ماذا تعرف عن "إعادة الانتشار"؟

epa04465906 A handout photograph made available by the British Ministry of Defence showing British military personnel arriving at Kandahar Airfield, Afghhanistan, 27 October 2014, having departed Camp Bastion, Helmand Province, for the final time. British Armed Forces have left the Bastion-Leatherneck complex, the final camp in Helmand Province, for the last time, handing the base over to 215 Corps of the Afghan National Army (ANA). British troops and United States Marine Corps (USMC) personnel who had been serving under the International Security Assistance Force?s (ISAF) Regional Command (Southwest) (RC (SW)) redeployed to Kandahar after formally marking the end of combat operations at a ceremony 27 October 2014. Helicopters and aircraft from the British and US moved personnel to Kandahar Airfield in preparation for their return home. EPA/CPL ANDREW MORRIS (RAF) / BRITISH MINISTRY OF DEFENCE / HANDOUT MANDATORY CREDIT: CROWN COPYRIGHT HANDOUT EDITORIAL USE ONLY/NO SALES
لا تجري عملية إعادة الانتشار إلا لتحقيق أهداف معينة تتراوح بين أهداف تنظيمية إجرائية وأخرى إستراتيجية حيوية (الأوروبية)

تعني "إعادة الانتشار" في القاموس العسكري إعادة تموضع القوات لتحقيق هدف معين بناء على تحديات ميدانية أو أمنية أو معطيات إستراتيجية أو تكتيكية. وقد تكون عملية إعادة الانتشار من إقليم إلى إقليم آخر، وفي أحيان أخرى تتم في الإقليم نفسه.

دوافع متعددة
قد ترتبط عملية إعادة الانتشار بمعطى طارئ ذي طبيعة أمنية مثل تنفيذ اعتداء أو ورود معلومات عن إمكانية حدوث ذلك، وقد يكون لدوافع تنظيمية بحتة، كما قد يكون استكمالا لقرار سياسي معين كإخلاء منطقة محتلة أو الانسحاب من أخرى كانت القوات تُنفذ فيها مهمة محددة.

ويحدث أن تجري عملية إعادة الانتشار بعد وقف لإطلاق النار أو توقيع اتفاق سلام يقضي بإخلاء بعض المناطق. كما قد يكون نتيجة خطوة أحادية مثل إعادة إسرائيل انتشار جيش احتلالها بعد قرار رئيس وزرائها الأسبق أرييل شارون الانسحاب العسكري من قطاع غزة في 2005، الذي جاء بسبب ضغط عمليات المقاومة الفلسطينية المنطلقة من القطاع.

وعلى نطاق أوسع؛ قد تكون إعادة الانتشار جزءا من إستراتيجية عسكرية جديدة ترمي إلى تحقيق أهداف مختلفة تماما عن سابقتها، مما يتطلب إعادة نشر القوات وفق قاعدة الأهداف الجديدة والمناطق الإستراتيجية ومناطق النفوذ المستهدفة، كعمليات إعادة الانتشار التي تنفذها جيوش القوى الكبرى للتجاوب مع التغيرات الإستراتيجية والأمنية الدولية.

ومن نماذج ذلك، إخلاء الجيش الأميركي قواعد عسكرية في آسيا وإقامته أخرى في دول الخليج إثرَ حرب "عاصفة الصحراء" ضد العراق (عام 1991) ونهاية الحرب الباردة، ثم إقامته في مرحلة لاحقة قيادة عسكرية في أفريقيا (أفريكوم) مع بروز تحديات أمنية وجيوستراتيجية واقتصادية جديدة في القارة الأفريقية.

أهداف ونماذج
لا تجري عملية إعادة الانتشار إلا لتحقيق أهداف معينة تتراوح بين أهداف تنظيمية إجرائية وأخرى إستراتيجية في منتهى الحيوية.

وبالنسبة للقوى العالمية الكبرى، فإن عمليات إعادة الانتشار باتت بالغة الحيوية مع تحول القوة العسكرية من عامل حسم للحرب إلى فاعل أساسي في كسب رهانات السلام، وعلى رأسها الرهان الاقتصادي الوثيق الصلة بالمصالح الإستراتيجية التي بات تحقيقها مرتبطا بالقدرة على التأثير الاقتصادي والسياسي أكثر من ارتباطه بالتفوق العسكري الخالص.

وتسعى القوى الكبرى بشكل دؤوب إلى مراقبة المناطق الإستراتيجية في العالم كالمضائق والممرات المائية، كما تولي أهمية كبيرة لمناطق الصراع لما قد يترتب عليها من تهديد أمني لمصالحها. أما المناطق الغنية بالمعادن والطاقة فقد شكلت منذ الثورة الصناعية أحد أهم دوافع الحملات الاستعمارية.

وتسعى القوى العالمية على تفاوتها إلى التجاوب بسرعة مع المتغيرات التي يعرفها العالم على المستوى الإستراتيجي، وبالتالي فإنها توجه قواتها وفق أهدافها في المراحل المقبلة. وفي هذا الباب تدخل إعادة الانتشار التي قد تكون ناتجة عن تغييرات كبرى في طبيعة القوة العسكرية للدولة نفسها، كخفض عديدها مثلا أو تقليص الميزانية لأسباب اقتصادية.

وأحيانا يكون دافع إعادة الانتشار إستراتيجياً بحتاً، فمثلا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي الذي شكل أهم عدو للغرب في العقود الأربعة اللاحقة على الحرب العالمية الثانية، أجرت الدول الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة– عملياتِ إعادة انتشار عسكري واسعة.

ومع تنامي حضور المجموعات المسلحة في الساحل الأفريقي في أواسط العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بدأت أميركا والدول الغربية عموما تمنح أهمية متزايدة لهذه المنطقة التي تصنف ضمن أفقر مناطق العالم، رغم أنها من أغناها بالثروة المعدنية ومصادر الطاقة.

وفي سياق هذا الاهتمام، تأتي إقامة قيادة عسكرية أميركية خاصة بأفريقيا (أفريكوم) بدأت جزءا من "قيادة أوروبا" في شتوتغارت بألمانيا، ثم ما لبثت أن استقلت بنفسها وباتت ذراعا قوية تسهر على مصالح الولايات المتحدة في أفريقيا فضلا عن مهمتها العسكرية والأمنية.

وبدرها، استفادت فرنسا من الواقع الأمني في الساحل الأفريقي لتعود إلى المنطقة بقوة، لا سيما من خلال تدخلها العسكري في مالي مطلع عام 2013 ثم في أفريقيا الوسطى في العام الموالي. وقد أتاح هذا التدخل لفرنسا إعادة تنشيط قواعدها العسكرية خاصة في النيجر ومالي وتشاد وأفريقيا الوسطى.

وبعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، عزز حلف شمال الأطلسي بشكل تدريجي قواته في شرقي أوروبا، وأعاد انتشارها في عدد من البلدان أبرزها رومانيا وبولندا ودول البلطيق، بذريعة حماية دول شرقي القارة مما سماها الطموحات التوسعية الروسية التي كشفها ضم القرم.

المصدر : الجزيرة