جان ماري لوبان.. زعيم اليمين المتطرف الذي أشعل فتيل كراهية الأجانب في فرنسا

French founder of the Front national (FN) far-right party Jean-Marie Le Pen poses during a photo session at his home in Saint-Cloud on January 14, 2021. (Photo by JOEL SAGET / AFP) (Photo by JOEL SAGET/AFP via Getty Images)
جون ماري لوبان لا يؤمن بتساوي الأعراق بل يدعي تفوق عرقه تاريخيا (غيتي)

جان ماري لوبان، ولد عام 1928، وهو مؤسس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا، وقد ارتبط اسم لوبان بالحزب منذ تأسيسه، وترأسه عام 1972 قبل أن يتخلى عن منصبه عام 2011 لابنته مارين لوبان، التي واجهت الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية عامي 2017 و2022.

أصيب لوبان بنوبة قلبية خفيفة في 22 مايو/أيار 2023، ونُقل على إثرها إلى مستشفى بمنطقة باريس قبل أن تستقر حالته بعدها بيومين.

النشأة والولادة

وُلد جان ماري لوبان عام 1928 في مقاطعة موربيهان، وهي بلدة ساحلية صغيرة في بريتاني، شمال غرب فرنسا. كان الابن الوحيد لعائلة متواضعة من أب صياد.

حصل لوبان على نموذج تعليمي خاص بريف فرنسا الملتزم بالحفاظ على النزعة الوطنية وتمجيد الشخصيات البطولية في تاريخ البلاد، وهو ما كان يعتبر ثقافة مميزة لفترة ما بين الحربين العالميتين.

الدراسة والتكوين العلمي

يعد اختفاء والده خلال حادث حرب في صيف 1942 بمثابة نقطة تحول في تفكير الوريث الشاب للتوجه إلى "مدرسة الجمهورية الثالثة" للتمسك بالانتماء إلى "الأمة الفرنسية".

بعد حصول لوبان على البكالوريا في الفلسفة، التحق في أكتوبر/تشرين الأول 1947 بكلية الحقوق في ساحة بانتيون بالعاصمة باريس وتخرج من التعليم العالي في العلوم السياسية، وكان يتقن فن البلاغة والخطابة.

انضمام جان ماري لوبان لرابطة "كوربو" اليمينية عزز قناعاته في محاربة الشيوعية ورسم له مساره السياسي (غيتي)

التجربة السياسية

انخرط الشاب جان في حركات اليمين المتطرف خلال حياته الطلابية حيث انضم إلى رابطة طلاب القانون "كوربو" (Corpo) وانتخب رئيسا لها عام 1949، في وقت كانت حدة التوترات بين الطلاب اليمينيين واليساريين في الحي اللاتيني في أوجها.

واعتبر هذا المنصب أول خطوة ترشده في مشواره المستقبلي، فضلا عن السياق السياسي آنذاك والحرب الباردة التي عززت قناعاته بضرورة محاربة الشيوعية لضمان "استدامة الأمة الفرنسية المهددة بالزوال".

تطوع لوبان جنديا للمشاركة في القتال عام 1954 في "الهند الصينية" آنذاك، وبعد عودته بعامين لاحظه السياسي بيير بوجادي، الذي قرر ضمه إلى الاتحاد الفرنسي للدفاع عن تجار وحرفيي فرنسا.

وأطلق على هذا الاتحاد اسم "البوجادية" (نسبة إلى مؤسسه بوجادي) قبل أن يصبح حزبا سياسيا يقاوم التدقيق الضريبي ويرفض دفع الضرائب من قبل التجار ويدافع عن حقوق المهن البسيطة.

واكتسحت "البوجادية" المشهد السياسي في فرنسا وبدأت ملامحها المعادية للسامية والرافضة للأجانب تتكشف حتى أصبحت رمزا للشعبوية في البلاد، وضمت 52 نائبا منتخبا في الجمعية الوطنية عام 1956، بمن فيهم جان ماري لوبان كأول فترة انتخابية له.

واعتبر انضمام لوبان لهذا الحزب فرصة ذهبية لتكريم قناعاته حول القومية وجعل اتحاد التجار والحرفيين قوة جماهيرية حقيقية يمكنها ترسيخ نفسها بشكل دائم في الساحة السياسية من خلال جعل الحزب رأس حربة الدفاع عن "الجزائر الفرنسية" في البرلمان.

Vous pouvez partager un article en cliquant sur les icônes de partage en haut à droite de celui-ci. La reproduction totale ou partielle d’un article, sans l’autorisation écrite et préalable du Monde, est strictement interdite. Pour plus d’informations, consultez nos conditions générales de vente. Pour toute demande d’autorisation, contactez syndication@lemonde.fr. En tant qu’abonné, vous pouvez offrir jusqu’à cinq articles par mois à l’un de vos proches grâce à la fonctionnalité « Offrir un article ». https://www.lemonde.fr/afrique/article/2012/03/16/le-grand-blond-au-poignard_1669337_3212.html Le poignard de Jean-Marie Le Pen. RAPHAEL DALLAPORTA POUR LE MONDE Au matin du 3 mars 1957, Mohamed Cherif Moulay, 12 ans, découvre un poignard dans le couloir d'entrée de la maison familiale, dans la Casbah d'Alger. Accrochée à une ceinture de couleur kaki, l'arme gît dans un recoin obscur. C'est un oubli des parachutistes français qui ont soumis la nuit précédente son père à "la question". Ahmed Moulay, 42 ans, a été torturé à l'eau et l'électricité, en présence de ses six enfants et de son épouse, avant d'être achevé d'une rafale de mitraillette. Le supplicié a les commissures des lèvres tailladées au couteau. Un communiqué de l'armée annoncera qu'il a été abattu alors qu'il tentait de s'enfuir. Quand il trouve ce poignard, Mohamed Cherif Moulay le cache dans le placard du compteur électrique de l'entrée.
الخنجر الذي وجده ابن لجزائري تعرض للتعذيب نُقشت عليه عبارة "جون ماري لوبان، الفوج الأول للمظليين" (ذا فانابيولست)

ماض غامض في الجزائر

أثير جدل كبير حول ما إذ كان الملازم لوبان المتطوع في فوج المظليين بالخارج ارتكب أعمال تعذيب خلال تواجده في الجزائر لمدة 6 أشهر عام 1957.

ففي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1962، قال لوبان في مقابلة مع صحيفة "كومبا" (Combat) "لقد مارسنا التعذيب في الجزائر لأن القيام بذلك كان ضروريا"، لكنه فيما بعد نفى ما قاله موضحا أنه كان يعني بـ"نحن" الجيش الفرنسي و"ليس أنا ورفاقي".

وأكد لوبان أنه "كانت هناك استجوابات خاصة وصعبة.. تحدثنا عن التعذيب، وكان الجيش الفرنسي عائدا من الهند الصينية، ورأى هناك عنفا رهيبا يفوق الخيال ويجعل خلع الأظافر يبدو إنسانيا إلى حد ما.. لذا، نعم، لقد مارس الجيش الفرنسي ذلك للحصول على معلومات خلال معركة الجزائر، لكن الوسائل التي استخدمها كانت الأقل عنفا. كان هناك ضرب وتعذيب كهربائي لكن بدون تشويه أو أي شيء يمس السلامة الجسدية".

وفي عام 1984، كتبت جريدة "لو كانار أونشيني" (Le Canard Enchaîné) أن جان ماري لوبان شارك في أعمال التعذيب أثناء ثورة التحرير الجزائرية التزاما بالتراتبية العسكرية المفروضة آنذاك.

وفي عامي 2000 و2002، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية سلسلة من الشهادات التي كشفت عن طرق التعذيب التي شارك في تنفيذها لوبان في الربع الأول من عام 1957 في الجزائر.

ولعل أهمها "قضية الخنجر"، حيث وجد محمد شريف، وهو ابن لجزائري تعرض للتعذيب أمام زوجته وأطفاله الستة، خنجرا نُقش عليه عبارة "جون ماري لوبان، الفوج الأول للمظليين" (JM Le Pen, 1er REP).

ولا يزال دور لوبان في مواجهة ثورة التحرير الجزائرية محل نقاش حتى اليوم بين اتهامات الصحفيين المعتمدة على حقائق تاريخية وشهادات أو أقوال المؤرخين أو حتى أحفاد الضحايا، وبين إنكاره المستمر لضلوعه في أي فعل من هذا القبيل.

انتهاء الاستعمار وعودة اليمين المتطرف

منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، وضع "البوجادي" السابق مسألة الحفاظ على الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في قلب خطاباته السياسية، معتبرا أن انتهاء الاستعمار كان نتاج الشيوعية العالمية التي سعت إلى حل عظمة فرنسا.

وقد استغل جان ماري لوبان ثورة التحرير الجزائرية لإحياء ثقافة سياسية قومية كانت قد اختفت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، من خلال حزبه الأول "الجبهة الوطنية للمقاتلين".

وبعد نهاية حلم ما كان يسمى بـ"الجزائر الفرنسية" عام 1962، انتقل لوبان من معاداة الشيوعية إلى معاداة الديغولية (نسبة إلى الزعيم الفرنسي الجنرال شارل ديغول)، أي معارضة فرنسا التي أسسها ديغول وتحكمها التكنوقراطي النخبوي، والتي كان يعتقد أنها تقمع الطبقات الاجتماعية الأكثر تواضعا في البلاد.

ولعشر سنوات وعندما كان اليمين المتطرف الفرنسي يغرق في سبات الصمت، انضم لوبان إلى جان لويس تيكسيير فينيكور، مرشح اليمين المتطرف لأول انتخابات رئاسية بالاقتراع العام في ديسمبر/كانون الأول 1965، ليبدأ في تحقيق حلم آخر يتمثل في جمع الحركات اليمينية المتطرفة تحت مظلة حزب اجتماعي ووطني وشعبي يخطط لأن يكون زعيما له.

وبالفعل، تمكن جان ماري لوبان من تأسيس الجبهة الوطنية، جنبا إلى جنب مع فرانسوا دوبرات، بهدف تقديم جبهة موحدة لصالح النهضة الفرنسية في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1972.

الجبهة الوطنية.. قوة شعبية جديدة

ترأس جان ماري لوبان حزب الجبهة الوطنية من عام 1972 إلى عام 2011، وخلالها انتخب مستشارا لبلدية باريس عام 1983 ومستشارا إقليميا في إيل دو فرانس بعد ذلك بثلاث سنوات.

وخلال هذه الفترة، أجرى لوبان تغييرات على خطابه السياسي وتخلى عن المفاهيم الاستعمارية القديمة ليقدم نفسه كـ"محرض ساخر" للمواضيع الاجتماعية الآنية، وهو ما اعتُبر آنذاك تطورا أيديولوجيا يلقي الضوء على المصالح الوطنية والرفض الصريح للهجرة.

ومدفوعا بصدمة النفط في السبعينيات والأزمة الاقتصادية، اشتهر له شعار "مليون عاطل عن العمل يعني مليون مهاجر إضافي"، في محاولة للحد من الآفة الاقتصادية والاجتماعية للبطالة.

أكسبت هذه الثقافة السياسية اليمينية المتطرفة الجديدة زعيم الجمعية الوطنية أول نجاح سياسي له في الانتخابات الأوروبية عام 1984، ووصل إلى منصب عضو في البرلمان الأوروبي وهو ما سمح لحزبه بالخروج بعد فترة طويلة من التهميش.

ورافق لوبان باستمرار ثقافة كراهية الأجانب التي تبناها منذ دخوله المعترك السياسي، ففي عام 1996 قال في مقابلة مصورة "أنا أؤمن بعدم المساواة بين الأعراق، ومن الواضح أن التاريخ يوضح ذلك. ليس لديهم نفس القدرة والمستوى من التطور التاريخي".

مارين لوبان أعلنت سلب أبيها جان منصب الرئاسة الفخرية لحزب التجمع الوطني بسبب تصريحاته (غيتي)

لوبان.. المرشح المناهض للنظام

اتخذت خطابات لوبان منحى مختلفا ليصور نفسه أمام الفرنسيين على أنه المرشح المناهض للنظام ويجمع حوله عددا كبيرا من الناخبين من المتطرفين التقليديين، مقتنعا بأن الحفاظ على إستراتيجية الانفصال عن النظام يمثل التكتيك الأصح للارتقاء في السلم السياسي.

وفي عام 1986، عاد لوبان إلى الجمعية الوطنية مع 34 نائبا آخرين بفضل التصويت النسبي، وبعد هزيمته في الانتخابات التشريعية عام 1988، حصل على 14٪ من الأصوات الرئاسية في الانتخابات في العام ذاته.

ويمكن القول إن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة شكلت حجر الأساس في خطابات لوبان حول الأمن القومي وأيديولوجية اليمين المتطرف، واستخدمها بشكل يدعم خطاباته، بعد أن دمج في فرنسا القضية الدينية الإسلامية وانعدام الأمن والإرهاب الإسلامي، وهو ما حدد إيقاع حملته الانتخابية لعامي 2002 و2007.

وخلق جان ماري لوبان المفاجأة خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 21 أبريل/نيسان 2002 حيث وصل إلى المركز الثاني خلف جاك شيراك بنتيجة 16.86٪، لكن انتخابات 2007 أكدت تراجعه السياسي بنسبة أصوات لم تتعدّ 10.58٪ في الجولة الأولى.

وفي يناير/كانون الثاني 2011، سلّم السلطة لابنته مارين لوبان التي تولت رئاسة الجبهة الوطنية في مؤتمر الحزب الرابع عشر، ليصبح بعدها الرئيس الفخري للحركة.

لكن مع اختلاف توجهات الأب عن ابنته، أعلن جان مارين لوبان أنه لا يحب "إستراتيجية نزع الشيطنة" (عن الحزب وتلميع صورته) التي اختارتها ابنته عام 2015، حيث غيرت مارين اسم حزبها من "الجبهة الوطنية" إلى "التجمع الوطني" وغيرت سياساتها محاولة تخليص الحزب من تهمة التطرف.

وبسبب إحدى مقابلات جان ماري لوبان التي وصف فيها غرف الغاز بأنها "تفاصيل عن تاريخ الحرب العالمية الثانية" في إحدى المقابلات، أعلنت مارين ابنته سلب رئاسته الفخرية للحزب بشكل نهائي.

وقد ترك انهيار القوتين الشعبيتين التقليديتين في فترة ما بعد الحرب ـالمتمثلتين في الحزب الشيوعي والكنيسة الكاثوليكيةـ فراغا شعبيا كبيرا في السبعينيات سارعت الجبهة الوطنية إلى ملئه من خلال شعاراتها الشعبية المتجددة ليقدم جان ماري لوبان نفسه بمثابة "الملجأ الشعبي والمنقذ الوحيد للأمة والمصالح الوطنية".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية