فدرالية الأكراد.. مشروع يرفضه الداخل والخارج

فدرالية أعلنت قيامها قوى كردية خلال اجتماع لها بشمالي سوريا في مارس/آذار 2016، ويتولى إدارتها مجلس تأسيسي بنظام رئاسي مشترك. وقد أعلنت قوى داخلية وخارجية رفضها المطلق لهذا الإعلان. وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه الولايات المتحدة ونظام بشار الأسد الذي اعتبره "غير قانوني".

"روج آفا"
أعلن الأكراد في سوريا يوم 17 مارس/آذار 2016 إنشاء نظام فدرالي في مناطق سيطرتهم شمالي البلاد، وذلك خلال اجتماع عُقد في مدينة الرميلان بمحافظة الحسكة شمال شرقي البلاد.

ويقضي الإعلان بتشكيل مجلس تأسيسي للفدرالية ونظاما رئاسيا مشتركا، حيث أشاد ممثلو كل من حزب الاتحاد الديمقراطي (الحزب الكردي الأهم بسوريا) وحركة المجتمع الديمقراطي الكردية بالمشروع، واعتبروه خطوة إيجابية للأكراد.

والمناطق المعنية بالنظام الفدرالي هي المقاطعات الثلاث ذات الأغلبية الكردية: عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي، وعفرين في ريف حلب الغربي، ومنطقة الجزيرة في محافظة الحسكة. بالإضافة لتلك المناطق التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية بداية 2016، خصوصا في محافظتي الحسكة وحلب.

وشارك في اجتماع الرميلان أكثر من 150 ممثلا عن شمالي سوريا، إضافة إلى الأحزاب الكردية الأساسية، وحضر اللقاء كذلك ممثلون عن عشائر عربية وسريان وآشوريين وتركمان وأرمن.

وتصاعد نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة الثورة السورية عام 2012 مقابل تقلص سلطة النظام في المناطق ذات الأغلبية الكردية، وأعلن الأكراد إقامة إدارة ذاتية مؤقتة في المقاطعات الثلاث التي أطلق عليها "روج آفا" أي "غرب كردستان".

"النموذج الأفضل"
تعتبر حركة المجتمع الديمقراطي الكردي -وهي ائتلاف أحزاب كردية أبرزها الاتحاد الديمقراطي الذي هو نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني– المرجعية السياسية للإدارات الذاتية المعلنة في ثلاث مناطق سورية، وأيضا لقوات حماية الشعب الكردية، ومعها قوات الشرطة والأمن الداخلي (الأساييش).

ولطالما تجنبت حركة المجتمع الديمقراطي الإشارة الصريحة للفدرالية، إلا أن العضو البارز فيها آلدار خليل صرح بعزمهم الإعلان عن الفدرالية في المناطق الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية.

وقال خليل -في تصريح للجزيرة نهاية فبراير/شباط 2016- إن "أفضل نموذج يمكن اعتماده في سوريا، هو النظام الاتحادي الذي يمنح لكل منطقة خصوصية جغرافية، وذلك بامتلاكها إدارات خاصة كنموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية، تفاديا لحدوث أي تقسيم في البلاد".

وأضاف أنه لا بد من وجود آلية لتوطيد روابط التواصل بين تلك الإدارات من خلال نظام اتحادي وفق دستور سوريا ونمطها الإداري. وبات المجلس الوطني الكردي يمثل المعارضة السياسية الكردية لسلطة الأمر الواقع التي تقودها حركة المجتمع الديمقراطي شمالي سوريا.

وكان رئيس المجلس الوطني الكردي إبراهيم برو قد أوضح -في تصريح خاص للجزيرة في فبراير/شباط 2016- أن "المجلس طالب منذ البداية بالفدرالية"، مشيرا إلى أنه قدم طلبا رسميا للمبعوث الأممي ستفان دي ميستورا بشأن ذلك منذ 2015، وأكد أن الدولة الفدرالية هي التي تجعل الجميع يرى مكانه المناسب، والفدرالية الحقيقية هي الضامن لبقاء سوريا موحدة".

رفض داخلي
وقد أعلنت مجموعة من شيوخ العشائر السورية والضباط الذين ينتمون لمحافظات دير الزور (شرقي البلاد) والرقة (شمال وسط) والحسكة (شمال شرق) يوم 18 مارس/آذار 2016، رفضها القاطع لفكرة الفدرالية أو التقسيم.

بينما قال المتحدث باسم تيار المستقبل الكردي علي تمو من مدينة عين العرب (كوباني) إن لديهم تحفظات كثيرة على هذه المساعي، متسائلا "أين الحكومة المركزية التي ستتبعها الفدرالية؟ وأين الدستور الذي يقرها؟".

وأشار تمو -في اتصال مع الجزيرة- إلى أن هذه المساعي بعيدة كل البعد عن الإجماع السوري والكردي، وتفتقر إلى الطرق القانونية.

كما حذر الائتلاف المعارض من تشكيل كيانات أو مناطق أو إدارات تصادر إرادة الشعب السوري، مؤكدا أن "لا مكان لأي مشاريع استباقية تصادر إرادة الشعب".

واعتبر جورج صبرة نائب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة أن الخطوة الكردية "غير شرعية وغير مقبولة".

مواقف أجنبية
رغم دعمها لـوحدات حماية الشعب الكردية عسكريا، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها "لن تعترف بمناطق ذات حكم ذاتي في سوريا".

وبحسب المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر فإن واشنطن لن تعترف بأي إعلان أحادي الجانب بشأن حكم ذاتي أو مناطق شبه مستقلة بسوريا، وأن أي تصريح أو إعلان سياسي من طرف أي جهة خارج نطاق مفاوضات جنيف لن تعترف به الولايات المتحدة.

ولا تتوقف حساسية الموضوع عند الأميركيين الذين يرون أن حفظ التوازن بين المكونات السورية مسألة أساسية، فتركيا أكدت مرارا أنها ترفض قيام أي كيان كردي شمال سوريا وتعتبره تهديدا أمنيا لها.

وقد أكد الباحث والكاتب التركي المتخصص في الشؤون الكردية عبد الوهاب آكنجي -في تصريح للجزيرة نت في فبراير/شباط 2016- أن الفدرالية ليست هي المشكلة، فهي في النهاية شكل من أشكال الإدارة، لكن المشكلة -بحسب رأيه- تكمن في ما بعد الفدرالية.

ويرى آكنجي أن قيام كيان كردي فدرالي في سوريا يعد خطوة لضرب العمق التركي لاحقا وتفتيته كما يحصل في كل من سوريا والعراق، وهو ما يعني أن تركيا ستواجه هذا المشروع بالأساليب الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، وأنها مستعدة للقتال من أجل وحدتها.

وحسب قوله؛ فإن حصول الأكراد على حقوقهم كاملة هو أمر طبيعي يعالج ضمن الحقوق الطبيعية للشعوب في كل دولة، لكن على ألا تكون دافعا لتمزيق الدول وإثارة الفوضى فيها، ومن ثم فاستثمار ما سماها مَقتلة الشعب السوري المذبوح لبحث ملفات أخرى هو خطأ، وأهم حق يجب بحثه هو حق السوريين في الحياة وهو ما لم يتحقق لهم بعد، على حد تعبيره.

الأسد رافض
وردا على الخطوة الكردية، أعلن النظام السوري أن تشكيل النظام الفدرالي الكردي "غير قانوني" ولن يكون له أي "تأثير سياسي".

وحذرت وزارة الخارجية السورية المجموعات الكردية من مغبة إعلان نظام فدرالي شمالي البلاد، معتبرة أنه تعد على وحدة الأراضي السورية، وأن إعلان الفدرالية "لا قيمة قانونية له ولن يكون له أي أثر قانوني أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، طالما أنه لا يعبر عن إرادة كامل الشعب السوري بكل اتجاهاته السياسية وشرائحه المتمسكين جميعا بوحدة بلادهم أرضا وشعبا".

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية