شرعت إسرائيل في بنائه قبل 20 عاما.. ما قصة جدار الفصل العنصري؟

قبل 20 عاما من الآن، وتحديدا في 23 يونيو/حزيران 2002، شرعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون في بناء جدار عازل في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر، بتكلفة إجمالية بلغت نحو 3.4 مليارات دولار.

وفي 9 يوليو/تموز 2004، أفتت محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم قانونية جدار العزل هذا، وطالبت إسرائيل بوقف البناء فيه.

الجدار الطويل كان هدفه منع دخول السكان الفلسطينيين إلى إسرائيل أو المستوطنات القريبة، بينما يقول الفلسطينيون إنه محاولة لإعاقة حياتهم وضم أراض من الضفة الغربية إلى إسرائيل.

ثمة أهداف إستراتيجية من وراء بناء إسرائيل الجدار العازل في الأراضي المحتلة، حيث يمثل الجدار العازل أحد تجليات السياسات الإسرائيلية الاحتلالية التوسعية الساعية للسيطرة على أكبر مساحة من الأرض وتطهيرها من الوجود الفلسطيني.

ويمثل العامل الأمني أحد أهم الدوافع الإسرائيلية لإنشاء وإقامة هذا الجدار العازل، في محاولة من إسرائيل للقضاء على العمليات الاستشهادية والهجمات المتنوعة من فصائل المقاومة الفلسطينية.

مسار الجدار

يمرُّ الجدار عبر أراض مأهولة وزراعية في الضفة، ويحول دون وصول الفلسطينيين إلى بعض الشوارع المحلية وبعض الحقول، كما أن مساره في المنطقة الشمالية يعزل أكثر من 5 آلاف فلسطيني في مناطق "مغلقة" بين الخط الأخضر والجدار. وقامت السلطات الإسرائيلية بتأسيس شبكة من البوابات في الجدار ونظام تصاريح مرور للتحرك خلاله، وقد أثبتت تلك النظم عدم جدواها في توفير حياة عادية للسكان.

اعتمدت إسرائيل في بناء الجدار العازل على الإسمنت المسلح وبارتفاع يتراوح بين 4.5 و9 أمتار في المناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين، وسياج إلكتروني في المناطق ذات الكثافة المتدنية بالسكان، وأبراج مراقبة مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار، وطريق ترابية مغطاة بالرمال لكشف الأثر.

يبلغ طول الجدار في الضفة المحتلة 770 كيلومترا، بينها نحو 142 كيلومترا في الجزء المحيط بالقدس، والمسمى غلاف القدس، أما ارتفاع الجدار فيصل إلى 8 أمتار.

أنجز منه 539 كيلومترا، أي نحو 70%، وهناك نحو 62 كيلومترا قيد الإنجاز تشكل 8% منه، ليبقى ضمن المخطط نحو 170 كيلومترا، أي نحو 22%.

ولم تذكر الوزارة الإسرائيلية نسبة اكتمال شبكة الجدران الإسمنتية والسياجات والخنادق والطرق العسكرية المغلقة، والبالغ طولها 712 كيلومترا.

وبناء على الأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة، لا يزال 214 كيلومترا من هذه الشبكة غير مكتمل.

تأثيرات الجدار

حال الانتهاء من بنائه، سوف يضمن الجدار عزل 733 كيلومترا مربعا من الأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة، أي ما نسبته 12.9% من مساحة الضفة.

تتوزع هذه المساحة الإجمالية المعزولة بين أراض زراعية تقترب من نصف المساحة (348 كيلومترا مربعا، أي نحو 47.5%) ومستوطنات وقواعد عسكرية (110 كيلومترات مربعة، أي نحو 15%) ومناطق مفتوحة وغابات (250 كيلومترا أي نحو 34%).

كما سيعزل الجدار نحو 200 كيلومتر مربع من منطقة الأغوار التي تعدّ سلة فلسطين الغذائية، وتقع في الجهة الشرقية لفلسطين.

وعلى الرغم من أن 15% من مقاطع الجدار تمتد على حدود عام 1948، فإن الباقي يتم بناؤه حسب الخرائط الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

ويمس ذلك الجدار من خلال مساره 8 محافظات فلسطينية تضم 180 تجمعا، وتشير تقارير إلى أنه سيؤثر على حياة 210 آلاف فلسطيني يقطنون 67 قرية ومدينة بالضفة، بما فيها القدس الشرقية المحتلة.

كما يدخل الجدار بـ 22 كيلومترا في عمق الضفة، ويعزل أكثر من 13 تجمعا سكانيا به 11 ألفا و700 فلسطيني سيجدون أنفسهم سجناء في المنطقة بين الخط الأخضر والجدار العازل.

وسيوجِد الجدار منطقة حزام أمني جديدة، ويجعل 19 تجمعا سكانيا يسكنه 128 ألفا و500 فلسطيني محاصرين في مناطق وبؤر معزولة.

وسيفصل بين 72 ألفا و200 فلسطيني من سكان 36 تجمعا شرق الجدار وبين حقولهم وأرضهم الزراعية التي تقع إلى الغرب منه.

وفي المجمل سيلتهم الجدار نحو 46% من مساحة الضفة البالغة 5 آلاف و800 كيلومتر مربع، هذا فضلا عن عزله مدينة القدس ديموغرافيا وجغرافيا عن مدن وقرى الضفة.

وينتهك الجدار الحقوق الأساسية لنحو مليون فلسطيني بالأراضي المحتلة، حيث سيضطر الآلاف منهم إلى استصدار تصاريح خاصة من الاحتلال، للسماح لهم بمواصلة العيش والتنقل بين منازلهم من جهة وأراضيهم من جهة ثانية.

وبعد اكتمال الجدار (لم تعلن تل أبيب عن موعد محدد) ستسيطر إسرائيل بالقوة على 80% من مصادر المياه الفلسطينية المتاحة بالضفة، والمقدرة في مجملها بنحو 750 مليون متر مكعب سنويا.

كما أن 37% من القرى التي تعتمد على الزراعة -ويمر الجدار بها- تأثرت دورتها الاقتصادية، مما سيؤدي إلى تدمير صناعة زيت الزيتون بعد أن كانت هذه المنطقة تنتج 22 ألف طن من زيت الزيتون كل موسم، و50 ألف طن من الفاكهة، ومليون طن من الخضراوات.

وسيؤدي أيضا إلى منع نحو 10 آلاف رأس من الماشية من الوصول إلى المراعي التي تقع غرب الجدار العازل.

ومن آثاره أيضا عزل نحو ربع المقدسيين عن مركز المدينة، ودفع عدد منهم إلى تغيير مكان إقامته، علما بأن نسبة الفقر بلغت نحو 82% شرق القدس بسبب الجدار.

كما أن النظامين التعليمي والصحي الفلسطينيين تأثرا أيضا جراء الاستمرار في بناء الجدار العنصري حيث يضطر 20% من الطلاب و19% من المعلمين و37% من موظفي الخدمات إلى اجتياز الجدار بشكل يومي للوصول إلى مدارسهم شرق القدس، وأصبح من المستحيل على عشرات الآلاف الوصول إلى المراكز الصحية والمستشفيات الواقعة شرق الجدار.

ورغم أن الجدار أسهم في التقليل من العمليات التي تستهدف الكيان الإسرائيلي، فإنه لم يحقق أهدافه في ضمان الأمن لعناصر الاحتلال، خاصة بعد أن تمكن الفلسطينيون من تطوير أساليب المقاومة وتنويعها بحسب مقتضيات الظروف الزمانية والمكانية.

كما أنه -على مستوى الجبهة الإسرائيلية- طرح إشكالات أخرى عبر عنها سابقا الجنرال إيفي إيتام زعيم حزب مفدال المتطرف بقوله "إن من يريد إثبات انتصار الحركة الوطنية الفلسطينية على الحكومة الإسرائيلية عليه أن ينظر إلى هذا الجدار الذي يعكف الجيش على إقامته حولنا، أي إنجاز يريده الفلسطينيون أكثر مما حققوه بإجبارنا على الانغلاق خلف الجدران الإسمنتية والأسلاك الشائكة".

كما ذهب بنحاس فالنتشتاين -أحد قادة المستوطنين بالضفة- إلى حد وصف هذا الجدار بجدار معسكر "أوشفيتز" وهو أحد مراكز الاعتقال التي أقامها النازيون لليهود في بولندا أوائل الأربعينيات، مضيفا أن الفرق المهم هو أن "أوشفيتز" بناه أعداؤنا أما هذا الجدار "فنحن الذين نقيمه لأنفسنا".

الخط الزمني لتاريخ الجدار

ـ عام 1995: كان رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين، الذي تم اغتياله على أيدي متطرف يهودي، أول من أثار فكرة إقامة جدار فاصل مع الفلسطينيين، لكن رابين لم يكن يتحدث بالطبع عن أن يكون الجدار على امتداد الخط الأخضر، لكنه كان يقترح جداراً ملتوياً بحيث تقع القدس الشرقية وبعض مناطق الضفة داخله وباقي الأراضي الفلسطينية خارجه.

ـ لم تجد فكرة رابين وقتها إجماعاً بين الساسة الإسرائيليين، وبخاصة من جانب حزب ليكود اليميني، على اعتبار أنهم يريدون مواصلة احتلال جميع أراضي فلسطين بالكامل.

ـ خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، وجدت فكرة بناء جدار عازل صدى جديداً، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة العمليات المسلحة للمقاومة الفلسطينية خلف الخط الأخضر أو داخل ما بات يعرف بالعمق الإسرائيلي.

ـ نوفمبر/تشرين الثاني 2000: رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك يقر خطة لإنشاء جدار بالقسم الشمالي والأوسط من الضفة لمنع مرور المركبات.

ـ يونيو/حزيران 2001: رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون يقوم بتشكيل لجنة توجيهية برئاسة مدير مجلس الأمن القومي عوزي دايان بهدف تطوير خطة أكثر شمولية لمنع المسلحين الفلسطينيين من التسلل إلى المناطق الإسرائيلية.

ـ أدت توصيات هذه اللجنة إلى تنفيذ وتوسيع خطة باراك السابقة بحيث يتم بناء جدار يمنع الفلسطينيين من العبور سيرا على الأقدام إلى إسرائيل في مناطق تشكل تهديدا كبيرا على منطقة من الأرض تمتد على جانبي الخط الأخضر.

ـ أبريل/نيسان 2002: الحكومة الإسرائيلية تقرر الشروع ببناء جدار مكون من مقاطع سياجية وجدران إسمنتية في 3 مناطق من الضفة، كما تم إنشاء "إدارة منطقة الفصل" برئاسة مدير عام وزارة الدفاع، كما بدأت قوات الجيش الإسرائيلي بمصادرة الأراضي وتجريفها.

ـ جاء هذا القرار بعد موجة من الهجمات الاستشهادية في المدن الإسرائيلية أدت إلى سقوط العشرات من القتلى ومئات الجرحى من الإسرائيليين.

ـ يونيو/حزيران 2002: إدارة منطقة الفصل تشرع ببناء المرحلة الأولى من الجدار بناء على إقرار الخطة من خلال قرار الحكومة الإسرائيلية رقم 2077 الصادر في اجتماع الحكومة بتاريخ 23 يونيو/حزيران، وتنص هذه الخطة على بناء مقاطع من الجدار شمال الضفة، وعلى الحدود الشمالية والجنوبية من "غلاف القدس".

ـ 14 أغسطس/آب 2002: الحكومة الإسرائيلية تقر مسار المرحلة الأولى من الجدار المكون من 123 كيلومترا من الجدران والأسيجة في مناطق شمال الضفة بالإضافة إلى 20 كيلومترا حول القدس.

ـ أكتوبر/تشرين الأول 2003: الحكومة الإسرئيلية تصدر الخطة الكاملة لمسار الجدار في الضفة.

ـ 30 يونيو/حزيران 2004: الحكومة الإسرائيلية تصدر تعديلا على مسار الجدار المعلن سابقا.

ـ 30 يونيو/حزيران 2004: محكمة العدل العليا الإسرائيلية تصدر قرارا يوجب أخذ الاعتبارات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين بالحسبان أثناء تخطيط وبناء الجدار.

ـ 9 يوليو/تموز 2004: محكمة العدل الدولية تصدر رأيا استشاريا ينص على أن الجدار الذي يتم بناؤه في الضفة يخالف القانون الدولي، وتطالب بتفكيك الجدار وتعويض المتضررين.

ـ 20 يوليو/تموز 2004: 150 بلدا عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من ضمنهم جميع دول الاتحاد الأوروبي الـ 25 حينها، صوتوا لصالح القرار، بينما عارضته 6 دول تتقدمها الولايات المتحدة وأستراليا وإسرائيل، وامتنعت عن التصويت 10 دول.

ـ 20 يوليو/تموز 2004: أكدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على القرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية.

ـ 20 فبراير/شباط 2005: الحكومة الإسرائيلية تصدر تعديلا على مسار الجدار المعلن سابقا.
ـ 15 سبتمبر/أيلول 2005: محكمة العدل العليا الإسرائيلية تقول إن الجدار لا يخالف القانون الدولي، وإنها ستواصل فحص تأثير مقاطع من الجدار على السكان الفلسطينيين، وذلك في تناقض صارخ مع قرار محكمة العدل الدولية.

ـ 30 أبريل/نيسان 2006: الحكومة الإسرائيلية تقر مسارا معدلا للجدار.

ـ 2 أغسطس/آب 2017: أعلنت وزارة الأمن الإسرائيلية أنها أنجزت بناء جزء بطول 42 كيلومترا من الجدار بين "ترقوميا وميتر" في إشارة إلى قرية ترقوميا الفلسطينية شمال غرب الخليل، ومعبر "ميتر" جنوب الخليل القريب من مستوطنة تحمل الاسم نفسه.

ـ فبراير/شباط 2022: انهار جزء من جدار الفصل العنصري بطول 7 أمتار، بسبب هطول كميات كبيرة من الأمطار والضغط الداخلي للأتربة وكميات من النفايات، داخل المنطقة الفلسطينية من القدس المحتلة التي تعاني عادة من إهمال بلدية الاحتلال.

المصدر : الجزيرة + ويكيبيديا