العوامية.. بلدة سعودية "مغلقة"

مدينة العوامية السعودية - رويترز
ووتش: بمقارنة صور التقطت بالأقمار الصناعية في فبراير/شباط 2017 وأغسطس/آب يظهر تعرض أجزاء كبيرة من البلدة لدمار هائل (رويترز)
بلدة سعودية ذات أغلبية شيعية، تقع بمحافظة القطيف شرقي المملكة العربية السعودية، وتطل على الخليج العربي. اشتهرت في القديم بالزراعة والصيد والتجارة، وعَرفت منذ عام 2009 مظاهرات احتجاجية واشتباكات متقطعة مع قوات الأمن السعودية، وهي تضم حي المسورة الذي شهد اشتباكات دامية عام 2017.
 
الموقع
تقع بلدة العوامية على الخليج العربي في محافظة القطيف شرق المملكة العربية السعودية.

السكان
وصل عدد سكان العوامية إلى نحو 25 ألف نسمة قبيل أحداث المسورة منتصف عام 2017، والتي أدت إلى فرار آلاف السكان من منازلهم بسبب الاشتباكات المسلحة بين قوات الأمن السعودية وعناصر مسلحة داخل الحي.

احتجاجات واشتباكات
خطفت البلدة الصغيرة الواقعة على ضفاف الخليج العربي الأضواء الإعلامية، وتوجهت الأنظار إليها في مناسبات كثيرة منذ عام 2009، بسبب الاحتجاجات التي شهدتها أكثر من مرة والتي تطورت لاحقا إلى اشتباكات دامية مع قوات الأمن السعودية.

ففي مارس/آذار 2009 اعتقلت الشرطة السعودية 11 شخصا في البلدة بتهمة تكدير النظام العام وارتكاب عمل تخريبي تسبب في انقطاع الكهرباء في بلدة العوامية، وأفاد حينها المتحدث باسم وزارة الداخلية منصور التركي أن الشرطة تبحث عن الشيخ نمر النمر في العوامية لاستجوابه، دون ذكر الأسباب.

ومع اندلاع الثورات العربية عام 2011، عاد الحراك بشكل أقوى إلى العوامية، وتصاعد أكثر مع دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، واتهمت السلطات وقتها رجال دين شيعة -في مقدمتهم نمر النمر- بالتحريض على المظاهرات.

وتجددت في عام 2012 الاشتباكات؛ حيث قتل رجلان وأصيب اثنان آخران بجروح أثناء محاولة قوات أمن سعودية اقتحام منزل للقبض على أحد المطلوبين في البلدة، ويدعى خالد عبد الكريم حسن اللباد.

وفي تطور لاحق تم إلقاء القبض على رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر في العوامية، وهو رجل دين شيعي ومن أهم محركي الاحتجاجات التي عرفتها البلدة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. ولكن اعتقال النمر لم يوقف احتجاجات العوامية، حيث عرفت السنوات اللاحقة استمرارا وتواصلا في هذا الحراك الذي تصفه السلطات السعودية بالإرهابي، وتتهم ضمنيا إيران ورجال الدين "الموالين لها" بالوقوف وراءه.

وشهد عام 2016 تصاعدا في وتيرة الاحتجاجات وحدتها، بعد إعلان وزارة الداخلية السعودية في يناير/كانون الثاني 2016 عن إعدام نمر النمر و47 آخرين بتهمة "الإرهاب"، وهو الحدث الذي فجر احتجاجات تجاوزت حدود المنطقة الشرقية بالسعودية وامتدت إلى إيران والبحرين والعراق ولبنان.

أحداث المسورة
ولكن التطور الأبرز في مسار الحراك ببلدة العوامية كان في مارس/آذار 2017، حين اندلعت اشتباكات مسلحة في حي المسورة الواقع في الجهة الشمالية الشرقية من بلدة العوامية بين قوات الأمن ومسلحين مطلوبين لها، وتقول السلطات إن حي المسورة تحول في السنوات الأخيرة إلى "وكر للإرهابيين ومروجي المخدرات".

وكانت الشرارة التي أشعلت المواجهات الأخيرة في حي المسورة هي بدء السلطات أعمال مشروع عمراني يتضمن هدم المنازل القديمة فيه، وتحويله إلى مقصد ثقافي وتجاري عبر تشييد مجمع تجاري وسوق تراثي ومركز ثقافي؛ ولكن جزءا من سكان الحي رفضوا الخطة وطالبوا بالحفاظ على الجزء التاريخي منه الذي يقولون إنه يعود إلى زهاء أربعمئة عام.

ونقلت صحيفة إندبندنت البريطانية عن مواطنين من العوامية شرق السعودية أن الاشتباكات الكثيفة استمرت منذ 10 مايو/أيار 2017 بين قوات الحكومة ومواطني البلدة، التي تضم نحو خمسمئة منزل ويعيش فيها قرابة ثمانية آلاف أسرة، ووصفت ذلك بأنه غير مسبوق في التاريخ الحديث للمملكة.

وقالت الصحيفة في تقرير لها إن الوضع الأمني منذ مايو/أيار 2017 تدهور بسرعة، حيث ذكر المواطنون أن 25 شخصا قُتلوا جراء القصف ونيران القناصة، كما أن الصور التي يُقال إنها للعوامية تظهر الطرق ممتلئة بأنقاض المنازل المهدمة وركام الحجارة ومياه المجاري، وكأنها تعود لإحدى المدن السورية التي تشهد معارك وليست لبلدة في إحدى مدن الخليج النفطية.

ونسبت الصحيفة إلى مسلح قوله -في مقابلة هاتفية وصفتها بالنادرة- إنه كان من المحتجين السلميين إلى أن قررت الحكومة إدراج اسمه وأسماء بعض من أصدقائه في قوائم "الإرهابيين" المطلوبين، وأضاف أن كل ما كانوا يفعلونه هو الدعوة للإصلاح، وبسبب دعوتهم هذه تم استهداف البلدة بأكملها.

وذكر أن القوات الحكومية اقتحمت منزله بداية الحصار وضربت زوجته ووجهت فوهات البنادق إلى طفلته البالغة خمس سنوات، كما رفعوا طفلة صغيرة أخرى له لا يزيد عمرها على ثمانية شهور عاليا وهددوا بإسقاطها من أعلى، وأبلغوا ابنته بأنهم سيقتلون أباها ويرمون برأسه بين رجليها.

وبثت وكالة رويترز أيضا صورا تظهر عددا كبيرا من المنازل المدمرة في بلدة العوامية، وأطلالا لمسجد وعدة منازل تبدو عليها آثار الطلقات النارية، فضلا عن عدد من آليات الشرطة وأفرادها إلى جانب آثار حرائق على واجهات بعض المباني.

وجاء في تقرير لرويترز أن الحي القديم بالعوامية تحول إلى ساحة حرب، في مشهد بعيد عن مظاهر المدن المتألقة في الخليج الغني بالطاقة.

وفي 9 أغسطس/آب 2017، قال وزير الإعلام السعودي عواد العواد -في تغريدة على حسابه في تويتر– إن "حزم القيادة الرشيدة في القضاء على الإرهاب وبسط الأمن والأمان في جميع ربوع وطننا الغالي، تجسد في نجاح أبطالنا رجال الأمن في تطهير حي المسورة".

وفي 13 من الشهر نفسه، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن السعودية "حاصرت وأغلقت البلدة"، وقالت إنه بمقارنة صور التقطت بالأقمار الصناعية في فبراير/شباط 2017 وأغسطس/أب 2017، يظهر تعرض أجزاء كبيرة من البلدة لدمار هائل أصاب أيضا البنية التحتية.

وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة سارة ليا ويتسون إن على السلطات السعودية "توفير الخدمات الأساسية لسكان العوامية المحاصرين، والتأكد من أنهم يستطيعون الانتقال داخل المدينة وخارجها بأمان".

وأضافت أن "على السلطات السعودية أيضا أن تُحقق فورا وبشكل موثوق في ما إذا كانت قواتها استخدمت القوة المفرطة في العوامية (…) واتخاذ خطوات فورية للسماح للسكان بالعودة إلى منازلهم بسلام والسماح بإعادة فتح المحلات التجارية والعيادات، وتعويض السكان عن أضرار الممتلكات والدمار الذي تسببه قوات الأمن".

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية