موقعة الجمل.. النقطة المفصلية في الإطاحة بمبارك

موقعة الجمل تسمية تطلق في مصر على تعرض المتظاهرين في ميدان التحرير وسط القاهرة إبان ثورة 25 يناير لهجوم دبره مؤيدو الرئيس المخلوع حسني مبارك ونفذوه باقتحام المعتصمين بالجمال والبغال والخيول لإرغامهم على إخلاء الميدان.

بعد أسبوع من اندلاع ثورة 25 يناير الشعبية السلمية التي تطالب برحيل مبارك ونظامه، هاجم عدد من البلطجية المتظاهرين في ميدان التحرير يوم 2 فبراير/شباط 2011 بالحجارة والعصي والسكاكين وقنابل الملوتوف، وامتطى آخرون الجمال (ومن هنا جاءت تسميتها موقعة الجمل) والبغال والخيول ملوحين بالسيوف والسكاكين والعصي.

سير الأحداث 
مع منتصف اليوم أعلن التليفزيون المصري الرسمي أن عناصر من مثيري الشغب توجهت إلى ميدان التحرير لقذف كرات من اللهب على المتظاهرين، وطالب المعتصمين في الميدان بـ"مغادرته فورا حرصا على سلامتهم".

بعد ساعات اعتلى مجهولون أسطح البنايات القريبة من ميدان عبد المنعم رياض، المتاخم لميدان التحريروأخذوا يقذفون المعتصمين بالحجارة وزجاجات المولوتوف الحارقة، وسمع دوي إطلاق النار. كما خرجت مسيرات مؤيدة لمبارك من "ميدان مصطفى محمود" متجهة إلى ميدان التحرير، داعية إلى اقتحامه وطرد المعتصمين منه.

تبادل المحتجون في ميدان التحرير رسائل على مواقع التوصل بأنه تم حشد أعداد كبيرة من أعضاء الحزب الوطني "المنحل" الذي كان يترأسه مبارك، وقيام رجال أعمال موالين لمبارك بالاستعانة بـ"بلطجية" للاشتباك مع المحتجين مقابل 400 جنيه (68 دولارا) للفرد.

بعد عصر ذلك اليوم هاجمت مجموعة من مؤيدي مبارك الميدان من المدخل الشمالي للميدان، ممتطية جمالا وخيولا. وسرعان ما تحول الأمر إلى اشتباكات عنيفة بالحجارة استمرت ساعات طويلة. ومع استمرار سقوط الضحايا، أقام المعتصمون مستشفى ميدانيا لعلاج الجرحى الذين قدروا بالمئات ولقي سبعة أشخاص مصرعهم، وفق وزارة الصحة.

الرسالة وصلت
مع نهاية اليوم نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، عن نائب رئيس الجمهورية آنذاك عمر سليمان، قوله إن رسالة المشاركين في هذه التظاهرات "قد وصلت سواء من تظاهر منهم مطالبا بالإصلاح بشتى جوانبه، أو من خرج معبرا عن تأييده للسيد رئيس الجمهورية".

تجددت الاشتباكات مرة أخرى في اليوم التالي 3 فبراير/شباط 2011 بين البلطجية والمتظاهرين العزل مما أدى إلى سقوط بعض القتلى بالرصاص الحي ومئات الجرحى بيد قناصة اعتلوا أسطح المباني المطلة على الميدان وبلغ عدد ضحايا اليومين من المتظاهرين وفق وزارة الصحة المصرية 14 قتيلا و1500 مصاب.

نقطة مفصلية
شكلت موقعة الجمل نقطة مفصلية في مسار ثورة 25 يناير، وأنهت تعاطفا عارضا مع خطاب "عاطفي" ألقاه مبارك مساء الأول من فبراير/شباط 2011، قال فيه "لم أكن أنتوي لأن أترشح مجددا في الانتخابات الرئاسية"، وإنه ولد وعاش في هذا البلد وحارب من أجله وسيموت على أرضه، مطالبا المعتصمين بمغادرة ميدان التحرير.

أكسبت موقعة الجمل المتظاهرين تعاطف الكثير من المصريين فنزلوا إلى الشارع للمشاركة في الاعتصام وزادت تمسك الشباب باستكمال ثورتهم حتى رحيل مبارك.

ومع نهاية اليوم الثاني لموقعة الجمل، خفتت المظاهرات المؤيدة لمبارك، مقابل زيادة التعاطف الشعبي مع المتظاهرين الرافضين لحكمه، وتظاهر مئات الآلاف في ميدان التحرير لمطالبة مبارك بالتنحي فيما أطلقوا عليه "جمعة الرحيل".

متهمون
طالت تهمة الإعداد لموقعة الجمل 25 متهما بينهم عدد من رموز نظام مبارك أبرزهم الأمين العام السابق للحزب الوطني صفوت الشريف، ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور، ووزيرة القوى العاملة عائشة عبد الهادي، ورئيس اتحاد العمال الأسبق حسين مجاور ورجل الأعمال وعضو الهيئة العليا للحزب الوطني إبراهيم كامل، ورجل الأعمال محمد أبو العينين، ومرتضى منصور رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك.

 المحاكمة
في 11 سبتمبر/أيلول 2011، بدأت أولى جلسات محاكمة المتهمين في "موقعة الجمل" ووجهت النيابة إليهم اتهامات بقتل متظاهرين، والشروع في قتل آخرين، وإحداث عاهات دائمة فيه، والاعتداء عليهم بالضرب بقصد الإرهاب، واستئجار مجموعات من البلطجية للاعتداء على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير، وتحريضهم على فض التظاهرات المناوئة لمبارك بالقوة والعنف.

وتضمنت قائمة أدلة الثبوت -الواقعة في 55 صفحة- أقوال 87 شاهد إثبات بينهم صحفيون، ومحامون، وأطباء، ورجال أعمال، وموظفون، وأعضاء بالحزب الوطني، وخيالة بمنطقة نزلة السمان القريبة من أهرامات الجيزة التي جاء منها المهاجمون.

السيسي يعظ
خلال جلسات المحكمة قال محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين في شهادته إن ضابطا في المخابرات العامة المصرية برتبة لواء -أوضح فيما بعد أنه عبد الفتاح السيسي– اجتمع به في مكتب شركة للسياحة بميدان التحرير قبل موقعة الجمل، أكد له أن أنصار مبارك سيخرجون في مظاهرات تأييد له وسيأتون إلى ميدان التحرير، طالبًا منه "انسحاب المتظاهرين من الميدان حتى لا يقع صدام بين الجانبين يتسبب في إراقة الدماء".

وأضاف البلتاجي "قلت للواء كيف تسمحون لهؤلاء البلطجية بالدخول إلى ميدان التحرير فرد قائلًا إنهم مواطنون مصريون يريدون التعبير عن رأيهم بتأييد الرئيس"، فرد البلتاجي قائلًا "هل ضاق بهم ميدان مصطفى محمود وكل ميادين مصر للتظاهر فيها؟ ومن الممكن أن يتم فتح ملعب القاهرة الذي يستوعب الآلاف إن كانوا يريدون التعبير عن رأيهم"، فكان رد اللواء "هم يريدون التعبير عن رأيهم بميدان التحرير مثلكم ولا أستطيع منعهم".

البراءة
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة، ببراءة جميع المتهمين في موقعة الجمل، ثم أغلقت محكمة النقض في وقت لاحق ملف القضية نهائيا برفض الطعن المقدم من النيابة في أحكام البراءة، وأمر النائب العام حينئذ هشام بركات في مذكرة قانونية بحفظ التحقيق في أحداث موقعة الجمل.

المصدر : الجزيرة