميا، شهدت علاقات سعد الحريري مع سوريا توترا شديدا بداية حياته السياسية على خلفية اتهام "قوى 14 آذار" دمشق بالوقوف وراء اغتيال والده، لكن هذه العلاقة شهدت بعض التحسن بعد زيارة قام بها الحريري لـدمشق بصفته رئيسا للوزراء يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2009.

كما شهدت علاقات سعد الحريري مع إيران بعض التحسن، وأثمرت زيارة قام بها إلى طهران في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي بين البلدين.

بعد سقوط حكومته غادر سعد الحريري لبنان عام 2011 ليعيش بالمنفى الاختياري متنقلا بين فرنسا والسعودية ثم عاد في أغسطس/آب 2014 في ظل فراغ موقع رئاسة الجمهورية بعد انتهاء مأمورية سليمان واستقطاب حاد في الساحة الداخلية.

ورغم أن لبنان في ظل حكومة نجيب ميقاتي (التي أعقبت حكومة الحريري) اتخذ موقف "النأي بالنفس" بشأن الثورة السورية التي اندلعت 2011 فقد كان الحريري مساندا لها إعلاميا وسياسيا.

يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 كلف الرئيس ميشال عون سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة بعد تأييد معظم النواب والكتل البرلمانية، ولا سيما كتلة التغيير والإصلاح التي كان يرأسها عون.

وبهذا التكليف يعود سعد الحريري الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2009 و2011 إلى السرايا الحكومية في إطار صفقة تسوية أدت إلى انتخاب عون رئيسا في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016 منهيا فراغا في الموقع الأول للبلاد استمر 29 شهرا.

استقالة ثم تراجع
فجر الحريري أزمة سياسية ودبلوماسية تطورت لاحقا إلى أزمة بين لبنان والسعودية بعد إعلانه في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 استقالته من رئاسة الحكومة، وذلك في خطاب متلفز من العاصمة الرياض بثته وسائل إعلام سعودية.

وأعرب الحريري في خطاب الاستقالة عن خشيته من تعرضه للاغتيال، مضيفا "لمست ما يحاك سرا لاستهداف حياتي"، مشيرا إلى أن ذلك يشبه المرحلة التي سبقت اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

وأشار الحريري إلى الأسباب التي دفعته للاستقالة بقوله إنه يشعر بوجود دولة داخل الدولة، في إشارة إلى حزب الله، وشدد على رفضه استخدام سلاح الحزب ضد اللبنانيين والسوريين، وقال إن "تدخل حزب الله تسبب لنا بمشكلات مع محيطنا العربي".

بقي الحريري نحو أسبوعين في السعودية تردد خلالها حديث واسع عن وجوده في إقامة جبرية، بل قال الرئيس اللبناني في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 إن رئيس الوزراء تعرض إلى "الخطف". وطالب السعودية بتوضيحات عن وضعه الذي يكتنفه الغموض، وقد انضمت واشنطن إلى المطالبين بعودته إلى بلاده.

كما قال إن لبنان لا يقبل أن يكون رئيس الحكومة في وضع يتناقض مع الاتفاقات الدولية وقواعد العلاقات بين الدول. ودعا السعودية -التي قال إن لها علاقات أخوة وصداقة مع لبنان- إلى توضيح الأسباب التي تحول دون عودة الحريري.

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 غادر الحريري الرياض متوجها إلى فرنسا بعد أسبوعين من استقالته المفاجئة التي أثارت تساؤلات عما إذا كان محتجزا، وذلك بعد تدخل فرنسي لدى السلطات السعودية.

وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وصل إلى بلاده (لبنان) وأعلن بعد لقاء له مع الرئيس ميشال عون عن التراجع عن استقالته بعد طلب من الرئيس، وجدد دعوته إلى النأي بالنفس عن كل ما يمس الأشقاء العرب، حسب قوله.

المصدر : الجزيرة