ياسر عرفات

زعيم فلسطيني من أهم شخصيات الصراع العربي الإسرائيلي المحورية التي ارتبط اسمها بالقضية الفلسطينية طوال العقود الماضية، توفي عام في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 بمستشفى بيرسي في فرنسا بظروف أحاطتها شكوك عديدة.

المولد والنشأة

لا يُعرف على وجه اليقين مكان ولادة محمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني الذي اشتهر فيما بعد باسم ياسر عرفات أو أبو عمار والختيار بعدما بانت عليه ملامح الكبر بالسن، والأغلب أنه ولد في القاهرة في 24 أغسطس/آب 1929، وهو الابن السادس لأب كان يعمل في التجارة هاجر إلى القاهرة عام 1927 وعاش في حي السكاكيني.

عندما توفيت والدته وهو في الرابعة من عمره أرسله والده إلى القدس، وهناك بدأ وعيه يتفتح على أحداث ثورة 1936.

تزوج ياسر عرفات في سن متأخرة من السيدة سهى الطويل، وأنجب منها بنتا واحدة.

الدراسة والتكوين

في عام 1937 عاد مرة أخرى إلى القاهرة ليعيش مع عائلته، ثم التحق بكلية الهندسة في جامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليا) حيث تخصص في دراسة الهندسة المدنية وتخرج فيها عام 1951، وعمل بعدها في إحدى الشركات المصرية.

وخلال فترة دراسته كوّن رابطة الخريجين الفلسطينيين التي كانت محط اهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام المصرية آنذاك، واشترك إلى جانب الجيش المصري في صد العدوان الثلاثي عام 1956.

التوجه الفكري

ينتمي ياسر عرفات إلى جيل القوميين العرب الذي ظهر في الخمسينيات ولعب أدوارا مهمة في الستينيات والسبعينيات. وقد بدأ حياته في خنادق المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ثم غير خطه الفكري بعد أن آمن بفكرة المفاوضات والتوصل إلى الحق الفلسطيني عبر الحوار من خلال عملية السلام، فأسفرت فترة التسعينيات عن اتفاقية أوسلو وإنشاء سلطة فلسطينية في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي سبتمبر/أيلول 2001 اندلعت انتفاضة الأقصى على إثر زيارة أرييل شارون للمسجد الأقصى وحالة اليأس والإحباط التي عمت الشارع الفلسطيني من المفاوضات التي لم تحقق له حلم الدولة الفلسطينية واستعادة الأراضي المحتلة وعودة اللاجئين.

وبدا ياسر عرفات في أوائل عام 2002 مساندا للانتفاضة رغم تصريحاته المتكررة بإدانة العمليات التي تستهدف المدنيين من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

التجربة السياسية

سافر ياسر عرفات إلى الكويت عام 1958 للعمل مهندساً، وهناك كوَّن هو وصديقه خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1965 خلية ثورية أطلق عليها اسم "فتح" -وهو اختصار معكوس لـ"حركة تحرير فلسطين"- وأصدر مجلة تعبر عن هموم القضية الفلسطينية أطلق عليها اسم "فلسطيننا"، وحاول منذ ذلك الوقت إكساب هذه الحركة صفة شرعية فاتصل بالقيادات العربية للاعتراف بها ودعمها، ونجح بالفعل في ذلك فأسس أول مكتب للحركة في الجزائر عام 1965 مارس عبره نشاطا دبلوماسيا.

برز اسم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بقوة عام 1967 حينما قاد بعض العمليات الفدائية ضد إسرائيل عقب عدوان 1967 انطلاقاً من الأراضي الأردنية، وفي العام التالي اعترف به الرئيس المصري جمال عبد الناصر ممثلا للشعب الفلسطيني.

انتخب المجلس الوطني الفلسطيني ياسر عرفات رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1969 التي تأسست عام 1964 خلفاً ليحيى حمودة، وبدأ مرحلة جديدة في حياته منذ ذلك الحين.

وقعت اشتباكات بين قوات المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني عام 1970 أسفرت عن سقوط ضحايا كثر من كلا الجانبين فيما عرف بأحداث "أيلول الأسود". وبعد وساطات عربية قررت المقاومة الفلسطينية في العام التالي برئاسة ياسر عرفات الخروج من الأردن لتحط الرحال مؤقتا في الأراضي اللبنانية.

ألقى الزعيم الفلسطيني خطابا تاريخيا مهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، أكد فيه أن القضية الفلسطينية تدخل ضمن القضايا العادلة للشعوب التي تعاني من الاستعمار والاضطهاد.

شنت إسرائيل هجمات عنيفة على قواعد المقاومة الفلسطينية في لبنان في الفترة بين عامي 1978 و1982، حيث دمرت عام 1978 بعض قواعد المقاومة وأقامت شريطاً حدودياً بعمق يتراوح بين أربعة وستة كيلومترات أطلقت عليه اسم الحزام الأمني. ثم كان الاجتياح الكبير الذي احتلت به ثاني عاصمة عربية بعد القدس ودمرت أجزاء كبيرة من بيروت عام 1982، وفرض حصار لمدة عشرة أسابيع على المقاومة الفلسطينية، واضطر ياسر عرفات للموافقة على الخروج من لبنان تحت الحماية الدولية.

اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني في نوفمبر/تشرين الثاني 1988 قراراً بقيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف استناداً إلى الحقوق التاريخية والجغرافية لفلسطين، وأعلن كذلك في العاصمة الجزائرية عن تشكيل حكومة مؤقتة.

الاعتراف بإسرائيل

شهد عقد الثمانينيات تغيرات كبيرة في فكر المنظمة، حيث ألقى ياسر عرفات مرة أخرى خطابا شهيرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 1988 أعلن فيه اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود، وأعلن عن مبادرة سلام فلسطينية تدعو إلى حق دول الشرق الأوسط -بما فيها فلسطين وإسرائيل وجيرانهما- في العيش بسلام. وبعد هذا الإعلان توالت اعترافات العديد من دول العالم بالدولة الفلسطينية المستقلة.

وافق المجلس المركزي الفلسطيني على تكليف ياسر عرفات برئاسة الدولة الفلسطينية المستقلة في أبريل/نيسان 1989، ولدفع عملية السلام أعلن عرفات أوائل عام 1990 أنه يجري اتصالات سرية مع القادة الإسرائيليين بهذا الخصوص.

وفي القاهرة عام 1994 وقع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين على "اتفاق القاهرة" لتنفيذ الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا.

اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1990 موقفا في حرب الخليج الثانية فُسر حينذاك بأنه مؤيد للعراق في غزوه للكويت، مما انعكس بصورة سلبية على القضية الفلسطينية، وكانت له عواقب وخيمة على العاملين الفلسطينيين في دول الخليج، وبالتالي على الانتفاضة الفلسطينية التي كانت مشتعلة في الأراضي المحتلة منذ عام 1987.

اتفاق أوسلو

كان لاتفاق أوسلو الذي وقعه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1993 نتائج هامة على مسيرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ تمخض هذا الاتفاق عن وجود كيان فلسطيني جديد على الأراضي الفلسطينية سمي بالسلطة الوطنية الفلسطينية.

وكان أهم ما في اتفاق أوسلو إضافة إلى اعترافه بالدولة الإسرائيلية على الحدود التاريخية لفلسطين أنه أوجد شرعية جديدة للعملية التفاوضية، شرعية تقوم على الاتفاقيات الثنائية وليس على القرارات الدولية الصادرة.

وفي القاهرة وقع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين عام 1994 على "اتفاق القاهرة" لتنفيذ الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا.

العودة إلى غزة

بعد 27 عاما قضاها في المنفى، عاد ياسر عرفات إلى غزة رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية في يوليو/تموز 1994.

وقع عرفات في مدينة طابا المصرية في 24 سبتمبر/أيلول 1995 بالأحرف الأولى على اتفاق توسيع الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعدها انتخب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في 20 يناير/كانون الثاني 1996 رئيسا لسلطة الحكم الذاتي في أول انتخابات عامة في فلسطين، حيث حصل على نسبة 83%.

استمر الزعيم الفلسطيني في المسيرة السلمية رغم تعنت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو واستمرارها في بناء المستوطنات، وكان التوقيع على اتفاقية واي ريفر في الولايات المتحدة الأميركية في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1998.

ثم جرت مباحثات كامب ديفد الثانية التي عُقدت على إثرها في النصف الثاني من يوليو/تموز 2000 قمة ثلاثية جمعت عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الأميركي بيل كلينتون في منتجع كامب ديفد لبحث القضايا العالقة مثل القدس والمستوطنات واللاجئين، وانتهت القمة بعد أسبوعين بالفشل لعدم التوصل إلى حل لمشكلة القدس وبعض القضايا الأخرى.

أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في 8 يناير/كانون الثاني 2001 رفضه للمقترحات الأميركية التي قدمها الرئيس بيل كلينتون للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي تضمنت التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتحويل القدس إلى مدينة مفتوحة فيها عاصمتان واحدة لليهود والأخرى للفلسطينيين.

الوظائف والمسؤوليات

انتخب المجلس الوطني الفلسطيني عام 1969 ياسر عرفات رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (تأسست عام 1964) خلفا ليحيى حمودة، وبدأ مرحلة جديدة في حياته منذ ذلك الحين.

الجوائز

في عام 1994 حصل ياسر عرفات على جائزة نوبل للسلام بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز.

الوفاة

توفي ياسر عرفات في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 في مستشفى بيرسي بفرنسا حيث يعالج، بعد دخوله في غيبوبة عميقة وتعرضه لنزيف داخلي عطل جزءا من الدماغ.

وظهرت على الفور مزاعم بتعرض عرفات لمؤامرة، ويشير كثير من الفلسطينيين بأصابع الاتهام إلى إسرائيل التي حاصرت الرجل في مقره في رام الله بالضفة الغربية خلال آخر عامين ونصف العام من حياته بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. ونفت إسرائيل ضلوعها في أي مؤامرة ودعت القيادة الفلسطينية لإعلان كل سجلاته الطبية التي لم تعلن قط بعد وفاته.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، كشف رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية في وفاة عرفات  اللواء توفيق الطيراوي أن اللجنة توصلت إلى الشخص الذي نفذ عملية الاغتيال، متهما إسرائيل بتحمل المسؤولية.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الطيراوي أن لجنة التحقيق توصلت إلى الشخص الذي نفذ الاغتيال، مضيفا "بقي لغز صغير فقط قد يحتاج إلى وقت لكشف بقية تفاصيل عملية الاغتيال" مضيفا "أؤكد أن إسرائيل تتحمل مسؤولية عملية الاغتيال".

وسبق أن تقدمت سهى عرفات -أرملة الراحل- بشكوى ضد مجهول، لكن الخبراء المكلفين من قبل القضاة الفرنسيين استبعدوا مرتين فرضية الاغتيال.

وفي عام 2012، كشف تحقيق للجزيرة استمر تسعة أشهر عن وجود مستويات عالية من مادة البولونيوم المشع والسام في مقتنيات شخصية له استعملها قبل فترة وجيزة من وفاته -بعد فحوصات أجراها مختبر سويسري مرموق- ليبدأ تحقيق رسمي في الموضوع بدأ باستخراج عينات من رفاته في أواخر 2012.

المصدر : الجزيرة + وكالات