حلب المدمرة.. مأساة عاشتها سراييفو وغروزني

Damaged buildings are seen in the government-held al-Shaar neighborhood of Aleppo, during a media tour, Syria December 13, 2016. REUTERS/Omar Sanadiki
أحياء كاملة في حلب دمرت نتيجة قصف قوات النظام (رويترز)

تعيش حلب السورية وضعا مأساويا وكارثيا يعيد إلى الأذهان ما حدث في مدينتي سراييفو (البوسنة والهرسك) وغروزني (الشيشان) اللتين عاشتا ويلات الحصار والتدمير الوحشي ما خلف مقتل وتشريد مئات الآلاف. وتشير مختلف التقارير الدولية إلى أن ما حصل بالمدن الثلاث يرقى لمستوى الإبادة الجماعية.

حلب
منذ سيطرة الجيش السوري الحر منتصف يوليو/تموز 2012 على 70% من حلب، تعرضت الأحياء الشرقية من المدينة لقصف جوي ومدفعي استمر بين عامي 2012 و2014، واستعملت قوات النظام السوري بداية 2014 البراميل المتفجرة، ما دفع حينها نصف مليون من سكانها إلى النزوح.

وبعد التدخل العسكري الروسي في سوريا مطلع سبتمبر/أيلول 2015 تعرضت حلب لحملة عسكرية كبيرة، وإثر سيطرة قوات النظام في يوليو/تموز 2016 على طريق الكاستيلو، أصبحت حلب أكثر المناطق المحاصرة من حيث كثافة السكان في مساحة لا تتجاوز الثلاثين كيلومترا مربعا.

واشتد الحصار والقصف الجوي العنيف على مدينة "الشهباء" مع تقدم قوات النظام مدعومة بالطائرات الروسية في ديسمبر/كانون الأول 2016 في مناطق جديدة شرقي حلب، مما قلص مناطق سيطرة المعارضة إلى جزء صغير من المدينة، وذلك بعد اشتباكات استمرت لأشهر.

ووقعت الأحياء المتبقية في يد الفصائل السورية المسلحة، تحت حصار محكم ووابل من الغارات الجوية السورية الروسية وقصف مدفعي بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، في حملة شرسة تخللتها مجازر وإعدامات ميدانية بحق المدنيين، وفق مصادر حقوقية.

وتجمع مختلف التقارير والشهادات على أن حلب تتعرض للإبادة والدمار، وهو ما أشارت إليه مجلة فورين بوليسي الأميركية، إذ قالت إن حلب تتحول إلى أنقاض، ويفر منها المدنيون أو يموتون تحت جدران منازلهم جراء القصف الجوي المتواصل. وكتب مارك غالوتي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقصف حلب بالوحشية نفسها التي اتبعها في قصف غروزني.

ورأى الكاتب أنه لا فرق بين الإستراتيجية العسكرية الروسية في سوريا وما اعتمدته في غروزني فـ "من الحكمة أن يدرس الإنسان الأساليب الخرقاء التي استخدمها بوتين خلال أول حرب يخوضها كرئيس هيئة أركان، وهي الحرب الشيشانية الدموية (1999ـ2000)" وأكد أن حربيْ الشيشان وسوريا تدللان على نهج بوتين الوحشي في القتال".

وبينما أكد الأمين العام لـ الأمم المتحدة بان كي مون أن منظمته تلقت "تقارير فظيعة" عن معاناة المدنيين في حلب، وزعم أن الجميع يفعل ما في وسعه لوقف المذبحة، اعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال أن حلب تعد بمثابة سراييفو الرئيس الأميركي باراك أوباما

غروزني  
تعرضت عاصمة الجمهورية الشيشانية من جهتها للدمار خلال حربيْ الشيشان بين روسيا وبين الاستقلاليين الشيشانيين، الأولى بين عامي 1994 و1996، والثانية بين عامي 1999 و2000، وانتهت بوضع الشيشان تحت السيادة الروسية.

فقد استخدم الجيش الروسي ترسانته العسكرية، وألحق دمارا هائلا بالعاصمة غروزني التي تحولت إلى مدينة أشباح مخلفا مئات الآلاف من القتلى والجرحى.

وبعد أن جرب الرئيس بوريس يلتسين الحلول العسكرية لتركيع الشيشانيين، رفع بوتين -الذي كان قد تولى لتوه رئاسة روسيا– شعار "محاربة الإرهاب" بالقوقاز، وقام بحملة عسكرية في غروزني في ظل اتهامات وجهت لموسكو من المنظمات الدولية بارتكاب مجازر وقصف المناطق السكنية والأهداف المدنية دونَ تمييز بينها وبين الأهداف العسكرية.

ويوم 23 سبتمبر/أيلول 1999 أعلنت روسيا الحرب، ودفعت بنحو ثلاثين ألف جندي إلى الحدود الشيشانية، لتدخلها وتواصل تقدمها إلى غروزني التي وصلتها في اليوم الأول من عام 2000، أي بعد يوم واحد من تولي بوتين الرئاسة إثر استقالة يلتسين.

وتحدثت "فورين بوليسي عن أصناف الأسلحة والصواريخ التي سبق أن استخدمت في قصف غروزني، وعن قدرتها التدميرية التي يمكنها أن تحول مباني المدن إلى ركام.

ومن جهتها، اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول 2000 أن الأسرة الدولية لم ترق إلى مستوى مسؤولياتها للرد على "المجازر في الشيشان".

وروى السكان الذين لجؤوا إلى جمهورية أنغوشيا المجاورة لصحفي من وكالة الأنباء الفرنسية يوم 9 يناير/كانون الثاني 2000 كيف عاشوا الجحيم على أنقاض غروزني، ومنهم روزا موفلايفا التي أكدت أنهم عاشوا ثلاثة أشهر في قبو حيث البرد والظلام وانعدام المياه، وكيف أن الجثث بقيت ملقاة في الشارع لأيام وأحيانا لأسبوع لأنهم لم يتمكنوا من الخروج لدفنها بسبب نيران القناصة.  

سراييفو
قامت قوات صرب البوسنة بحصار سراييفو من أبريل/نيسان 1992 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 1995، ما أسفر عن سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل بينهم أكثر ألف وستمئة طفل.

ونقلت شاشات العالم صور وشهادات سكان "عاصمة أوروبية" تتعرض للحصار، ويقتلون برصاص قناصة أمام أعين الجنود الدوليين العاجزين عن حمايتهم، ما أثار صدمة في العالم باسره.

وكان نقل الجرحى إلى المستشفى ينطوي على مخاطر كبيرة لأنه فور خروج شخص من مبنى يصبح هدفا للقناصة والمليشيات المنتشرة أمام الحواجز التي تمنع الوصول إلى الأحياء.

ففي 22 يوليو/تموز 1993 أطلق صرب البوسنة أكثر من 3700 قذيفة على سراييفو وضواحيها وفقا لمراقبين من الأمم المتحدة، وكانت إحدى عمليات القصف الأكثر ضراوة منذ فرض الحصار على المدينة.

وقتل 68 شخصا يوم 5 فبراير/شباط 1994 عندما سقطت قذيفة في سوق سراييفو المركزي.    

ومن الأسماء البارزة في مأساة سراييفو، رئيس جمهورية صرب البوسنة رادوفان كراديتش الذي أدين بـ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، ومنها القتل العمد وحصار سراييفو 36 شهرا وقصفها ومحاولة تفريغ البوسنة والهرسك من المسلمين والكروات.

ولا ينسى العالم مجزرة سربرينيتشا التي حصدت ثمانية آلاف رجل وشاب مسلم في يوليو/تموز 1995، ووصفها القضاء الدولي بأنها إبادة.

ويعد ما حدث أكبر مجزرة في تاريخ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ارتكبها جيش صرب البوسنة بزعامة كراديتش وراتكو ملاديتش بحق سكان بلدة سربرينيتشا المسلمين بالبوسنة والهرسك.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية