محمود محمد طه

محمود محمد طه - ( الموسوعة )

مفكر وسياسي سوداني، دعا أيام الاحتلال الإنجليزي إلى قيام جمهورية في السودان فعُرف وأنصاره بـ"الجمهوريون"، أدخلته أفكاره الدينية "الجريئة والغريبة" السجن مرات، إلى أن قضت "محكمة الردة" في نظام جعفر نميري بإعدامه، فنفذ فيه الحكم الذي وصفه أنصاره بأنه "جريمة العصر".

المولد والنشأة
ولد محمود محمد طه عام 1909 في مدينة رفاعة بوسط السودان لأسرة متصوفة تنتمي إلى قبيلة الركابية، وقد توفيت والدته 1915 فعاش مع والده حتى توفي 1920، فكفلته عمته وأدخلته الكُـتاب لحفظ القرآن الكريم.

الدراسة والتكوين
انتقل 1932 إلى الخرطوم فدرس في كلية غوردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) هندسة المساحة.

التوجه الفكري
شكلت الطبيعة الصوفية لأسرة طه توجهه الفكري النهائي الذي حاول فيه "توحيد الكفاح الروحي المستند إلى الصلاة مع الحراك الاجتماعي السياسي".

كان مؤمنا بالأفكار الديمقراطية كالحرية الفردية والمساواة الاجتماعية، منتقدا للفكر الإلحادي الماركسي، مناهضا للإخوان المسلمين وللسلفية و"الصوفية الطائفية".

الوظائف والمسؤوليات
عمل بعد تخرجه 1936 مهندسا بمصلحة السكك الحديدية، ثم استقال منها 1941 على إثر خلافات مع سلطة المستعمر البريطاني بسبب نشاطه الحقوقي العمالي، واشتغل بالأعمال الحرة مهندسا ومقاولا إلى أن تفرغ منتصف الستينيات للعمل الفكري.

التجربة السياسية والفكرية
واصل مسيرته السياسية، التي بدأها بالنضال السياسي والثقافي ضد المستعمر، لتتجسد عمليا بإنشائه مع آخرين حزبا سياسيا في 1945 سموه "الحزب الجمهوري"، مطالبين بإنشاء "جمهورية سودانية" ورافضين الدعوة لدولة ملكية تابعة للتاج البريطاني أو للمَلكية المصرية.

اعتقل في 1946 فقدم إلى المحاكمة وخُـير بين السجن مدة عام أو التعهد باعتزال العمل السياسي سنة كاملة، فاختار السجن ومكث فيه خمسين يوما.

استأنف نضاله الحزبي ضد الإنجليز فسجنته السلطة الاستعمارية في 1946 لمعارضته قانون منع "الخفاض الفرعوني".

مكث في السجن سنتين قضاهما بين سجنيْ "ود مدني" و"كوبر"، وحين أطلق سراحه 1948 دخل في عزلة صوفية عن الناس خرج منها 1951 بأفكاره الدينية الجديدة.

طرح في اجتماع لحزبه (عقد في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1951) رؤيته "للمذهبية الإسلامية الجديدة"، التي تقوم على الحرية الفردية المطلقة والعدالة الاجتماعية الشاملة.

أوقِف عن النشاط السياسي العلني 1958 ومُنع من الكتابة الصحفية، وفي 1968 شكلت له محكمة أطلق عليها "محكمة الردة" فحكمت عليه غيابيا بـ"الردة"، بينما أكد هو رفضه لشرعية المحكمة.

اتخذ مجلس الأمن القومي لنظام الرئيس الراحل جعفر النميري -الذي أيده طه عند قيامه بانقلاب 1969- في 1975 قرارا بمنعه من إلقاء المحاضرات العامة، واعتقل في 1976 إثر إصدار الجمهوريين كتاب "اسمهم الوهابية وليس اسمهم أنصار السنة".

أصدر الجمهوريون في 1983 كتاب "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة"، فسجن طه بسبب هذا الكتاب، وبعد أسبوع من مغادرته المعتقل أصدر في 25 ديسمبر/كانون الأول 1984 منشوره المسمى "هذا أو الطوفان"، رافضا فيه ما سماها "قوانين سبتمبر" 1983 (قوانين تطبيق الشريعة)، ومطالبا بإلغائها لأنها "شوهت الإسلام، وأذلت الشعب، وهددت وحدة البلاد".

اعتقل مجددا في 5 يناير/كانون الثاني 1985، وقُـدم بعد يومين -مع أربعة من تلاميذه- للمحاكمة فحُكم عليهم بالإعدام في 8 يناير/كانون الثاني 1985، ثم أيدت محكمة الاستئناف الحكم بعد تحويلها التهمة من "إثارة الكراهية ضد الدولة"، إلى "الردة"، وفي 17 يناير/كانون الثاني 1985 صادق الرئيس نميري على حكم الإعدام.

دعا محمود طه إلى وقف الاقتتال بجنوب السودان وحل مشكلته بالحوار، كما طالب -في أوج انتشار القومية العربية بقيادة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر- بالصلح مع إسرائيل على أساس الاعتراف المتبادل، وحل قضية فلسطين بالتفاوض.

أثارت آراؤه -خاصة حديثه عن "الإنسان الكامل" وعلاقته بالله تعالى، وادعاؤه تلقي أفكاره من الله سبحانه مباشرة، ودعوته لتطوير التشريع الإسلامي- غضب الكثيرين، فاتهموه بأنه يهدم الإسلام بخلطه بالفلسفات اليونانية وتأملات التصوف المتطرف، فحكمت هيئات إسلامية بـ"كفره"، ومن تلك الهيئات مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.

أما أتباعه فقد أطلقوا عليه لقبيْ "الأستاذ" و"المصلح"، قائلين إنه كرس حياته لنصرة المستضعفين وتجديد الدين ونفي التناقض بينه وبين العلم، وما زالوا يسعون لنشر آرائه ومعتقداته، وإعادة الترخيص القانوني لحزبهم، بقيادة ابنته أسماء مديرة "مركز محمود محمد طه الثقافي".

المؤلفات
ترك العديد من الكتب، منها: "قل هذه سبيلي" صدر 1952 بالإنجليزية، و"أسس دستور السودان" 1955، و"الإسلام"، و"طريق محمد"، و"الرسالة الثانية من الإسلام"، و"الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسان القرن العشرين"، و"الدستور الإسلامي: نعم ولا"، و"مشكلة الشرق الأوسط".

الوفاة
نـُفذ في محمود محمد طه حكم الإعدام يوم 18 يناير/كانون الثاني 1985، بحضور الآلاف من بينهم بعض أتباعه.

وفي  18 نوفمبر/تشرين الثاني 1986 أصدرت المحكمة العليا السودانية حكمها بإبطال الحكم الصادر بإعدام طه، لكن نميري أكد -في مقابلة تلفزيونية معه قبيل وفاته 2009- أنه لا يشعر بالندم "أبدا" على إعدامه.

المصدر : الجزيرة