حسن الترابي.. المفكر والمجدد والسياسي السوداني

مفكر وزعيم سياسي إسلامي سوداني، عُرف بكتاباته في مجالات الفكر والدعوة، لكن شهرته كانت في ميدان السياسة التي تقلب في مناصبها وتحالفاتها منذ 1964، فأدخلته السجن عدة مرات.

المولد والنشأة
ولد حسن عبد الله الترابي يوم 1 فبراير/شباط 1932 في مدينة كسلا شرقي السودان لأسرة متدينة ميسورة تنتمي إلى قبيلة البديرية، وقد توفيت أمه صغيرا، وكان والده قاضيا وشيخ طريقة صوفية فحفـّظه القرآن الكريم بعدة قراءات، ودرّسه علوم اللغة العربية والشريعة.

قالت عنه ابنته أمامة (في مقابلة لصحيفة "السوداني" 2010) إنه يحوز في بيته عُدة نجارة يصلح بها الأبواب بنفسه، ويقرأ الشعر خاصة "جمهرة أشعار العرب"، كما يسمع مقطوعات بيتهوفن الموسيقية، ويشاهد أفلام التحقيقات الجنائية.

الدراسة والتكوين
تلقى الترابي تعليمه الأساسي والثانوي بمناطق مختلفة من السودان، ودرس القانون في جامعة الخرطوم فتخرج عام 1955، ثم نال الماجستير من جامعة أكسفورد البريطانية 1957، ودكتوراه الدولة من جامعة السوربون الفرنسية 1964.

أتاحت له سُكناه بالغرب إتقان الإنجليزية والفرنسية والألمانية، واطلع على العلوم والثقافة الغربية.

التوجه الفكري
تعرّف أثناء دراسته في جامعة الخرطوم على فكر جماعة الإخوان المسلمين، فانضم إليها وأصبح من زعماء الإخوان في السودان سنة 1969، لكنه انفصل عن الجماعة فيما بعد واتخذ سبيله مستقلا.

الوظائف والمسؤوليات
بعد إكماله دراسته في الخارج، عاد إلى بلده فاشتغل بالتدريس في كلية القانون بجامعة الخرطوم، وتولى عمادتها 1965 فأصبح أول سوداني يشغل هذا المنصب.

عُين 1979 رئيسا للجنة مراجعة القوانين لأسلمتها، ثم وزيرا للعدل 1981، فمستشارا لرئيس الدولة للشؤون الخارجية 1983. وصار 1988 نائبا لرئيس الوزراء الصادق المهدي ووزيرا للخارجية في حكومته الائتلافية.

أسس 1991 المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي ليشكل منبرا للقضايا الإسلامية تتلاقى فيه عشرات التنظيمات بالعالم، واختير أمينـَه العام.

انتخب 1996 رئيسا للبرلمان السوداني في عهد "ثورة الإنقاذ"، كما اختير أمينا عاما للمؤتمر الوطني الحاكم 1998. وأسس -إثر مغادرته الحكم سنة 1999- "المؤتمر الشعبي" وأصبح أمينه العام.

التجربة السياسية
بدأ الترابي حياته السياسية عضوا في جبهة الميثاق الإسلامية التي كانت تحالفا سياسيا إسلاميا يقوده الإخوان، وتولى أمانتها العامة 1964.

وكانت ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964 على حكم العسكر بالسودان منعطفا مهما في مسيرة الترابي، إذ نقلته من قاعات الدرس الأكاديمي إلى أتون السياسة وصراعاتها.

اعتقِل أعضاءُ جبهة الميثاق 1969 إثر الانقلاب العسكري الذي قاده جعفر نميري، فدخل الترابي في عهده السجن ثلاث مرات، وغادره 1977 بعد مصالحة بين الإسلاميين والنميري أفضت إلى إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية 1983.

سقط نظام النميري 1985 بثورة شعبية فتحت الطريق أمام قيام حكم منتخب، فأسس الترابي 1986 الجبهة الإسلامية القومية التي ترشحت للبرلمان فحلت ثالثة، ودخلت الحكومة الائتلافية برئاسة الصادق المهدي.

وفي سنة 1989 قاد عسكريون لهم صلات بالحركة الإسلامية انقلابا على حكومة المهدي، وأقاموا نظام حكم جديدا كان الترابي القائد الفعلي له، وإن اختير المشير حسن البشير ليرأس الدولة.

بقي الترابي يقود النظام من خلف الكواليس إلى أن نشب خلاف بينه وبين البشير تطور حتى وقع انشقاق في كيان النظام 1999، فخـُلع الترابي من مناصبه الرسمية والحزبية، وأسس 2001 "المؤتمر الشعبي" حزبا معارضا.

اعتقل جهاز الأمن السوداني الترابي أكثر من مرة ولعدة أشهر، تحت دعاوى مختلفة منها "التخطيط لانقلاب عسكري". واعتقل السياسي البارز عام 2009 بعد تأييده اتهامات المحكمة الجنائية الدولية لـ"البشير"، بـ"ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية".

وفي السنوات الأخيرة قبل وفاته، تحسنت علاقة الترابي بالحكومة عندما قبل دعوة للحوار الوطني السوداني طرحها الرئيس البشير وقاطعتها غالبية فصائل المعارضة الرئيسية.

صرح للجزيرة (حوار في 2005) بأن "الحركة الإسلامية لم تقرأ التاريخ الإسلامي جيدا عندما أقدمت على الاستيلاء على السلطة في السودان".

وقال في مقام آخر موضحا فهمه للشريعة الإسلامية: "الشريعة ما يشق مسلكا لكل مشاعر الدين ومظاهره، وهي أصلا شاملة للهدى بكل الحياة: أحوال الوجدان وباطن القلوب ومذاهب الأقوال وطرق الأفعال الظاهرة، دينا حقا شرعه الله هديا لكل الأنبياء..، وفي العهود الأخيرة أصبحت كلمة الشريعة تعني الأحكام القضائية لا الخلقية، وأصبحت مدارس الشريعة تقتصر على أحكام الظاهر القطعية المناسبة للنفاذ قضاءً وسلطانا سياسيا".

أثيرت حول الترابي أحكام متناقضة وأوصاف متباينة، ففي حين يراه أنصاره سياسيا محنكا، وعالما مفكرا مجددا، يجد فيه خصومه سياسيا مخادعا له تعلق لا يحد بالسلطة، ويتهمونه بإصدار فتاوى تخالف قطعيات الدين.

المؤلفات
كتب الدكتور حسن الترابي مؤلفات ومقالات شتى، منها: "تجديد الدين"، و"التفسير التوحيدي"، و"منهجية التشريع"، و"المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع"، و"السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع"، و"ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية".

الوفاة
توفي حسن الترابي يوم 5 مارس/آذار 2016 بوعكة مفاجئة، وفي اليوم التالي شيعت جثمانَه حشود كبيرة من السودانيين في العاصمة الخرطوم.

المصدر : الجزيرة