الثورة الصناعية

Hyundai Motor's sedans are assembled at a factory of the carmaker in Asan, about 100 km (62 miles) south of Seoul, in this January 22, 2013 file photo. South Korea is expected to release industrial output figures this week. REUTERS/Lee Jae-Won/Files GLOBAL BUSINESS WEEK AHEAD PACKAGE - SEARCH 'BUSINESS WEEK AHEAD JANUARY 25' FOR ALL IMAGES
توالي الطفرات الصناعية الهائلة زاد كثافة ونوعية الإنتاجية في الاقتصاد العالمي مما أوصله إلى آفاق غير مسبوقة (رويترز)

الثورة الصناعية تحولاتٌ علمية واقتصادية واجتماعية كبرى شهدتها بريطانيا ثم أوروبا نهاية القرن الـ18، نتيجة نشوءِ التقانة مع اكتشاف الآلة البخارية، مما أثر بعمق في تراتبية قطاعات الإنتاج من حيث إسهامها في الاقتصاد.

وهكذا احتلت الصناعة مكانة ريادية بدل الزراعة بعد أن تحولت الأولى من النمط التقليدي اليدوي إلى نمط أكثر حداثة وأغزر إنتاجا وتتمتع الآلة فيها بمكانة مركزية.

النشأة التاريخية
تفجرت الشرارة الأولى للثورة الصناعية في بريطانيا باكتشاف الآلة البخارية في ستينيات القرن الثامن عشر، فتسارعت وتيرة ازدهار صناعة النسيج والصلب وهما أهم الصناعات يومها. وبعد ذلك انتشرت الظاهرة إلى باقي أرجاء أوروبا ثم أميركا الشمالية في مطالع القرن التاسع عشر.

والواقع أن قيام الثورة الصناعية يبقى في المقام الأول تتويجا منطقيا لتطور علمي هائل جاء ثمرة النهضة الأوروبية التي قامت قبل ذلك بقرنين، كما أنه -بدرجة أقل- نتيجة منتظرة لازدهار الصناعة التقليدية والتجارة العالمية، مع ما رافق ذلك من بروز الحاجة إلى وسائل وأدوات إنتاجية تُمكن من الاستجابة للحاجة المتزايدة للسوق العالمية التي لم تعد الصناعة التقليدية اليدوية قادرة على تلبيتها.

بيد أنه لا بد من إبراز حقيقة أن تطور إنتاج الفحم الحجري في بريطانيا -وهو مصدر الطاقة الأهم في العالم حينها- فتح عيون الفاعلين الاقتصاديين على استشراف آفاق توظيف هذه الإمكانيات على نحو أنجع بإدماجها في القاعدة الإنتاجية.

ترسخت الثورة الصناعية أولا في بريطانيا، فازدهرت صناعة النسيج واستخراج الفحم الحجري وصناعة الصلب، وتوسعت شبكات المواصلات وظهرت الجسور الحديثة، وإن كانت السكك الحديدية لم تظهر إلا في أواسط القرن الموالي.

وعلى المستوى الاجتماعي نشأت طبقة عاملة حول المناطق الصناعية وظهرت حرف صناعية، وبدأ الواقع الجديد يُغير بشكل ملموس أنماط العيش وعادات الناس، وأخذ مفهوم التمدن في التبدل فأصبح معياره الأساسي وجود المصانع التي باتت تميز الحواضر الكبرى عن الوسط القروي، الذي كان في أغلبه لا يزال يعيش عصر ما قبل الصناعة.

ويرى مؤرخون أن الثورة البريطانية امتدت من 1770 إلى 1830، وهو ما مكّن بريطانيا من تحقيق تفوق هائل جعلها القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم إلى أواسط القرن العشرين.

ومع بدايات القرن التاسع عشر، عرفت دول أوروبا -وعلى رأسها فرنسا– التصنيع متأثرة بالثورة الصناعية البريطانية، وقد دخلت فرنسا عصر التصنيع بشكل فعلي بعد ثورة 1789 وتحديدا خلال ما يُعرف بفترة "ملكية يوليو"، أي في حدود سنة 1830.

وفي تلك المرحلة، كانت ألمانيا هي الأخرى -ومعها أغلب بلدان أوروبا الغربية- تخطو على نفس الطريق، كما انتشر إشعاع الثورة الجديدة إلى أميركا الشمالية. ولم تصبح ألمانيا دولة صناعية إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، متخلفة عن سويسرا وبلجيكا اللتين عرفتا التصنيع على نطاق هام منذ أربعينيات ذلك القرن.

الطفرات الكبرى
تفجرت الثورة الصناعية الثانية أواخر القرن التاسع عشر باكتشاف الباحث الأميركي تومس إديسون للكهرباء والمصباح الكهربائي الذي شاع استعماله اعتبارا من 1880، كما رافق هذا التحول الهائل اكتشاف البترول والطفرة الكبيرة في الصناعة الكيميائية التي صاحبت إنتاجه.

وقد انتشر استخدام الطاقة الكهربائية في المجال الصناعي على نطاق واسع في نهايات القرن التاسع عشر، كما بدأ البترول يحل محل الفحم الحجري كمصدر أساسي للطاقة. وقد نتج عن هذا التحول ظهور أنواع جديدة من المعادن تُنتج في أغلبها أثناء عمليات تسخين معادن أخرى أو بخلطها أو تفكيكها كيميائيا.

وقد تعززت مكانة البترول بالإنجازات العلمية المحققة في اتجاه ابتكار المحرك الانفجاري الذي سيصبح حقيقة مع بداية القرن العشرين، ليدخل العالم عهد السيارة ذات المحرك التي شكلت تحولا جذريا في مفهوم المواصلات.

وقد مكّن اكتشاف الكهرباء كذلك من ازدهار الصناعات الدقيقة التي كان المحرك الانفجاري أول تجلياتها، ومهد هذا التحول لشيوع استخدام القطار ذي المحرك بعد أن ظلت عربات القطارات تجرها الخيول عقودا طويلة بعد انطلاق الثورة الصناعية الأولى.

وبعد ذلك توالت الإنجازات العلمية بابتكار طرق لتكثيف الموجات الصوتية وظهور التلفون والإذاعة والتلفزيون والطائرة.

وقبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، عرف العالم القنبلة النووية بعد أن لجأت إليها الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة باليابان فألقت قنبلتين نوويتين على مدينتيْ هيروشيما وناكازاكي فدمرتهما.

تواصل استخدام الطاقة النووية عسكريا إلى حدود ستينيات القرن العشرين، حيث ظهرت استخدامات أخرى لهذه الطاقة الهائلة خاصة في مجال الطب والصناعات الدقيقة. ونتيجة لذلك، ظهرت معادن جديدة بعد أن وفرت الطاقة النووية إمكانية الحصول عليها من معادن أخرى، عبر التكثيف والتسخين والتفكيك الكيميائي والذري.

وهكذا ظهر السليكون والسراميك والصمغ الصناعي أو (الريزينْ)، وهي مواد ساهمت بشكل كبير في ثورة صناعية جديدة كان أبرز مجالاتها قطاع الاتصالات، الذي شهد في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين طفرات هائلة جعلت العالم "قرية واحدة".

تعززت هذه الطفرات بعد إطلاق مشاريع غزو الفضاء وما ترتب عليها من ظهور البث التلفزي الفضائي، ثم الإنترنت التي بدأت شبكة اتصالات سرية للجيش الأميركي ثم أتيحت للاستخدامات المدنية والتجارية في بداية تسعينيات القرن العشرين.

ويرى باحثون أن العالم مقدم على طفرات أخرى قد تبلغ حدودَ الثورة الجديدة، وذلك في ضوء البحوث الجارية في مجاليْ "تقنية النانو" والخلايا الجذعية، والتي يُتوقع أن تنقل العالم إلى واقع جديد تنقلب فيه مفاهيم العلوم الدقيقة رأسا على عقب.

وقد تأكد هذا الاعتقاد مع الإعلان -في فبراير/شباط 2016- عن نجاح خبراء أوروبيين وأميركيين في رصدِ موجات الجاذبية التي تحدث عنها ألبرت آينشتاين في نظريته الشهيرة حول "الثقوب السود".

المصدر : الجزيرة