علي خامنئي.. مرشد الثورة الإيرانية بعد الخميني

موافقة خامنئي على منح الحكومة مليار دولار من الصندوق السيادي لم تجد في الحد من عجز الموازنة (الصحافة الإيرانية)
علي جواد حسيني خامنئي ولد في مدينة مشهد بإيران عام 1939 (الصحافة الإيرانية)

سياسي وعالم دين إيراني، شارك في الثورة ضد الشاه محمد رضا بهلوي وأسهم في وصول الإمام الخميني إلى السلطة، آمن بولاية الفقيه لكنه لم يصل إلى موقع المرشد إلا بعد تعديل دستوري يجيز للمجتهد تولي الزعامة بعد أن كانت حكرا على الفقهاء.

ويقال إن الخميني فجر الثورة لكن خامنئي (وهو من تلامذته) دبر استمرارها و"تصديرها" حيث كان منذ شبابه أحد أركانها ورموزها، وأحد المؤثرين في مسارها.

المولد والنشأة

ولد علي جواد حسيني خامنئي في مدينة مشهد بمحافظة خراسان، شمال شرق إيران، يوم 8 سبتمبر/أيلول 1939، وسط أسرة فقيرة ومن عائلة تشتهر بالعلم والأدب.

تعود أصول أجداده إلى مدينة تفرش وسط إيران، لكنهم هاجروا إلى منطقة أذربيجان الإيرانية ثم إلى النجف.

والده تركي أذري هاجر من تبريز إلى مشهد، ولهذا السبب يتقن علي خامنئي اللغة التركية جيدا، وكان جده من العلماء الشيعة الأذريين في النجف.

في 26 يونيو/حزيران 1981 تعرض خامنئي لمحاولة اغتيال من أعضاء منظمة مجاهدي خلق (أسوشيتد برس)

أبوه عاد للدراسة في الحوزة العلمية بمدينة النجف مرة أخرى، قبل أن ينتقل إلى مدينة مشهد كي يستقر فيها ويكون إمام مسجد كوهرشاد.

أما والدته خديجة ميردامادي فأصولها من مدينة أصفهان، وكانت حافظة للقرآن الكريم، وهي من أحفاد مير برهان‌ الدين محمد باقر إسترآبادي الملقب بـ "ميرداماد" أحد أشهر العلماء والخطاطين أيام الدولة الصفوية.

يعد خامنئي الثاني بين 8 إخوة، ثلاثة منهم -بمن فيهم هو- علماء متخصصون في العلوم الشرعية الإسلامية وفق المذهب الشيعي، تزوج سنة 1964 وله 6 أبناء هم مصطفى ومجتبى ومسعود وميثم وبشرى وهدى.

يقول عن نفسه في مذكراته إنه عاش طفولة عسيرة، وإنه مرت عليهم ليال لم يجدوا فيها ما يأكلون، ويضيف أن والدته كانت تخيط له ولإخوانه ما يرتدون من ملابس أبيه البالية.

نشأ وإخوته في حي فقير بمشهد في بيت لا تتعدى مساحته 70 مترا مربعا، يتكون من غرفة واحدة وسرداب مظلم وضيق، إلى أن اشترى بعض تلامذة أبيه قطعة أرض مجاورة للبيت ووسعوه حتى أصبحت فيه 3 غرف.

الدراسة والتكوين العلمي

بدأ خامنئي منذ سن الرابعة دراسته في الكتاب، حيث تعلم القراءة وبدأ حفظ القرآن الكريم، كما علمته أمه الشعر والأدب الفارسي والفنون الإسلامية الإيرانية منذ صغره.

درس المرحلة الابتدائية في مدينة مشهد حتى الصف الخامس، ثم بدأ بدراسة الدروس الحوزوية (الدينية) عند والده وعالم الدين جليل حسيني سيستاني.

مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي يلقي خطابا في مدينة مشهد بمناسبة بداية السنة الفارسية
مرشد الجمهورية الإيرانية خامنئي يلقي خطابا بمشهد عام 2019 بمناسبة بداية السنة الفارسية (الأوروبية)

بعد أن أكمل المرحلة الابتدائية بدار التعليم الديني (مدرسة ابتدائية دينية) التحق بالدراسة المسائية في المدرسة الحكومية وحصل على الشهادة المتوسطة (الإعدادية) ثم أنهى دراسته الثانوية بعد ذلك، وحصل على الشهادة الثانوية.

انتقل إلى مدينة النجف عام 1958 مع والده، وهناك تتلمذ على عدة مراجع منهم محسن الحكيم وأبو القاسم الخوئي، ومحمود شاهرودي، ثم عاد من جديد إلى مشهد وتابع دراسته تحت إشراف المرجع محمد هادي ميلاني.

سافر إلى مدينة قم عام 1959 لدراسة العلوم الدينية، وتتلمذ هناك على عدة شيوخ أبرزهم الخميني ومحمد حسين الطبطبائي وحسين بجنوردي ومرتضى حائري يزدي ومحمد محقق ميرداماد.

عاد إلى مشهد سنة 1964 بعد أن فقد أبوه بصره، وبدأ هناك بتدريس العلوم الفقهية والتفسير للطلاب الشباب، عند أستاذه القديم ميلاني.

وفي تلك الفترة بدأ يروج بين طلابه لفكرة إسقاط نظام الشاه، واستطاع تجنيد الكثير منهم ممن شاركوا من بعد في الثورة التي أسقطت هذا النظام عام 1979.

يجيد خامنئي عدة لغات، ولديه إلمام واسع بالشعر والأدب، وروى مقربون منه أن ناشطا يساريا شيوعيا أرمينيا كان يعلمه الإنجليزية في سجن قزل بطهران أوائل ستينيات القرن الماضي.

اشتهر عنه شغفه بقراءة الروايات والقصص، سواء الفارسية أو العربية والعالمية، وقيل إن له حظا في نقد الأعمال الأدبية والشعرية، وله علاقات مع كثير من الشعراء والكتاب والمثقفين في زمانه، ومنهم الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري.

أثناء شبابه ومسيرته الدراسية تأثر بمواقف وآراء المفكر الراحل علي شريعتي، رائد مدرسة "الإسلام بلا رجال الدين" الفكرية، لكن تأثره الأكبر كان بالخميني الذي تشبع بأفكاره ورؤاه، فأصبح أحد رموز فقهاء الشيعة المؤمنين بولاية الفقيه المدافعين عنها.

التجربة السياسية

نشأ خامنئي في أسرة سياسية، وتم إعدام زوج عمته خلال فترة حكم الشاه، وكان أحد قادة الثورة التي أسقطت نظامه عام 1979، ومفاوضا رئيسيا في أزمة رهائن السفارة الأميركية بطهران، التي اقتحمها طلاب إيرانيون دعما للثورة، واحتجزوا 52 رهينة أميركيين من سكان السفارة لمدة 444 يوما (من 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 حتى 20 يناير/كانون الثاني 1981).

انخرط منذ بداية الستينيات في صفوف التيار المعارض لحكم الشاه، واعتقل 6 مرات، كما منعته الاستخبارات عام 1965على عهد الشاه (جهاز السافاك) من الخروج من البلاد لمدة 10 سنوات، وعام 1977 تم إبعاده إلى مدينة إيرانشهر بمحافظة سيستان وبلوشستان.

عام 1952 التقى بمجتبى نواب صفوي زعيم "حركة فدائيي الإسلام" السرية في مشهد، واعتقل أول مرة عام 1962 بسبب مشاركته في اجتماع احتجاجي لأعضاء المنظمة لدعم القضية الفلسطينية بالمدينة نفسها.

أنشطته السياسية المعارضة للشاه شاركه فيها مرتضى مطهري، أكبر هاشمي رفسنجاني، محمود طالقاني، أبو الفضل زنجاني، مهدي بازركان، يد الله سحابي، عباس شيباني، كاظم سامي، وقادة إيرانيون آخرون.

التقى خامنئي لأول مرة زعيم الثورة الخميني عام 1957 حيث تتلمذ عليه وتأثر بأفكاره، التقى برفيق دربه كما يصفه علي أكبر هاشمي رفسنجاني في السنة نفسها بمدينة كربلاء وسط العراق.

وبعد عامين التقيا مجددا في مدينة قم حيث كانا يدرسان العلوم الدينية، واستأجرا منزلا وعاشا معا لعدة سنوات، كما استمرت هذه العلاقة بين عائلتيهما حتى وفاة رفسنجاني عام 2017.

سنة 1977 تم اختياره عضوا في لجنة من 11 شخصا شكلها الخميني لإصلاح الحوزة العلمية في قم وتحضير أرضيتها سياسيا للانقلاب على الشاه، وأدى ذلك لتأسيس جمعية العلماء المجاهدين التي تحولت فيما بعد إلى الحزب الإسلامي الجمهوري.

كانت هذه الجمعية تعمل على تجنيد طلاب العلوم الدينية وتوعيتهم سياسيا كي يكونوا نواة لحركة مستقبلية لإسقاط نظام الشاه، واستطاع جهاز "السافاك" كشفها وإلقاء القبض على بعض أعضائها عام 1964، واستطاع خامنئي الفرار، ولكن تم اعتقاله في مشهد عام 1965 والحكم عليه بالسجن 6 أشهر.

المرشد الإيراني علي خامنئي يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية
المرشد الإيراني خامنئي يشارك بالانتخابات البرلمانية في فبراير/شباط 2020 (الجزيرة)

وعاد خامنئي إلى تحركاته السياسية بمجرد الخروج من السجن، وسُجن مجددا بسبب خطاباته ومحاضراته المعارضة للشاه، كما عاد إلى مشهد عام 1978 ليقود الحركة الثورية ضد نظام الشاه بمحافظة خراسان.

أسس خامنئي مع آخرين منهم محمد بهشتي، رفسنجاني، موسوي أردبيلي، الحزب الجمهوري الإسلامي الذي سيطر فيما بعد على القرار السياسي في البلاد لعدة أعوام، إلى أن تم حله عام 1987 بقرار من الخميني.

في 26 يونيو/حزيران 1981 تعرض لمحاولة اغتيال من أعضاء منظمة مجاهدي خلق، الذين زرعوا قنبلة في جهاز تسجيل وضع أمامه وهو يخطب في جامع أبي ذر بطهران، ونجا منها، لكنه أصيب بجروح بليغة وتمزقت أعصاب يده اليمنى وأصيبت بالشلل، فاضطر لترك المنبر مدة طويلة.

شارك خامنئي أيضا متطوعا على جبهة القتال بمنطقة الأهواز في الحرب العراقية الإيرانية، التي امتدت من 1980 إلى 1988، وكان ممن أقنعوا الخميني بضرورة تشكيل "مجمع تشخيص مصلحة النظام" لفض الخلافات بين مؤسسات الدولة.

بعد الثورة عينه الخميني في لجنة الثورة التي أعلنها لتشكيل نظام جديد للجمهورية "الإسلامية الإيرانية" وضمت بالإضافة إليه كلا من:

  1. مرتضى مطهري
  2. محمد بهشتي
  3. مهدوي كني
  4. أكبر هاشمي رفسنجاني
  5. محمد جواد باهنر
  6. عبد الكريم موسوي أردبيلي

وتولت هذه اللجنة إدارة البلاد خلال الثورة، وقادت المفاوضات مع حكومة الشاه والدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة في الفترة الانتقالية.

وكان أحد أهم قرارات لجنة الثورة تشكيل قوات عسكرية لحماية الثورة سميت بالحرس الثوري واللجان الثورية والتعبئة الشعبية (باسيج) وأشرف خامنئي على هذه القوات حتى أواخر عام 1979 حيث استقال ليترشح لانتخابات مجلس الشورى (البرلمان).

ميدان - خامنئي والحرس الثوري
خامنئي كان أول رئيس للحرس الثوري الإيراني بعد تأسيسه (رويترز)

المهام والمسؤوليات

في مسيرته السياسية والعلمية، تولى خامنئي عدة مسؤوليات على مستويات مختلفة، سواء في صفوف الثورة أو في دواليب الدولة بعد إسقاط نظام الشاه. ومن أبرز هذه المسؤوليات:

  • مسؤول عن الإعلام في مكتب الخميني.
  • ثالث أمين عام للحزب الإسلامي الجمهوري بعد محمد بهشتي ومحمد جواد باهنر.
  • عينه الخميني إماما للجمعة في طهران بتاريخ 14 يناير/كانون الثاني 1980.
  • انتخب بمجلس الشورى في فبراير/شباط 1980 (في أول انتخابات بعد الثورة) واستمر إلى 13 أكتوبر/تشرين الأول 1981، بعدما تم انتخابه رئيسًا للجمهورية.
  • اختير في أكتوبر/تشرين الأول 1981 ثالث رئيس للجمهورية، وتولى هذه المهمة 8 سنوات.
  • رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشورى.
  • أول رئيس لمجمع تشخيص مصلحة النظام في 6 فبراير/شباط 1988.
  • بعد وفاة الخميني بتاريخ 3 يونيو/حزيران 1989 تم انتخاب خامنئي مرشدا أعلى للجمهورية.
  • عام 1980 عين عضوا في مجلس الدفاع ممثلا عن مجلس قيادة الثورة.
  • عين في العام نفسه وكيلا لوزارة الدفاع.
  • في الأول من فبراير/شباط 1979 أصبح قائدا للحرس الثوري.
  • في 30 أغسطس/آب 1983 تولى رئاسة المجلس الأعلى للثورة الثقافية.
  • النائب الأوّل لرئيس مجلس الخبراء ومجلس إعادة النظر في الدستور.
  • عام 2012، اختارته مجلة فوربس في قائمة 19 شخصية مؤثرة في العالم.

المؤلفات والأعمال

ألف خامنئي وترجم كتبا عديدة، خاصة في مجال العلوم الشرعية والتنظير السياسي، وترجم عددا من كتب المفكر المصري سيد قطب إلى الفارسية، بينها في ظلال القرآن و"المستقبل لهذا الدين".
ومن أبرز مؤلفاته الأخرى:

  • 4 كتب أصلية لعلم الرجال.
  • تشريح رؤية الإسلام في القرآن.
  • النموذج الصادق.
  • تقرير عن تاريخ الحوزة العلمية لمدينة قم وشرح حالها.
  • الإمامة.
  • الولاية.
  • بحث في الفكر الإسلامي.
  • دروس في معرفة الإسلام.
  • المشروع العام للفكر الإسلامي في القرآن.. الحكومة في الإسلام.
  • دور المسلمين في ثورة الهند.
  • الشيخ المفيد وهويّة التشيّع.
المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية