الجهوية المتقدمة

A photo made available 07 November 2015 of Morocco's King Mohammed VI (R) waving to the crowd during a rally marking the 40th anniversary of the 'Green March' in Laayoune, West Sahara, late 06 November 2015. Western Sahara, a former Spanish colony, is at the center of a conflict since 1975 between Morocco and the Polisario Front, which is backed by Algeria.
المغرب في عهد الملك محمد السادس تبنى الجهوية الموسعة لـ"إنجاح التنمية المحلية" (الأوروبية)

الجهوية المتقدمة هي تنظيم هيكلي وإداري تقوم بموجبه الحكومة أو السلطة المركزية بالتنازل عن بعض الصلاحيات لفائدة الجهات المكونة للوحدة الترابية للدولة، وذلك لتعزيز التنمية المحلية، وتنشيط التبادل التجاري وتقريب الإدارة والدولة عموما (بما تُقدم من خدمات وتُوفر من مصالح) من هموم المواطن، عبر صياغة سياساتٍ محلية تنبع من الخصوصية المميزة لكل إقليم على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

والدافع الأهم إلى نهج الجهوية هو إحداث قدر من التوازن التنموي والاقتصادي بين الجهات المشكلة للدولة، وتحفيز التنمية المحلية وتحريرها من عقال المركزية. 

النشأة والتطور
إن الجهوية مفهوم حديث نسبيا نشأ وتطور مع توجه دول أوروبا الغربية إلى التخلي عن المركزية الإدارية، بعد تكشف حدودها وإعاقتها لكثير من جهود التنمية، بل وتضييعها تماما في بعض الأحيان.

وقد أخذت ألمانيا بالجهوية في 1949 إذ أقر الدستور الصادر ذلك العام وجود جهات إدارية واقتصادية تتكامل في أهدافها وآليات عملها مع النسق الفدرالي المطبق، والذي يمنح الأقاليم والجهات صلاحيات واسعة. بيد أن الجهات كانت التمظهر التنموي والاقتصادي والإداري للنظام الفيدرالي، كما شكلت رافعة له.

وفي إسبانيا، نص دستور 1978 -الذي مهد لنهاية حكم الجنرال فرانكو وعودة الديمقراطية- على الجهوية بل إن إسبانيا تُعد من الناحية السياسية والإدارية دولة قائمة على الجهات أكثرَ منها دولة فدرالية.

الجهوية الإدارية
في فرنسا، برز النقاش حول الجهوية في خمسينيات القرن العشرين سيما مع عودة الجنرال شارل ديغول للسلطة، فقد كان ديغول تحدث عن ضرورة اعتماد فرنسا للجهوية في أحد خطاباته عام 1946.

بيد أن ديغول أخفق في تحقيق مشروعه الرامي إلى إصلاح ترابي شامل يُكرس الجهوية، وفي عام 1969 كان مشروع القانون حول الجهوية وإصلاح مجلس الشيوخ سببا في نهاية مساره السياسي، فقد استقال بعد رفض الفرنسيين للمشروع في استفتاء شعبي شهير يوم 27 أبريل/نيسان 1969.

ولم تعرف فرنسا الجهوية إلا في عام 1982 حين أُقر الإصلاح الترابي القائم على اللامركزية والذي حمل اسم وزير الداخلية الاشتراكي غاستون دفيير. واقتصر إصلاح 1982 على إعطاء الجهات والبلديات صلاحيات ذات طابع إداري في أغلبها، لكن إصلاحات لاحقة عززت دور الجهات خاصة في المجال الاقتصادي والتنموي، وقد منحها إصلاح 2010 صلاحيات كالتعليم والتخطيط التنموي.

ورغم هذا التأخر النسبي لتطور الجهوية في فرنسا مقارنة بجوارها الأوروبي، فإنه يجدر التنبيه إلى أنَّ فرنسا عرفت التقسيم الإداري قبل ثورة عام 1789، ثم عرفت البلديات والأقسام الإدارية منذ 1871. 

الجهوية المتقدمة
مع تطور بنيات الدول وتداخل الصلاحيات واشتداد الحاجة إلى التنمية المحلية بوصفها رافعة للتنمية على المستوى الوطني وضامنا لقدر من التوازن بين الجهات، وإلى تفادي بروز مناطق مزدهرة جدا ومنتجة مقابل مناطق مهمشة وتعيش عالة على الأخرى، برزت الحاجة إلى تطوير الجهوية من خلال مجالات حيوية كالتنمية الاقتصادية والتخطيط والاستثمار الأجنبي.

ومن هنا ظهر مفهوم الجهوية المتقدمة الذي هو في الواقع مرحلة من اللامركزية تَمنح الجهات استقلالا شبه كامل عن المركز في مختلف المجالات باستثناء الاستقلال السياسي.

الجهوية الموسعة
إن الجهوية الموسعة هي المرحلة اللاحقة على الجهوية المتقدمة، وفي حال تطبيقها تُصبح الجهات مستقلة في كل شيء عن الحكومة المركزية بما في ذلك الاستقلال السياسي، لكن ذلك لا يعني خروجَ الجهات عن سيادة الدولة.

وبالتالي فالجهوية الموسعة هي شكل من أشكال الاستقلال الذاتي الضامن لهوية الإقليم وسيادته واستقلاليته المالية لكن مع بقاءِ السيادة للدولة الأم، والتي يصبح مجال تدخلها محصورا في القطاعات السيادية مثل الدفاع والأمن والاتصالات، ونحو ذلك.

تجربة عربية
نهج المغرب مسارا طويلا ومتدرجا إلى الجهوية بلغ مراحله الأكثر رمزية وأهمية مع إقرار دستور 1992 ثم دستور 1996 الذي مهّد للانفتاح الديمقراطي في البلاد، مع المصالحة التاريخية بين الملك الحسن الثاني والمعارضة اليسارية عبر ما عُرف في الأدبيات المحلية بالتناوب التوافقي.

منذ إقرار دستور 1992، بدأ الحديث عن الجهوية يشغل حيزا هاما من النقاش العام، وتعززت هذه المكانة بما يعرف محليا بتجربة "حكومة التناوب" التي قادها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وشهدت إقرار قانون تنظيم الجهات في أبريل/نيسان 1997.

بيد أنّ الخطى تواترت نحو الجهوية مع تولي الملك محمد السادس السلطة في صيف 1999. فقد جاء الملك الجديد برغبة معلنة في تسوية النزاع حول الصحراء الغربية مع جبهة البوليساريو عبر مبادراتٍ تَتجاوز مرحلة طويلة من الركود شهدها الملف بعد تعثر مساعي الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء يُمكّن سكان الإقليم من تحديد مصيره استقلالا أو انضماما للمغرب.

وتُوج هذا التوجه بتقديم المغرب في 2007 مقترحا يقضي بإعطاء أقاليم الصحراء الغربية حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية. وتضمن المقترح تمكين السكان عبر ممثليهم من سلطات واسعة في المجال السياسي والاقتصادي والتنموي والقضائي وفي قطاع الأمن المحلي، لكن في إطارِ السيادة المغربية. وقد بادرت جبهة البوليساريو إلى رفض المقترح متمسكة بمطالبتها باستقلال الإقليم.

وقد سرّع المقترح المغربي وتيرة توجه المملكة إلى الجهوية، ووعد الملك محمد السادس بجعل الأقاليم الصحراوية رائدة تحول المغرب إلى الجهوية المتقدمة، وهو ما تم في الذكرى السنوية الأربعين للمسيرة الخضراء في 06 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

فقد أعلن العاهل المغربي بالمناسبة منح صلاحيات هامة لفائدة الأقاليم الصحراوية لتكون مدخلا إلى تعميم الجهوية في المغرب، ثم إلى تطبيق المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء الغربية.

المصدر : الجزيرة