الدروع البشرية

هي استخدام مجموعة من الناس -مدنيين أو عسكريين- بهدف حماية منشآت حساسة في وقت الحرب (مراكز عسكرية، أو منشآت إستراتيجية، أو سدود، أو جسور…)، وذلك بنشرهم حولها لوضع العدو أمام حرج أخلاقي يمنعه من استهداف المنشآت المراد حمايتها.

قد يأخذ الدرع البشري أشكالا أخرى، منها -مثلا- وضع رهائن أمام قوات متقدمة لمنع العدو من التصدي لها، كما يُصنف في خانة الدروع البشرية تخزين أسلحة ومعدات وتمركز وحدات عسكرية مقاتلة في مناطق مأهولة بالمدنيين.

النشأة
الدرع في اللغة سلاحٌ يَدفع به المقاتل ضربات العدو، وهي قطعة من الحديد تُمسك من وسطها باليد، وتُدفع بها النصال. وقد سميت الدروع البشرية كذلك لأنها تقوم بدور الدرع التقليدية في حماية صاحبها، لكن الفرق شاسع من الناحية الأخلاقية؛ فالدرع التقليدية لها من المناعة ما يَرد ضربة العدو ويَتكسر عليه سيفه، أما الدرع البشرية فالمانع من ضربها أخلاقي صرف.

الدروع البشرية قديمة قدم الحروب، وقدم المواقف غير الأخلاقية فيها، لكنَّ أقدم وقائع عسكرية ذُكرت فيها تعود للقرن الـ18، فقد استخدمت القوات البريطانية-الأميركية بعض اليسوعيين -الذين كانوا أسرى لديها- دروعا بشرية في هجومها على قلعة "شامبيلي" الخاضعة للجيش الفرنسي في منطقة كبيبك بكندا.

ومع تقدم القوات المهاجمة امتنعت الحامية الفرنسية في "شامبيلي" عن إطلاق النار، واكتفت القوات الأميركية-البريطانية بضرب حصار على القلعة لتبدأ مفاوضات تنتهي بمغادرة آخر جندي فرنسي لأميركا الشمالية في أواخر 1760.

في الحرب العالمية الثانية
شهدت الحرب العالمية الثانية هي الأخرى استخدام الدروع البشرية على نطاق واسع، ومن أمثلة ذلك ما حصل عام 1940 عندما استخدمت القوات الألمانية مئات المدنيين والأسرى دروعا بشرية لتغطية تقدم مدفعيتها على قاطع "بيفري لي بيتين" في منطقة كالي. وخلال انتفاضة وارسو لم يتردد الجيش الألماني في استخدام مئات المدنيين وأسرى الحرب دروعا بشرية في مواجهة الانتفاضة.

موقف القانون الدولي الإنساني
يمنع البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف (المادة7) منعا كليا استخدام الدروع البشرية خاصة الأسرى، كما أن اتفاقية جنيف لعام 1929 تُلزم الطرف المسيطر على الجبهة بإخلاء أسراه في أسرع وقت ممكن وإبعادهم عن جبهات القتال، ومن ضمن الأسباب الكامنة وراء هذا الإلزام الخوف من استخدام الأسرى دروعا بشرية.

إشكال قانوني
يفرض القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع المسلح أنْ تُميز -في كل وقت- بين المدنيين والعسكريين، وبين المشاركين في القتال وغيرهم، ومن هذا المنطلق يَفرض القانون الدولي حماية الأسرى والمصابين لأنَّهم لم يعودوا طرفا في القتال.

إلا أن القانون الدولي الإنساني يُميز بين اعتقال العسكري الذي تكفي صفته لاعتقاله طيلة فترة الحرب، في حين لا يحق أسر المدني، أما اعتقاله فلا يكون مبررا إلا في ضوء أنشطة ضارة يقوم بها، كتقديم معلومات للعدو أو تنفيذ عمليات لصالحه. ومن هنا يبرز إشكال استمرار تعرض المدني للاعتقال لا لشيء إلا استخدامه في الدروع البشرية.

إشكال أخلاقي
ترتب الدروع البشرية إشكالا أخلاقيا بالنسبة لكل أطراف الحرب؛ ففي المحصلة يتم تعريض أرواح بشرية للإزهاق مقابل مكاسب عسكرية أو إستراتيجية، وإن كانت المسؤولية الأكبر تقع على عاتق من يتخذ من أرواح الناس -مدنيين وأسرى- سلاحا في تضارب صارخ مع نبل العسكرية وقيم الإيثار والتضحية القائمة عليها.

ورغم الحظر القانوني القاطع، فجدير كذلك بالإبراز أن الدروع البشرية ليست من التقاليد النبيلة للحرب، وعادة لا تلجأ إليها إلا الأنظمة الاستبدادية أو العنصرية المتعودة على امتهان الكرامة البشرية، وتسترخص حياة الناس.

دروع المتطوعين
قد يكون المشاركون في تشكيل الدرع البشرية مجبرين على ذلك، وهو ما يتناوله القانون الدولي بالحظر الصريح، لكن الدرع البشرية قد تُقام بناء على عملية تعبوية تستحث الحس الوطني المتقد أصلا في أوقات الحرب؛ ففي يوغسلافيا -مثلا- تجمع عشرات الآلاف منعا لطيران حلف شمال الأطلسي من استهداف منشآت حساسة في بلغراد أثناء حملته ضد نظام سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1999.

وفي العراق، انتظم متطوعون قدِموا من مختلف أرجاء العالم في دروع بشرية خلال الحملة الدولية على العراق بين يناير وفبراير 1991، والتي كان هدفها طرد قواته من الكويت. كما لجأ نظام العقيد معمر القذافي إلى إقامة دروع بشرية خلال حملة فجر الأوديسا التي نفذتها قوات غربية وعربية منعا لوصول الجيش الليبي إلى بنغازي بعد تفجر ثورة 17 فبراير/شباط 2011.

أنواع أخرى
دأب الاحتلال الإسرائيلي على استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية خلال المواجهات مع الشبان في نوبات التوتر والانتفاضة، وكذلك في المواجهات المسلحة مع المقاومة الفلسطينية. ووثقت كاميرات الإعلام الدولي أكثر من مرة مشاهد فظيعة يَسير فيها جنود الاحتلال متمترسين خلف شبان وأحيانا مراهقين فلسطينيين.

وخلال الغزو الأميركي للعراق في 2003، اتُهم نظام الرئيس الراحل صدام حسين بتخزين كميات كبيرة من السلاح وسط الأحياء السكنية حماية لها من القصف الجوي.

وخلال عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006، اتهم الاحتلال حزب الله بنصب بطارياته العسكرية داخل الأحياء المدنية، وهي التهمة نفسها التي يُوجهها دائما للمقاومة الفلسطينية في غزة.

المصدر : الجزيرة