الكعبة المشرفة.. بيت الله الحرام

Muslim pilgrims moving around the Kaaba, the black cube at center, inside the Grand Mosque, a day before Muslim's annual pilgrimage, known as the Hajj, in the Muslim holy city of Mecca, Saudi Arabia, Wednesday, Oct. 1, 2014. (AP Photo/Khalid Mohammed)
الكعبة المشرفة وقد بدا معها في الصورة حِجْر إسماعيل خاليا ومقام إبراهيم تغمره حشود الطائفين (أسوشيتد برس)

بيت الله الحرام الذي جعله "أول بيت وُضع للناس" ليعبدوه بالتوجه إليه وليكون حرما آمنا لهم. وقد شهدت الكعبة عمليات تجديد وترميم عبر القرون، ومنها وإليها تكون مناسك الحج والعمرة في دين الإسلام.

 

أولا: تاريخ الكعبة
يعتقد بعض علماء الإسلام -مستندين إلى مرويات عن بعض الصحابة- أن آدم عليه السلام هو أول من بنى المسجد الحرام بمعونة من الملائكة الكرام.

وبعد ذلك بقرون أرسل الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام وأمره ببناء الكعبة من جديد ورفـْع قواعدها، فجعل ابنه إسماعيل عليه السلام وهو فتى يافع يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، وارتفع البيت شيئا فشيئا حتى أصبح عاليا لا تصل إليه الأيدي.

وعند ذلك طلب إبراهيم من إسماعيل أن يأتيه بحجر ليصعد عليه ويكمل عمله، واستمرا على ذلك حتى تم البناء واستوى، وذلك الحجر هو الموجود الآن في "مقام إبراهيم" حول الكعبة.

ثم استقرت بعد ذلك قبائل عربية في مكة المكرمة من "العماليق" و"جرهم"، وتصدع بناء الكعبة أكثر من مرة نتيجة لكثرة السيول والعوامل الطبيعية المؤثرة في البناء، وكان أفراد تلك القبيلتين يتولون إصلاحه ورعايته.

وحين آل أمر مكة إلى قبيلة قريش قررت إعادة بناء الكعبة بناء متينا يصمد أمام السيول التي تجتاح مكة بين الحين والآخر وتؤثر على متانة الكعبة وتضعف بنيانها، وكان ذلك في العام الخامس قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (نحو 605 م).

وزادت قريش في ارتفاع الكعبة تسعة أذرع حتى أصبح ارتفاعها ثماني عشرة ذراعا، كما سدوا الباب الغربي تماما وجعلوا للكعبة بابا واحدا من ناحية الشرق، وجعلوه مرتفعا لئلا يدخل إليها كل أحد من العامة، كما جعلوا لهـا سقـفا لأول مرة.

وفي أيام حكم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه (قـُتل سنة 73 هجرية) احتـرقت الكعبة فهدمها حتـى أفضى إلى قواعـد إبراهيم وأعاد بناءها وأدخل فيها حِجْر إبراهيم، فعاد البناء إلى ما كان عليه زمن إبراهيم إلا أنه زاد ارتفاعها بعشرة أذرع أخرى عما كانت عليه في بناء قريش، وجعل لها بابين في المشرق والمغرب وألصقهما بالأرض.

وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (توفي سنة 86 هجرية) أمر أن يُعاد بناء الكعبة كما كانت عليه قبل عمل ابن الزبير، فهُدم الحائط الشمالي وأخرِج الحِجْر وترك كما بنته قريش، وجُعل للكعبة باب واحد فقط ورفع عاليا، إلا أنه ترك ارتفاعها على ما أقامه ابن الزبير.

وفي عهد الدولة العثمانية هطلت عام 1039هـ أمطار غزيرة على مكة أعقبها سيل عرم أسقط الجدار الشمالي للكعبة وبعض الجدارين الشرقي والغربي كما سقطت درجة السطح، فأمر السلطان العثماني آنذاك مراد خان الرابع بإعادة بنائها، فاستغرق إصلاح الكعبة وتقوية دعائمها ستة أشهر.

وفي نهاية عام 1239 أمر والي مصر محمد علي باشا بتنفيذ عملية تنظيف واسعة في محيط الكعبة لإزالة الرمال والأشياء المتراكمة والعالقة بسبب السيول، إضافة إلى إصلاح البناء وترميمه.

وفي العهد السعودي تم في أيام الملك سعود نقض سقف الكعبة الأعلى وتجديد عمارته وتجديد السقف الأدنى لقدم أخشابه وتآكلها، وعُمِلت قاعدة بين السقفين تحيط بجميع جدرانها مع ترميم الجدران الأصلية ترميما جيدا، وأصلِح الرخام المحيط بالجدران من الباطن، ورُمّم الدرج الذي في باطن الكعبة والمؤدي إلى سطحها.

وفي عام 1417هـ (1997م) جُددت الكعبة تجديدا كليا من الداخل، فشمل سقف الكعبة والأعمدة الثلاثة وحوائط الكعبة من الداخل والأرضيات ورخام السطح والحوائط والسلم الداخلي والشاذروان وميزاب الكعبة وجدار حِجْر إسماعيل عليه السلام، وكانت هذه آخر عمارة للكعبة المشرفة.

ثانيا: القياسات والمعالم
الكعبة المشرفة بناء مكعب الشكل ومن هنا جاء اسمها طبقا لأحد تفسيراته، وهي مبنية بالحجارة الصلبة، ويبلغ ارتفاعها 15مترا، وطولها من جهة الملتزم 12.84مترا، وطولها من جهة حِجر إسماعيل 11,28مترا، وبين الركن اليماني والحِجر 12.11مترا، وبين الركنين اليماني والشامي 11.52مترا.

أما ارتفاع الجُدر من فوق سقف الكعبة فهو 80 سم، بينما يبلغ ارتفاع العتبة في أسفل الكعبة 45 سم، وارتفاع الزاوية التي فوق العتبة 13 سم.

وللكعبة معالم بارزة بعضها داخل في تكوينها وبعضها الآخر منفصل عنها لكنه يقع بجوارها، ونلخص التعريف بها في الآتي:

أ- المعالم اللصيقة:
وهي أجزاء متصلة ببناء الكعبة ولكل منها اسم يعرف به؛ وهي كما يلي:

1- الحَجَر الأسود: يقع داخل ركن الكعبة الجنوبي الشرقي على ارتفاع 1.5 متر من أرض المطاف، وهو حجر صقيل بيضي الشكل ولونه أقرب إلى الحمرة، قطره نحو 30 سنتمترا ويحيط به إطار من الفضة عرضه 10 سنتمترات يقال إن أول من وضعه عليه عبد الله بن الزبير. وفي بعض الأحاديث النبوية أن جبريل جاء بالحَجَر من الجنة وناوله إبراهيم عليه السلام.

2- المُلتزَم: هو الجزء المحصور بين ركن الحَجَر وباب الكعبة، سُمي بذلك لأن الطائف بالبيت يلتزمه (يلتصق به) عند دعائه لله تعالى واستغاثته به.

3- باب الكعبة: هو باب واحد مرصع بالذهب الخالص ويقع في الجانب الشرقي من الكعبة بين الملتزم والحجر الأسود. وعرض باب الكعبة 1.90متر وطوله 3.10 أمتار، ومن الأرض إلى أسفل الباب 2.25 مترين.

ويلتحق بباب الكعبة قفله ومفتاحه، إضافة إلى السلم الذي يُصعد به إليه وهو من الخشب المصفح بالفضة ويوضع في مكانه حين يراد فتح البيت.

4- حِجر إسماعيل: هو الحائط الواقع شمالي الكعبة وشكله الهندسي نصف دائري، ويكون على يسار الطائفين بالبيت ولا يصح الطواف إذا مر الطائف بينه وبين الكعبة.

5- الميزاب: هو مصب المطر الذي يسقط على ظهر الكعبة، ويقع في الجهة الشمالية منها بحيث يصب على حجر إسماعيل، واول من صنعه قريش. وهو ملبس بصفائح من الذهب، وطوله 1.95 متر، وعرضه 26 سنتمترا، وارتفاع جانبيْه 23 سنتمترا.

6- الركن اليماني: هو أشهر أركان الكعبة ويُستحب للطائف بالبيت أن يلمسه في كل شوط إن استطاع وإلا أشار إليه بيده، وبينه وبين الحِجر 12.11 مترا، وبين الركنين اليماني والشامي 11.52 مترا.

7- الشاذروان: بناء لطيف ملصق بحائط الكعبة في أسفل جدارها مما يلي أرض المطاف من جهاتها الثلاث عدا جهة حِجْر إسماعيل، وهو من أصل جدار الكعبة ومن قواعد إبراهيم عليه السلام التي وضعها. وترتبط به حلقات حديدية لتثبيت كسوة الكعبة.


ب- المعالم المنفصلة
:
وهي معالم مرتبطة بالكعبة لكنها تقع في محيطها منفصلة عنها، وهي:

1- مقام إبراهيم: هو حَجَر رخو من نوع حجر الماء لونه بين البياض والسواد والصفرة، وكان يقف عليه إبراهيم عليه السلام حين ارتفع بناء الكعبة عن مستوى قامته. وهو مربع الشكل وطوله حوالي نصف متر.

وكان مقام إبراهيم حجرا ملصقا بحائط الكعبة إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخره عن البيت توسعة على المصلين والطائفين، وكانت آثار قدميْ إبراهيم ظاهرة في الصخرة إلى أول الإسلام ثم انطمست بمرور الزمن. ويشرع للطائف أن يصلي ركعتين خلف المقام بعد انتهاء الطواف، لقوله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى".

2- بئر زمزم: هو البئر التي تقع جنوب مقام إبراهيم على بعد 18 مترا منه داخل المسجد الحرام، ويرجع تاريخ نشأتها إلى مقدم إبراهيم عليه السلام من الشام إلى مكة المكرمة، حيث ترك زوجته هاجر وابنهما إسماعيل وهو رضيع عند مكان البيت، فنفد ما كان معهما من الماء فجعلت هاجر تسعى فزعة بين الصفا والمروة بحثا عن الماء.

فلما أتمت سبعة أشواط -انتهت فيها إلى المروة- عادت إلى طفلها إسماعيل فإذا بالماء ينبع حوله فحوّطته بما استطاعت و"زمّته" أي قالت له: زم زم، يعني: لا تتبدد ولا تتفرق، فسمي لذلك "بئر زمزم".

وبئر زمزم مباركة إذ ورد في الحديث الصحيح أن من فجرها هو أحد الملائكة عليهم السلام، وقد قال النبي (ص): "ماء زمزم لما شرب له".

3- الصفا والمروة: هما صخرتان كبيرتان تشكل كل منهما جزءا من أحد الجبال القريبة من المسجد الحرام، فـ"الصفا" جزء من جبل أبي قبيس وتقع في الجهة الجنوبية من المسجد، و"المروة" جزء من جبل قعيقعان وتقع في الجهة الشمالية من المسجد.

ويربط بين الصفا والمروة ممر يبلغ طوله 394 مترا وعرضه 40 مترا يسمى "المسعى"، وهو المكان الذي سعت فيه هاجر زوجة النبي إبراهيم عليه السلام -أثناء بحها عن الماء لتسقي رضيعها إسماعيل- سبعة أشواط، وأصبح سعيها ذلك شعيرة دينية لا يكتمل الحج والعمرة إلا بأدائها.

وفي العهد السعودي تمت على مراحل عملية ترميم وتطوير وتوسيع المسعى، فرُصف بحجر الصوان حماية للحجاج والمعتمرين من الغبار والأتربة، وبُنيت على طوله طوابق لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الساعين مع تركيب سلالم كهربائية، كما أضيفت أبواب جديدة في الأعلى والأسفل مؤدية إلى داخل الحرم وخارجه باتجاه داخل مكة ومنطقة المشاعر.

ثالثا: داخل الكعبة
يوجد في داخل الكعبة المشرفة ثلاثة أعمدة من الخشب المنقوش بمهارة لدعم السقف بارتفاع حوالي تسعة أمتار محلاة بزخارف ذهبية، كما توجد بلاطة رخامية واحدة بلون غامق تحدد موضع سجود الرسول صلى الله عليه وسلم.

يغطي أرضية الكعبة رخام من اللون الأبيض وذلك في منطقة الوسط، أما الأطراف التي يحددها شريط من الرخام الأسود فهي من الرخام الوردي الذي يرتفع إلى جدران الكعبة مسافة أربعة أمتار دون أن يلاصق جدارها الأصلي، أما المسافة المتبقية فيغطيها قماش الكعبة الأخضر المزين بآيات قرآنية كتبت بالفضة، وتمتد حتى تغطي سقف الكعبة.

كما يوجد داخلها عدد من القناديل المعلقة المصنوعة من النحاس والفضة والزجاج المنقوش بآيات قرآنية تعود للعهد العثماني، ومجموعة من بلاطات الرخام التي تم تجميعها من كل عهد من عهود من قاموا بتوسعة الحرم المكي الشريف، إضافة إلى سُلّم مصنوع من الألومنيوم والكريستال يصل حتى سقف الكعبة.

رابعا: سدانة الكعبة
يطلق اسم السادن على من يقوم بجميع أمور الكعبة من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوارها.

وتتولى السدانة أسرة بني شيبة القرشية التي سلمها الرسول صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة مفتاح الكعبة وقال لأبنائها الشيبيين: "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم".

ولا يشترط أن يكون السادن الجديد هو ابن السادن السابق فمن الممكن أن يذهب المفتاح إلى ابن العم وهكذا، فالسن هو الذي يحدد السادن.

ويحتفظ كبير السدنة بمفتاح الكعبة ولا يجرؤ أحد على أن يدخل الكعبة إلا بإذنه. وتـُسلم كسوة الكعبة الخارجية إلى كبير السدنة ليتم تركيبها على الكعبة في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام، وذلك بحضور أفراد من أسرة بني شيبة وكبار المسؤولين الرسميين والزوار المدعوين.

المصدر : الجزيرة