مناطق عربية مهددة بالغرق

هذه صور التقطتها اليوم لمدينة نواكشوط.يظهر فيها المسجد الجامع وممثلية شركة المعادن الموريتانية عملاق الاقتصاد الموريتاني، والقصر الرئاسي، وخزان المياه الرئيسي في نواكشوط. هي هدية رأس السنة الهجرية للموسوعة ومنسق الموسوعة. مودتي وكل تقديري أحمد الأمين
العاصمة الموريتانية نواكشوط تقول دراسات إنها مهددة باجتياح مياه المحيط الأطلسي بحلول 2020 (الجزيرة)
أكدت تقارير ودراسات عربية ودولية كثيرة أن المنطقة العربية تقع في دائرة الخطر جراء التغيرات المناخية، وقال المنتدى العربي للبيئة والتنمية إن دولا بينها مصر وتونس والمغرب والجزائر والكويت وقطر والبحرين والإمارات، مهددة بارتفاع منسوب البحار فيها جراء هذه التغيرات.

ويؤكد الخبراء البيئيون أن المجموعة العربية جزء أساسي في النقاش الدائر عالميا حول التغيرات المناخية، باعتبارها تعاني من الظاهرة ومن تأثيراتها المباشرة على المنطقة العربية التي تشهد نموا حضريا كبير، حيث يعيش حاليا 56% من سكان الوطن العربي في المدن والمراكز الحضرية.

ومن المتوقع أن يزداد عدد السكان في المدن والمناطق الحضرية بنسبة 75% بحلول عام 2050. ورغم ذلك فإن مدنا عربية كثيرة لم تتكيف بعدُ مع الظروف الراهنة وليست مستعدة لمواجهة هذه التغيرات.

التأثر العربي
وقد توقعت دراسة أميركية نشرتها دورية "نيتشر كلايميت تشينج" يوم 31 أغسطس/آب 2015  تشكل أعاصير استوائية للمرة الأولى في الخليج العربي جراء التغير المناخي وكآثار جانبية لظاهرة الانحباس الحراري، مضيفة أن المياه الضحلة والدافئة للخليج العربي -الذي لم تسجل به أي أعاصير من قبل- قد توّلد عواصف في المستقبل.

وقالت الدراسة إن إعصار جونو في بحر العرب كان أقرب إعصار من منطقة الخليج، حيث ضرب سلطنة عمان وإيران عام 2007 وتسبب في مصرع 78 شخصا إضافة إلى أضرار قدرت بـ4.4 مليارات دولار. ووصف علماء مثل هذه الأعاصير الاستوائية الشديدة المتوقعة بالأعاصير الرمادية، قائلين إنه لا يمكن التكهن بها من خلال التاريخ فقط.

وكان خبراء دوليون في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأستوكهولم أصدروا تقريرا خطيرا في سبتمبر/أيلول 2014 يتوقع أن ينجم عن الانحباس الحراري -الذي تسببه نشاطات الإنسان المختلفة- زيادة في درجة حرارة الأرض قد تصل إلى 4.8 درجات مئوية بحلول عام 2100، علما بأن حرارة الأرض قد ارتفعت 0.8 درجة مئوية منذ بداية الثورة الصناعية.

وتنبأ التقرير بأن مستوى الماء في بحار العالم سيرتفع بنحو 82 سنتيمترا جراء ذوبان الثلوج في القطبين بحلول عام 2100، وأن ذلك ستكون له عواقب وخيمة على التجمعات السكانية المحاذية لتلك البحار بما فيها بعض المدن العربية الشاطئية.

ورغم أن الدول العربية لا تساهم في الانبعاثات الغازية الضارة بأكثر من 5%، فإن تأثيرات التغير المناخي ستكون قاسية عليها، نظرا لوقوع كثير من الدول العربية قرب سواحل البحار التي تتركز فيها أغلبية النشاطات الاقتصادية والصناعية والزراعية والسكانية المختلفة، التي ستتأثر مباشرة بارتفاع مستويات البحار الناجمة عن التغير المناخي العالمي، مما سيؤدي إلى غرق تلك المناطق الساحلية وزيادة ملوحة التربة والمياه العذبة الشحيحة الموجودة في الآبار الجوفية.

وتقدر الدراسات أن ارتفاع مستوى المياه مترا واحدا سيؤثر على نحو 41500 كيلومتر مربع من الأراضي الساحلية العربية مما سيضر بـ3.2% من عدد السكان، إذ ستغمر المياه ما بين 12% و15% من دلتا النيل، وستخسر البحرين نحو 20% من أراضيها، كما ستتأثر كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وقطر والكويت والإمارات.

وكان تقرير للبنك الدولي صدر يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2012 كشف أن الكوارث الناجمة عن التغير المناخي كبدت المنطقة العربية خسائر مباشرة بقيمة 12 مليار دولار، وأثرت على حياة خمسين مليون عربي خلال الثلاثين عاماً الماضية.

وأوضح التقرير أن الخسائر غير المباشرة للكوارث تفوق المبلغ المذكور مرات عديدة. محذرا من غرق بعض المدن العربية الساحلية بسبب ارتفاع مستوى مياه البحار مثل الإسكندرية وعدن وجدة.

وأشار تقرير مماثل نشرته مؤسسة ناشونال جيوغرافيك إلى ارتفاع منسوب المياه بالبحر الأبيض المتوسط، مما سيؤدي إلى غرق المناطق الساحلية لمعظم الدول العربية بدءا من المغرب غربا، وقد يمتد إلى الخليج شرقا إذا تواصل ارتفاع درجات الحرارة.

نماذج عربية
1- نواكشوط
:
تصنف موريتانيا ضمن الدول العشر الأكثر عرضة لمخاطر التغيرات المناخية التي تجتاح العالم، ولذلك فإن العاصمة الموريتانية نواكشوط -التي تأسست نهاية خمسينيات القرن العشرين، ويسكنها نحو مليون نسمة- تواجه خطر الغرق على نحو مطرد، لأن أغلب أحيائها -التي تكثر فيها المساكن العشوائية وأحياء الصفيح- تقع تحت مستوى مياه المحيط الأطلسي الذي يحدها من الغرب.

 ويرى الخبير البيئي الموريتاني أحمد ولد السنهوري -في تصريحات للجزيرة نت- أن تدهور الحاجز الرملي الواقع بين المحيط ونواكشوط -نتيجة استغلاله طيلة عقود من قبل السكان في أعمال البناء والإنشاءات المختلفة- يعد السبب الرئيسي لحالة الخطر التي توجد فيها المدينة حاليا، بحكم انخفاضها عن مستوى المحيط وتآكل الحواجز الرملية كما هو الحال في منطقة ميناء العاصمة.

وأكدت دراسة أعدها خبراء عام 2008 أن أجزاء واسعة من نواكشوط ستغمرها مياه المحيط بحلول 2020 إذا لم تتخذ إجراءات وقائية قبل ذلك التاريخ، بسبب تأثير التغيرات المناخية العالمية التي باتت تهدد سكان أجزاء واسعة من العالم بالأعاصير والفيضانات، ومن ضمنها المناطق الساحلية كما هو حال نواكشوط، بسبب ارتفاع مستويات البحار والمحيطات إثر ذوبان الجليد في المحيطات المتجمدة.

 قد اعترفت الحكومة الموريتانية بالمخاطر التي تواجهها عاصمتها، وأعلنت 2009 جملة من الإجراءات الوقائية الهادفة إلى حماية الحاجز الرملي الفاصل بين الشاطئ والمدينة، من بينها إصدار قانون يحمي هذا الحاجز ويمنع مرور السيارات منه ويحرم البناء عليه، خاصة المناطق الضعيفة فيه والتي حددتها السلطات المختصة بـ11 منطقة، والتخطيط لرفع مستوى الحاجز الرملي بمترين إلى ثلاثة أمتار خلال سنة، لأنه يمثل الوقاية الوحيدة من الفيضانات. إضافة إلى إقرار خطة شاملة لاستصلاح الشاطئ عموما.

وتقول السلطات الموريتانية إن خطر تعرض العاصمة وحاجزها الرملي لفيضان بحري سيبقى واردا إذا توفرت ثلاثة عوامل في نفس الوقت: أن يكون البحر في حالة مد، واتجاه الرياح غربية إلى شرقية، وأن يتزامن ذلك مع الفترة التي يكون فيها القمر والشمس عموديين نحو البحر. بينما يقول خبراء إن مياه المحيط لن تغمر نواكشوط وحدها بل ستتجاوزها لنحو 150 كلم شرقا.

وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد ناشد المجتمع الدولي أثناء انعقاد قمة كوبنهاغن للمناخ 2009 تقديم مساعدات ضرورية لتفادي غرق عاصمة بلاده، معلنا -لأول مرة من طرف رئيس للبلاد- أنها "مهددة تهديدا جديا بالغرق" بسبب وقوعها تحت مستوى سطح البحر.

وفي سنة 2011 كلفت الحكومة الموريتانية شركة هولندية بإعداد دراسة عن التأثيرات البيئية على العاصمة، وخلصت الدراسة إلى أن عددا من أحياء المدينة ستغرق نهائيا بحلول 2020. وحذرت من غرقها بشكل كامل سنة 2050 إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات للحد من ارتفاع منسوب المياه وتشييد حاجز بينها وبين المحيط.

2- دلتا مصر:
في ديسمبر/كانون الأول عام 2007 دعت مصر أمام المؤتمر الوزاري للتغيرات المناخية في إندونيسيا إلى وضع قائمة بالدول المهددة باحتمال ارتفاع منسوب البحار نتيجة التغيرات المناخية العالمية، وكانت تلك الدعوة تستبطن حقيقة المخاطر التي تتربص بمنطقة الدلتا في شمالي البلاد التي تقول تقارير دولية متواترة إنها ربما تغرق أجزاء كبيرة منها في غضون عقود.

وحسب توقعات وردت في تقرير أصدرته اللجنة الحكومية الأميركية للتغير المناخي فإن الدلتا -التي عندها يتصل نهر النيل بسواحل البحر المتوسط على امتداد 240 كيلومترا، وتبلغ مساحتها عشرة آلاف ميل مربع- مهددة بالاختفاء الكامل في مستقبل غير بعيد، وقد وضعت اللجنة هذه الدلتا بين أكثر ثلاث مناطق في العالم معرضة للغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار نتيجة ذوبان الجليد.

ويقول رئيس اللجنة المرشح الرئاسي السابق في أميركا آل غور إن الخطر يهدد حياة ثلثي سكان مصر الذين يقطنون منطقة الدلتا موفرين 60% من غذاء المصريين مما تدرّه أراضيها من خيرات زراعية. وفي تفصيل أكثر يذهب التقرير إلى أن 20% من أراضي الدلتا ستختفي غرقا في غضون قرن.

ويرجع التقرير هذه التحولات المتوقعة أساسا إلى التغير المناخي الذي نتج عنه تمدد الكتل المائية في البحر بسبب ارتفاع الحرارة وارتفاع مستوى البحر، بحكم ذوبان كتل جليدية كبيرة في القطبين وتكرر انهيارات هائلة للتربة في المناطق الساحلية الواقعة على ضفاف المتوسط، إضافة إلى برامج تنموية لم تأخذ في الحسبان مقتضيات الحفاظ على البيئة.

ومع ذلك أشار التقرير إلى أن الحكومة المصرية لم تول الموضوع ما يستحقه، رغم أنه يمس في الصميم مواردها الفلاحية والصناعية والسياحية، بل على العكس من ذلك تغض حكومة القاهرة الطرف عن التهام حركة البناء للأراضي الخصبة في ظل نفوذ كامل لعوائل ثرية مستفيدة ذكر التقرير بعضها بالاسم.

وأوضح الخبير المصري في قضايا المياه والبيئة الدكتور ضياء الدين القوصي -في لقاء مع الجزيرة- أن معظم التقارير ذات الصلة تقول إن ارتفاع منسوب سطح البحر يزيد بمعدل حوالي 12، 13، 15 مليمترا في السنة، مع انخفاض أرضية الدلتا لتناقص الطمي الذي كان يجلبه إليها النيل سنويا.

وأضاف القوصي أن مجموع حاصل العاملين (ارتفاع سطح البحر وانخفاض أراضي الدلتا) يصل إلى حوالي سنتيمترين أو عشرين مليمترا في السنة، ومعنى هذا أنه خلال خمسين عاما سيكون هناك فرق متر واحد (المتر قد يؤدي إلى غرق مساحة 4500 كيلومترا، ويهجر خمسة ملايين وخمسمائة ألف من السكان). مشيرا إلى أن المخاطر تستهدف بعض المناطق الأخرى في بور سعيد والإسكندرية.

ومن الآثار التي ستترتب على غرق الدلتا -وهي أراض خصبة جدا- خروج بعض هذه الأراضي من الإنتاجية الزراعية، ويستتبع ذلك تهجير بعض السكان وإيقاف بعض المصانع التي قد تكون في المناطق المنخفضة. كما أن المنطقة ستغرق بمياه مالحة ستؤثر على ملوحة الأراضي في شمال الدلتا وكذلك ملوحة المياه الجوفية بالقرب من سواحل البحر.

هذا بالإضافة إلى غرق ملايين الأفدنة الزراعية والمناطق الصناعية والثروة السمكية وتشريد الملايين من المواطنين، وتدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية (مستشفيات ومصانع ومدارس ومصافي بترول ومحطات إنتاج غاز طبيعي) بالمناطق الساحلية المهددة بالغرق بسبب التغيرات المناخية العالمية.

المصدر : الجزيرة