أحمد الأمين.. "اللهم إني أسألك عافية الدارين"

الزميل الراحل أحمد الأمين

صحفي موريتاني، امتدت تجربته المهنية نحو عشرين عاما، حمل الهم الصحفي وتنقل بين مناطق الاضطراب وجبهات القتال، نقل عبر الجزيرة نت بقلمه المتميز الواقع الموريتاني بمختلف تفاصيله، وأحداث الشأن الأفريقي، عرف بتدينه وحسن خلقه. وكانت "اللهم إني أسالك عافية الدارين" آخر مشاركة له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

المولد والنشأة
في 31 ديسمبر/كانون الأول 1967 أبصر أحمد الأمين النور في أسرة علم وتصوف تقيم بمنطقة أركيبة في ولاية لعصابة شرقي موريتانيا، فنشأ بين أحضان المحاضر وحلق الذكر، تزوج وأنجب طفلة وحيدة.

الدراسة والتكوين
حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، لينال لاحقا الإجازة في القراءات من معهد رابطة العالم الإسلامي في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

وبعد حصوله على الثانوية العامة التحق الراحل بجامعة نواكشوط وحصل منها على درجة ليسانس في القانون العام.

الوظائف والمسؤوليات
ومن بوابة الأدب الذي يعشقه، ولج أحمد الأمين الصحافة والتحق بالوكالة الموريتانية للأنباء عام 1997، فعمل محررا ثقافيا قبل أن يتحول إلى الشؤون السياسية والدولية.

عايش أحداثا كبيرة في موريتانيا، فغطى الانتخابات والانقلابات الفاشلة والناجحة في أعوام 2003
و2004 و2005 و2008، ولاحقا عُين رئيسا لتحرير صحيفة "الشعب" الحكومية، ثم عمل مستشارا لمدير الوكالة الموريتانية للأنباء.

وفي 2007 عمل محررا بصحيفة "العرب" القطرية، ولكنه ما لبث أن عاد إلى نواكشوط ليعمل من جديد في الوكالة الموريتانية للأنباء، ولكنه شغل هذه المرة منصب رئيس التحرير.

وفي 2013 التحق الزميل أحمد الأمين بشبكة الجزيرة الإخبارية، فعمل لأشهر في غرفة أخبار الجزيرة نت مدققا لغويا ثم مراسلا للموقع في نواكشوط.

التجربة الإعلامية
طيلة السنوات الماضية واكب الأمين الشأن الموريتاني، فغطى الأحداث السياسية والمؤتمرات الدولية، وواظب على الحضور في ربوع الحرمان، فكتب عن أوجاع الفقراء والمرضى والمهمشين.

لم يكن الزميل معنيا بموريتانيا فحسب، بل واكب الشأن الأفريقي بشكل عام، وكان حريصا على ضمان تميز الجزيرة في القارة السمراء.

في مالي، غطى جبهات القتال ورصد نقاط التلاقي بين التنظيمات الإسلامية المسلحة وحركات التحرر المنادية باستقلال إقليم أزواد.

وإلى جانب التأزم السياسي والصراع العسكري، فتش الأمين عن كنوز الحقبة العربية والإسلامية في مالي، وكتب نصوصا رائعة عن زحف الرمال والخراب نحو تمبكتو جوهرة الصحراء.

وعندما طرد البوركينابيون رئيسهم بليز كومباوري يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2014، حل أحمد الأمين في اليوم التالي بالعاصمة واغادوغو، ليحدث القراء العرب عن ثورة أحفاد سونكارا وعن الحشود الغفيرة التي تفلتت من عقال الذل وخرجت تلعن الفساد والغبن والاستبداد.

وفي السنغال الأكثر هدوءا في أفريقيا، غطى الأمين الشأن السياسي والاقتصادي وكتب تقارير جميلة عن حضور العربية والدين الإسلامي، وعن تمدد التصوف في المجتمع هناك.

ولمّا تنادى العرب إلى قمتهم مع الأفارقة في غينيا الاستوائية العام الماضي، شد الأمين الرحال إلى مالابو لينقل الحدث عن كثب ويبحث في خلفياته وتداعياته على الجانبين.

وبعدما اندلعت الأزمة الغامبية إثر رفض الرئيس يحيى جامي نتائج انتخابات ديسمبر/كانون الأول الماضي التي خسرها، حل أحمد الأمين في بانجول فكتب عن قلق المواطنين من الخلود في الاستبداد، ومن التدخل العسكري الذي هددت به إكواس لفرض إرادة الناخبين.

لاحقا رحّلته السلطات مع طاقم الجزيرة، لكنه واصل تغطية الشأن الغامبي من دكار ونواكشوط، فأمد الجزيرة بالأخبار العاجلة والخاصة طيلة الأزمة التي تجاوزت بُعدها المحلي لتكتسب زخما إقليميا ثم دوليا.

وبعد رحيل جامي عن السلطة ودخول قوات إكواس إلى العاصمة بانجول، عاد أحمد الأمين ليسلط الضوء على عودة الرئيس المنتخب آداما بارو لبلاده وتركة 22 عاما من حكم الرئيس السابق.

وبالإَضافة إلى تغطياته الميدانية، ساهم أحمد الأمين مساهمة نوعية في إطلاق مشروع موسوعة الجزيرة، وكان أحد الكوادر التي أغنت هذا المشروع انطلاقا من الدوحة ثم نواكشوط، كما كان أحد العناصر النشيطة والمتميزة في مكتب الجزيرة بنواكشوط.

شارك الأمين خلال مسيرته المهنية في العديد من الدورات التدريبية في الدوحة وبيروت وتونس وأماكن أخرى.

كتب في آخر تدوينة له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي يوم 23 يناير/كانون الثاني 2017 "اللهم إني أسألك عافية الدارين مع كفاية هميهما. آمين".

الوفاة
مساء الخميس 26 يناير/كانون الثاني 2017 أرسل الزميل أحمد الأمين إلى موقع الجزيرة تقريرا عن آخر التطورات في العاصمة الغامبية بانجول، وبعدها بقليل تعرض لنوبة قلبية حيث شعر بضيق في التنفس وألم في الصدر لوقت قصير.

حرص على إبلاغ إدارة الجزيرة نت باضطراره إلى مغادرة موقع الحدث في المطار، برسالة بعث بها عبر تطبيق "واتس أب" كتب فيها "تعرضت لوعكة صحية مساء اليوم عندما كنت في المطار، أغطي عودة الرئيس الغامبي إلى بلاده، ثابرت لكن آلاما حادة في الصدر وضيق التنفس اشتد، فاضطرت للذهاب إلى عيادة طبية ما زلت بها حتى الآن أنتظر إجراء بعض الفحوص للصدر وربما تخطيط للقلب، لكن لا داعي للقلق، الحمد لله".

ومباشرة بعد هذه الرسالة بقليل التي ختمها بالحمد، انتقل الأمين إلى جوار ربه.

المصدر : الجزيرة