رام الله.. مدينة فلسطينية قاومت الإنجليز وتصارع الاستيطان الإسرائيلي

مدينة رام الله بالضفة الغربية
أصبحت رام الله عاصمة للسلطة الوطنية الفلسطينية بعد توقيع اتفاقية أوسلو للسلام (رام الله)

مدينة فلسطينية، تقع في الضفة الغربية في قلب فلسطين التاريخية، وهي العاصمة الإدارية المؤقتة للسلطة الفلسطينية، وفيها مقر الرئاسة ومعظم الوزارات. تعتبر العاصمة الثقافية للضفة الغربية، وتحتل مركز النشاط الاقتصادي فيها، وهي موضع جذب سياحي، ومنتجع صيفي مشهور، تتميز بجمال الطبيعة ووفرة المتاحف والمعارض الفنية والمسارح والحدائق. 

الموقع والجغرافيا

تقع مدينة رام الله في الضفة الغربية، على تلال هضبة جبال القدس الشمالية، في قلب فلسطين التاريخية، حيث تتوسط سلسلة الجبال الفلسطينية الممتدة من الشمال إلى الجنوب، كما تقع في منطقة متوسطة بين الأغوار شرقا والسهل الساحلي الفلسطيني غربا.

وتتميز المرتفعات في منطقة رام الله بالاعتدال، إذ يقل ارتفاعها مقارنة بالمرتفعات الشمالية، وتصل أعلى قممها نحو 860 مترا فوق مستوى سطح البحر، وتزداد سلسلة الجبال في المنطقة اتساعا لتتخذ شكل هضبة عريضة، تتخللها أودية كثيرة قليلة الانحدار، إضافة إلى ممرات ومنافذ طبيعية للتنقل والحركة.

وتمتد مدينة رام الله على مساحة تبلغ ما يقارب 20 كيلومترا مربعا، وتشكل مع مدينة البيرة وحدة جغرافية واحدة، حيث كانتا قريتين متجاورتين، استمرتا بالتوسع والتمدد حتى اتصلتا وتداخلتا في الشوارع والميادين، لذلك تم دمجهما في محافظة واحدة أطلق عليها "محافظة رام الله والبيرة"، ومركزها مدينة رام الله.

المناخ

تتمتع مدينة رام الله بمناخ معتدل شبه رطب، ينتمي إلى إقليم البحر الأبيض المتوسط، الصيف فيه طويل ودافئ وجاف، والشتاء بارد ممطر، وتتساقط الثلوج أحيانا مع انخفاض درجات الحرارة.

وتتراوح درجات الحرارة على مدار العام، بين 5 و29 درجة مئوية في الغالب، ونادرا ما تكون أقل من درجة مئوية واحدة، أو أعلى من 32 درجة مئوية، ويبلغ معدل الهطول السنوي حوالي 600 ملم.

الأهمية

تتمتع مدينة رام الله بموقع مميز، فهي تتوسط فلسطين التاريخية، وتُعد البوابة الشمالية لمدينة القدس، وقد اكتسبت أهمية خاصة وازدهرت عقب اتفاق أوسلو عام 1993، الذي تشكلت بموجبه السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تسلمت إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، واتخذت من مدينة رام الله العاصمة الإدارية المؤقتة لها، وأصبحت المدينة مقر المقاطعة (مقر الرئاسة) ومعظم الوزارات والمجلس التشريعي والمقر العام لجهاز الأمن.

وتتميز المدينة بحياة ثقافية وفنية نشطة، نظرا لتنوع نسيجها الثقافي والاجتماعي، وتشتهر بوفرة المتاحف والمعارض الفنية والمسارح والحدائق، وباستضافة المهرجانات والندوات والمؤتمرات والمعارض.

وقد أسهم في ذلك وجود المؤسسات الرسمية والأهلية الناشطة بها، مثل مركز الفن الشعبي، ومعهد إدوارد سعيد للموسيقى، والقصر الثقافي التابع لبلدية المدينة، ومركز بلدنا الثقافي، ومركز خليل السكاكيني الثقافي، والمؤسسة الفلسطينية للفن المعاصر، والمركز الثقافي الفرنسي الألماني.

التسمية

يعود اسم "رام الله" على أشهر الأقوال، إلى الأصل الكنعاني "رام" ويعني المنطقة المرتفعة، ثم أضافت العرب بعد ذلك إليه لفظ الجلالة، فأصبح "رام الله" وربما أُريد به "مرتفعات الله"، أو "أراد الله" أو "قصد الله".

وحملت المنطقة اسم "رام الله" منذ عصور مضت، إلا أن الزمن الذي بدأ استخدامه فيه لا يعرف على وجه التأكيد، وجاء في المخطوطات القديمة أنه كان مستخدما إبان الحروب الصليبيية، وجاء في الروايات التاريخية الثابتة، أن قبيلة "حدادين" العربية قدمت في أواخر القرن السادس عشر إلى المنطقة، وأقامت في قرية أو غابة حرجية اسمها "رام الله".

السكان

يبلغ عدد سكان رام الله حوالي 44 ألف نسمة (بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2023). وتعتبر المدينة تاريخيا منطقة ذات أغلبية مسيحية، غير أن الهجرات الداخلية التي وقعت في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، أحدثت تغييرا كبيرا في النسيج السكاني للمدينة.

وفي تسعينات القرن العشرين، أدى تحوّل المدينة إلى مقر إداري للسلطة الفلسطينية ومركز اقتصادي رئيسي إلى تحفيز جديد للهجرة الداخلية، ولكن هذه المرة بدافع اقتصادي في الغالب، وهو ما زاد من تنوع التركيبة الديمغرافية للمدينة، التي بقيت مع ذلك تتميز بأقلية مسيحية بارزة.

الاقتصاد

تعدّ رام الله مركزا اقتصاديا مهما في الضفة الغربية، وسوق عمل تنافسية لتوفر الكثير من فرص العمل الحكومي والخاص، مقارنة بغيرها من مدن الضفة الغربية، وقد ساعد في ذلك تمركز معظم الوكالات الدولية والمكاتب الحكومية فيها وكثير من المؤسسات الخاصة.

كما أن موقعها المتوسط، وامتلاكها شبكة من الطرق المعبدة، التي تربطها بكافة المدن، إضافة إلى تطور حركة العمران فيها، وتأسيس المراكز التجارية وشركات الاتصالات والبنوك وشركات التأمين، ساعد في تحولها إلى مركز جذب للنشاطات التجارية والاستثمارات.

وتمثل المدينة كذلك، مركزا شبه صناعي حيث تم إنشاء العديد من المصانع الصغيرة فيها، مثل: مصانع الأدوية والكرتون والأثاث والمواد الغذائية والصابون، إضافة إلى الكثير من الحرف اليدوية والتقليدية. وقد لعبت البيئة الصناعية في المدينة دورا مهما في توفير فرص عمل عديدة.

وتحظى المدينة بجمال الطبيعة واعتدال المناخ وبموقع جبلي مطل على التضاريس المتنوعة بين التلال والوديان والسهول، ما جعلها مصيفا وطنيا، وموضع جذب سياحي مشهورا، وقد ساعدت السياحة في تنشيط حركة التجارة والصناعة، إذ انتشرت الفنادق والمطاعم والأسواق التجارية والمعارض التي تسوق المنتجات، وشيدت المصانع التي تخدم النشاط السياحي.

وتشتهر المدينة كذلك، بأراضيها الخصبة وعيون الماء، وتحيط بها الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة، كالزيتون والتين وكروم العنب، إضافة إلى الخضراوات والحبوب.

التاريخ

نشأت المستعمرات البشرية في منطقة رام الله ومحيطها في عصور ما قبل التاريخ، وتؤكد الحفريات أن المنطقة كانت مأهولة منذ الحقبة الكنعانية، وتشير الدلائل الأثرية إلى استيطان، غالبا ما يعود إلى النمط الزراعي، في العصرين البرونزي والحديدي، وأن المنطقة كانت مأهولة كذلك في فترات الحضارة الهيلينية والبيزنطية والإسلامية المبكرة.

ومع ثبوت دلائل الاستيطان في منطقة رام الله، فإن الوثائق التاريخية في العصور القديمة لم تأت على ذكرها، إذ كانت حتى الفتوحات الإسلامية مجرد قرية جبلية صغيرة، وأثناء الحملات الصليبية كانت مستعمرة زراعية للصليبيين تُسمي "راملي". ومع أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، تم دحر الصليبيين من الشام تماما، وحينها خلت المستعمرة من ساكنيها، واستمرت على ذلك النحو ما يقارب ثلاثة قرون.

الحكم العثماني

تم إحياؤها من جديد في العهد العثماني، على يد زعيم إحدى العشائر الأردنية المسيحية يسمى "راشد حدادين"، الذي هاجر من بلاده على إثر خلافات مع القبيلة المهيمنة على منطقة الكرك التي كان يقطنها، واستقر في فلسطين أواخر القرن 16م، واشترى الخربة التي كانت تسمى "رام الله"، والتي تميزت بأحراشها وينابيعها وطيب مناخها.

وخلال الحكم العثماني، كانت "رام الله" قرية زراعية صغيرة تابعة لقضاء القدس، تسودها حياة البساطة، وتحكمها القيم القبلية والعشائرية العربية، معظم سكانها من طائفة الروم الأرثوذكس، وعلى الرغم من الروابط الوثيقة بين سكانها، فلم تخل العلاقات بين المسيحيين والمسلمين فيها من بعض التوترات، إلى أن استأثر المسيحيون بالقرية بشكل كامل، في أعقاب خروج المسلمين منها في منتصف القرن السابع عشر.

وأخذت القرية تنمو وتزداد أهمية، حتى أصبحت عام 1902 مركز القرى المجاورة، وباتت مقر مدير الناحية، وأنشئت فيها محكمة صلح وقضاء شرعي، وأصبحت مقصد سكان المنطقة لإجراء معاملاتهم الرسمية، وكذلك أصبحت مركزا لتسويق المنتجات الزراعية والبضائع المختلفة.

وفي عام 1910، تأسست بلدية رام الله، التي امتد عملها ليشمل القرى المجاورة، وشقت الطرق ووفرت الإنارة والمياه، وعملت على تطوير المنطقة والقيام بالإصلاحات الإدارية والتنظيمية، ومعالجة مشاكل السكان الاجتماعية والصحية والأمنية.

الانتداب البريطاني

في عام 1917، دخل الإنجليز البلدة، وكانت فيها ثكنة للألمان، ودارت مناوشات بين الإنجليز من جهة والأتراك والألمان من جهة أخرى، واستطاعت القوات البريطانية الفوز بالمعركة، واضطر الأتراك للانسحاب من القرية، وحينها دخلت رام الله تحت الانتداب البريطاني.

وفي صيف عام 1920، دخلت فلسطين رسميا تحت سلطة الانتداب، وانخرط سكان رام الله في تلك الفترة في الثورات التي قامت في عموم فلسطين، احتجاجا على السياسات البريطانية، وتسهيلها عملية تهويد فلسطين، وكانت رام الله تجهز الثورات بالرجال والمؤن، وكان قضاؤها ثورة متأججة ضد الإنجليز، وقد اعتقل كثير من وجهاء المدينة، لدعمهم الثورة، ونفي آخرون.

وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947، أسس سكان المدينة حركة "الشباب المسلح" التي بنت قلاعا صغيرة، ودافعت عن البلدة في وجه العصابات الصهيونية، كما شاركت بالقتال على جبهات أخرى. وفي حرب عام 1948، استمرت المقاومة في رام الله، وتصدى سكانها للعصابات الصهيونية التي حاولت اقتحام البلدة.

الحكم الأردني

عقب انتهاء الحرب، أصبحت رام الله، كغيرها من مدن الضفة الغربية تابعة لحكومة المملكة الأردنية الهاشمية، وكان المهاجرون الفلسطينيون الذين طردوا قسرا من مدنهم وقراهم يتوافدون على البلدة بأعداد غفيرة، لاسيما من مدينتي اللد والرملة والقرى التي حولهما، فزاد عدد سكانها أضعافا وأصبح غالبيتهم من المهاجرين، وأدى ذلك إلى تغيير كبير في التركيبة السكانية.

وأثناء الحكم الأردني، توسعت البلدة، وتم تأسيس عدد من المدارس وأنشئ متنزه بلدية رام الله وجامع تابع لدائرة الأوقاف الإسلامية، ومع أوائل ستينيات القرن العشرين، تحولت المدينة إلى مركز لواء يحكمها متصرف، بعد أن كانت مركز قضاء في عهد الانتداب البريطاني.

الاحتلال الإسرائيلي

في عام 1967 وقعت رام الله تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي سيطر كذلك على مدينة القدس، وفصلها إداريا عن باقي مدن الضفة الغربية، وقسم الضفة إلى ستة ألوية، وأصبح لواء رام الله مقر القيادة الإسرائيلية في الضفة، ونُقلت إليها كثير من المكاتب والدوائر الحكومية التي كان مقرها القدس.

وأنشأت سلطات الاحتلال أثناء سيطرتها على المدينة عددا من المستوطنات على أراضيها وأراضي القرى التابعة لها، وأخذت تمارس سياساتها العنصرية تجاه السكان، من مصادرة الأراضي وهدم المنازل وفرض القيود والضرائب والقتل والسجن والتنكيل والطرد والإقصاء عن الوظائف والمنع من السفر.

وتباطأ في ظل تلك الظروف التطور الحضري للمدينة، الذي كان قد شهد ازدهارا متزايدا منذ العقد الثالث من القرن العشرين.

السلطة الفلسطينية

بعد توقيع اتفاقية أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، أصبحت المدينة خاضعة للسلطة الوطنية، وفي ديسمبر/كانون الأول 1995، انسحب جيش الاحتلال من المقاطعة، وتراجعت قواته من وسط المدينة إلى ضواحيها.

وازدهرت المدينة نسبيا في الفترة بين العامين 1995 و2000، ومع مرور الزمن، ظهر أن العديد من وعود السلام لم تتحقق، حيث بقي جيش الاحتلال يسيطر على جميع المناطق المحيطة بالمدينة، ولم يحصل السكان على حرية الحركة، حتى إلى مدينة القدس التي تبعد نحو 15 كيلومترا، إذ لا تسمح سلطات الاحتلال بدخول القدس إلا بتصاريح خاصة، يتحصل عليها بصعوبة بالغة.

وزادت السلطات الإسرائيلية من مصادرة الأراضي لصالح المستوطنات الإسرائيلية، التي توسعت حول رام الله بشكل كبير، وأدت شبكة الطرق الالتفافية المخصصة لاستخدام السكان اليهود، إلى عزل العديد من المناطق التابعة للمدينة عن بيئتها الطبيعية، كما زاد مع تلك الظروف ارتفاع معدلات البطالة بين الفلسطينيين.

وفي سبتمبر/أيلول 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى، وشارك سكان رام الله في المظاهرات المناهضة للاحتلال، ثم تحولت المسيرات إلى مواجهة مسلحة، وحفر الاحتلال الطرق المؤدية إلى رام الله، وأنشأ نقاط تفتيش لتقييد حركة الفلسطينيين في الاتجاهين، وبدأ بشن غارات جوية تسببت في مقتل وإصابة العديد من سكان المدينة.

وشنت إسرائيل عملية أطلقت عليها "عملية الدرع الواقي" عام 2002، فرضت خلالها حظر تجوّل شاملا في المدينة، وتعرضت العديد من المؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك مقر السلطة الفلسطينية والوزارات الحكومية والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات حقوق الإنسان والمدارس ومراكز التسوق، للتخريب والنهب، وقُطع التيار الكهربائي، وتعطلت الحياة اليومية، وتدهورت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وبعد انتهاء العملية التي استمرت أكثر من شهر، انسحبت قوات الاحتلال من المدينة، وبنت إسرائيل على إثر ذلك الجدار العازل.

وعلى مدى السنوات التالية، استمرت سلطات الاحتلال في سياساتها العنصرية بحق الفلسطينيين في رام الله، والتي تتضمن توسيع المستوطنات وعمليات الإغلاق والتضييقات في السفر والتنقل بين المدن بسبب الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية، وهو ما يزيد عبء المواطن ويضاعف ضغوط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما تنفذ قوات الاحتلال اقتحامات مستمرة للمدينة ومداهمات للمنازل والممتلكات والمحال التجارية، تصاحبها اعتقالات واشتباكات عسكرية وخسائر في الأرواح والممتلكات.

وبالتزامن مع عدوانها على غزة، في أعقاب معركة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة، كثفت قوات الاحتلال اقتحاماتها لمدينة رام الله وغيرها من مدن الضفة الغربية، وقامت باجتياحات واسعة، رافقها اشتباكات عسكرية، أسفرت عن ضحايا وإصابات في صفوف الفلسطينيين، كما داهمت المنازل وشنت حملة اعتقالات للمواطنين.

المعالم البارزة

تضم مدينة رام الله معالم تاريخية وسياحية بارزة، أهمها:

  • البلدة القديمة: تحتوي على مجموعة من المعالم التاريخية التي تعود إلى عصور متباينة، فمنها ما أُنشئ في العصر الصليبي، مثل: البرج الإفرنجي، والمعصرة. ومنها ما يعود إلى العصور الإسلامية، كالمحكمة العثمانية ومحط المدافع.
  • خربة الطيرة: من أهم المعالم التاريخية في المدينة، وتحتوي على بقايا كنيسة أرضها مرصوفة بالفسيفساء، وتضم قواعد أعمدة وصهاريج محفورة في الصخر.
  • خلة العدس: تضم العديد من القبور الرومانية المنحوتة بالصخر، وجدرانا قديمة تعود إلى العصر الحديدي.
  • خان اللبن: يعود إلى العصر الإسلامي، وقد كان عبارة عن محطة عثمانية للقوافل التجارية.
المصدر : الجزيرة