الشعبوية.. تيار سياسي يرسم ملامح مستقبل الغرب

Republican presidential candidate Donald campaigns at a rally at Loudon Fairgrounds in Leesburg, Virginia, USA, 07 November 2016. Republican Donald Trump is running against Democrat Hillary Clinton in the election to choose the 45th President of the United States of America to serve from 2017 through 2020.
ترشح ترمب وفوزه برئاسة أميركا أعطى دفعا قويا للتيار السياسي الشعبوي في البلدان الغربية (الأوروبية)

"الشعبوية" تيار سياسي يقوم على "تقديس" الطبقات الشعبية في بلد ما ويتبنى خطابا سياسيا قائما على معاداة مؤسسات نظامه السياسي ونخبه المجتمعية. تكاثرت أحزابه وحركاته في البلدان الغربية خاصة، مما أجج مخاوف من آثار ذلك على استقرار النظم الحاكمة فيها.

النشأة والدلالة
تعود نشأة "الشعبوية" إلى الفترة الواقعة بين ثلاثينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر، حين بدأت نزعتها في كل من روسيا القيصرية والولايات المتحدة. وكانت في الأصل تُطلق على حركة زراعية ذات ميول اشتراكية سعت لتحرير الفلاحين الروس حوالي 1870، وتزامنت مع تنظيم احتجاجات في الريف الأميركي موجهة ضد المصارف وشركات السكك الحديدية.

وبحلول منتصف القرن العشرين أخذ هذا المصطلح صبغة وطنية واجتماعية حررته من الارتباط بالتوجه الاشتراكي، خاصة في منطقة أميركا اللاتينية ولا سيما الأرجنتين.

ورغم أن خبراء في علوم السياسة والاجتماع يقولون إنه من الصعب تحديد المراد بتعبير "الشعبوية" لأنه لفظ محمل بمدلولات مختلفة بل ومتناقضة أحيانا؛ فإن آخرين يرون أنه يشمل كل خطاب سياسي موجه إلى الطبقات الشعبية في بلد ما، وقائم على انتقاد نظامه السياسي ومؤسساته القائمة ونخبه المجتمعية ووسائل إعلامه.

ولذلك فإن الخطاب "الشعبوي" -الذي يتسم بالتبسيط الشديد لقضايا مجتمعية معقدة- يحمله عادة سياسيون يحظون بكاريزما، ويبحثون عن دعم شعبي مباشر بتحديهم المؤسسات التقليدية الديمقراطية في بلدهم، فيتلاعبون بعواطف الناس وأفكارهم لغايات سياسية، ويعتبرون أنفسهم هم الصوت الوطني الأصيل وممثلي المواطنين العاديين أو من يسمونهم "الطبقات المنسية".

وهم بذلك يوصفون بأنهم ذوو نزعة في التفكير السياسي رافضة لفكرة التنوع المجتمعي ومؤمنة بالتعارض بين الشعب والنخب، وجانحة للغوغائية والفوضوية المتوسلة بمحورية دور "الشعب" -الذي يختلف مفهومه ما بين حركة "شعبوية" وأخرى- في الممارسة السياسية، والقائمة علي التوظيف السياسي لمشاعر الغضب عند عامة الناس خاصة في أوقات الكوارث والأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية.

ففي أبريل/نيسان 2016 كتب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مقالة في صحيفة وول ستريت جورنال قال فيها إن "الترياق الوحيد لعقود من الحكم المدمر من قبل حفنة صغيرة من النخب هو فرض الإرادة الشعبية في كل قضية رئيسة تؤثر على هذا البلد.. إن الناس على حق والنخبة الحاكمة على خطأ".

ومع أن "الشعبوية" ارتبطت أصلا في نشأتها بأوساط التيارات اليسارية فإنها أصبحت أيضا تغزو اليمين واليسار الليبرالي الذي صار يشكل أكبر كتلة سياسية بالغرب، وربما توجد في صفوفهما بصورة تفوق أحيانا وجودها في اليسار خاصة في أوروبا.

وغالبا ما يُستخدم مصطلح "الشعبوية" للتنديد بآراء متبني خطابها ومواقفهم وتوجهاتهم السياسية "المقدسة للشعب" والمناهضة للتنظيم السياسي والاجتماعي.

صعود ومخاوف
أصبحت الأحزاب والحركات الموصوفة بـ"الشعبوية" قوة سياسية واجتماعية حاضرة بقوة بأنحاء أوروبا وبأميركا خاصة في أوساط اليمين المتطرف بينما يؤكد الخبراء شبه غيابها في بلدان آسيا بما فيها الدول ذات الاقتصادات المتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وضعفها في أميركا اللاتينية التي طالما كانت "الشعبوية" من العوامل المساعدة لحكم اليساريين فيها.

وقد أطلق مراقبون على سنة 2016 "عام الشعبوية السياسية بامتياز" لصعود حركاتها البارز في مختلف المحطات السياسية بالدول الغربية، حتى إن مصطلح "الشعبوية" صار يتردد في المنابر الإعلامية عند كل عملية اقتراع تجرى في هذه البلدان.

ويستشهدون بعلو أصوات التيارات "الشعبوية" في استحقاقات انتخابية عديدة، ابتداء من الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، ومرورا بحملة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وانتهاء بالاستفتاء الدستوري بإيطاليا الذي ربما يمهد لخروجها من الاتحاد الأوروبي إثر فوز حملة حركة "خمس نجوم" الموصوفة بـ"الشعبوية" والرافضة لهذه التعديلات.

أثارت موجة الصعود السياسي للحركات "الشعبوية" مخاوف المتمسكين بالديمقراطية ودولة القانون والرافضين لكل سياسة مبنية على أسس تمييزية، ورأوا فيها ظاهرة سياسية يمكن أن تحدد ملامح مستقبل الديمقراطيات المتقدمة في الغرب.

كما توقعوا أن تزلزل مستقبلا القاعدة السياسية المؤسسة للنظم الغربية المستقرة، وتهدد بالانزلاق في مساوئ الكراهية والتحيز، بسبب تحمل جماعات "غوغائية" مسؤولية رسم سياسات ومعالجة مشاكل تواجهها كافة طبقات المجتمع.

ويرى الباحثون أن المشتركات بين الحركات "الشعبوية" -التي ساعدت على تقدمها في الاستحقاقات الانتخابية- عديدة ومتنوعة، لكن تأتي في مقدمتها مناهضة قضايا من قبيل: العولمة، والهجرة واللجوء، وسياسات التقشف المالي التي تُضعف الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية، إضافة إلى النزعة القومية والدفاع عن الهوية الوطنية، والتركيز القوي على سياسات الدفاع، والسخرية من حقوق الإنسان.

ويعزو اقتصاديون الارتفاع الحالي للتيارات "الشعبوية" إلى الإفراط في العولمة منذ تسعينيات القرن العشرين، مع تحرير التدفقات المالية الدولية، وإنشاء منظمة التجارة العالمية، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وتفاقم عدم المساواة في الدخل والثروة، وانعدام الأمن الاقتصادي، وتزايد موجات الهجرة العالمية.

ويقول المراقبون إن الجماعات التي تتشارك "الأيديولوجية الشعبوية" تشمل تيارات متنوعة ومتباينة، وتوجد في البلدان الراكدة والمزدهرة اقتصاديا على حد سواء، إذ تقدمت "الشعبوية" سياسيا في دول تعتبر معدلات البطالة فيها منخفضة والدخول في ارتفاع.

ومن الأمثلة على ذلك حزب الاستقلال البريطاني، وحزب الجبهة الوطنية الفرنسي، وحزب البديل الألماني، وحزب بوديموس الإسباني، وحزب الحرية النمساوي، وحركة "النجوم الخمس" الإيطالية.

المصدر : الجزيرة